fbpx

تفكيك مفهوم الحاكمية عند سيد قطب! (الجزء الأول)

0 86

بقلم الباحث بشير حنيدي وإعداد أحمد الرمح

الملخص التنفيذي:

تقوم هذه الدراسة بتفكيك مفهوم الحاكمية الذي قدمه سيد قطب في كتابه (معالم في الطريق) وتعتمد في هذا التفكيك على النص القرآني وسياقه؛ إذ إن اجتزاء الآية من سياقها هو قراءة عضينية – مجتزأة – كما أطلق عليها القرآن؛ لتوضح هذه الدراسة مسألة التدليس العضيني الذي مارسه سيد قطب في تكفيره لكل مسلم يرفض مفهوم الحاكمية كما قدمها قطب؛ وما تزال تنادي به تيارات الإسلام السياسي والتنظيمات المتطرفة المنبثقة منها.

لتبين الورقة أن مسألة الدولة والحكم شأن بشري، وليست موضوعاً إلهياً، وتقدم تطبيق النبي الكريم لمدنية الدولة من خلال وثيقة المدينة وسلوك النبوة، كما توضح تطابق مفهوم الحاكمية الإلهية مع مفهوم الإمامة في إيران الخمينية. وذلك في جزئين من خلال المحاور التالية:

المحاور:

الجزء الأول:

المدخل

مصطلح الحكم في القرآن الكريم؛ هل تم تزويره من قبل سيد قطب؟

تزوير وتدليس دعاة الإسلام السياسي لمصطلح الحاكمية!

مفهوم نظرية الحاكمية مضمونها ومنطلقاتها ونتائجها ومخرجاتها!

تدليس سيد قطب!

الجزء الثاني:

تفكيك حاكمية سيد قطب!

المسألة الأولى: الدولة اختصاص بشري؛ لا إلهي!

هل سبق الخوارج والمعتزلة كارل ماركس في مفهوم وجود الدولة؟

المسألة الثانية: الحكم والسلطة بين بني إسرائيل ورسالة الإسلام

المسألة الثالثة: دولة الرسول ومدنية دستورها!

تطابق مفهوم الحاكمية عند سيد قطب مع الإمامة في الخمينية!

تكفير سيد قطب للمجتمعات المسلمة التي لا تعمل بالحاكمية الإلهية!

الخاتمة والنتائج

المدخل:

الحاكمية لله عنوان سياسي ذو طابع ديني؛ يعد من أبرز عناوين الفكر السياسي لدى الإسلامويين عموماً؛ يتضمن نظرية فكرية سياسية؛ يدعي مقدومها بأنها ذات مرجعية دينية، لتكون المحور المركزي للفكر السياسي لدى الإسلامويين بكل تشكيلاتهم وفصائلهم من السياسية المعتدلة إلى الجهادية المتطرفة.

الفكرة الرئيسية كنواة للنظرية وردت في كتاب “المصطلحات الأربعة في القرآن” للداعية الهندي (أبو الأعلى المودودي) مؤسس حركة “الجماعة الإسلامية في الهند”، والمصطلحات الأربعة التي يعنيها هي (الإله، الرب، العبادة، الدين)[1].

يرى المودودي في كتابه (المصطلحات الأربعة) أن فَهم الإسلام على حقيقته ديناً للتوحيد ومنهجاً للحياة، يرتبط بمدى الفهم الحقيقي لمعاني هذه المصطلحات؛ المسلمون الأوائل كما يقول أدركوا هذه المصطلحات بمدلولاتها القرآنية، فأدركوا الدعوة على حقيقتها ديناً ومنهجاً. فيما بعد التبست المفاهيم وأفرغت المصطلحات من مضامينها القرآنية، فانحرف المسلمون وابتعدوا عن جوهر الإسلام، إلى أن وصلوا إلى مرحلة الإشراك بألوهية الله من حيث لا يشعرون، ذلك أن أصل الألوهية وجوهرها هو السلطة وقبول المسلمين بأي سلطة سياسية في بلدانهم غير سلطة الله هو نوع من الإشراك بألوهية الله. على حد قوله في الكتاب المذكور[2].

تلقف سيد قطب الفكرة، وتابع منهج المودودي بفهم المصطلحات القرآنية وتأويلها، وصولاً إلى نظرية (الحاكمية لله) كما طرحها في كتابيه (في ظلال القرآن) و(معالم في الطريق).

النظرية مضموناً تبحث بطبيعة الحكم والسلطة السياسية في الدولة الإسلامية كما يراها سيد قطب، أما الحاكمية مصطلحاً فقد جاءت اشتقاقاً مباشراً من مصطلح (الحُكُم) الذي ورد في العديد من النصوص القرآنية، ذلك أن سيد قطب تبنى رأي من سبقوه بتسيس المصطلح، ورأى أن المصطلح جاء متضمناً (الحكم/بالمفهوم السياسي المعاصر)، فأغرق فلسفياً بتأويل النصوص التي ورد فيها المصطلح وصولاً إلى تأويل فلسفي فكري سياسي يتناقض مع موقف الإسلام من مسألة الحكم والسياسة[3].

مصطلح الحكم والملك في القرآن الكريم؛ هل تم تزويره من قبل سيد قطب؟

بعيداً عن منطق التأويل والفلسفة، أعتقد أن أي قارئ عربي للقرآن الكريم، لو تتبع مصطلح (الحكم) أينما ورد في القرآن الكريم، مستخدماً منهج التفسير الموضوعي لأدرك تماماً أنه لم يأتِ ولو مرة واحدة دلالة على الحكم/بالمفهوم السياسي، ولا علاقة له بهذا المفهوم إطلاقاً، ذلك أن أغلب الاستخدامات القرآنية لهذا المصطلح كما يقول الدكتور محمد عمارة: ورد بمعنيين: الأول بمعنى القضاء والفصل في المنازعات، والثاني بمعنى الحكمة أي الفقه والعلم والنظر العقلي، ولا علاقة لمصطلح الحكم بالخلافة أو الإمامة، أو ما نسميه نظام الحكم في أدبنا السياسي الحديث[4].

وبالعودة إلى أدبيات الفكر السياسي في التراث العربي الإسلامي، نجد أن مصطلح (الحكم) لم يكن في ساحة الوعي والثقافة العربية الإسلامية يشير إلى السلطة السياسية والسلطة السياسية إنما كان يشار إليها بمصطلح (المُلْـك): بضم الميم وسكون اللام، ومنه يُشْتق مصطلح (المَلِـك/بفتح الميم وكسر اللام) للدلالة على الحاكم السياسي الأعلى في قمة السلطة السياسية.

وقد استخدم القرآن الكريم مصطلح (المُلْـك) في الحديث عن نموذج أنظمة الحكم التي كانت سائدة بمرحلة الرسالة وما قبلها، وكلها كانت تعتمد نموذج النظام الملكي وإن تغيرت مسمياته، ولا تعرف نظاماً سياسياً غيره إطلاقاً، وقد ورد هذا المصطلح في العديد من النصوص القرآنية. منها مثلاً:

ما جاء في الآيتين (246/247) من سورة البقرة:

إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ 246 وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ.

وما جاء في الآية (251) من سورة البقرة:

فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ.

وما جاء في الآية (258) من سورة البقرة:

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.

وما جاء في الآية (43) من سورة يوسف:

وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ.

ومثل الكثير من المصطلحات القرآنية التي جاءت تحمل أكثر من مدلول لغوي، كذلك جاء مصطلح (المُلْـك) ومشتقاته يحمل مدلولاً آخر غير هذا المدلول السياسي، إذ جاء في مواضع أخرى متعددة تعبيراً مجازياً عن ألوهية الله وسلطانه المطلق في عالم الوجود، فارتضى سبحانه وتعالى لنفسه اسم (المَلِـك) واحداً من أسمائه الحسنى، وهذا ما جاء مثلاً في الآية 116 من سورة المؤمنون:

فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ.

فهو مالك المُلْـك، وله مُلْـك السموات والأرض.

أما مصطلح (الأمر):

مصطلح (الأمر) كمفردة لغوية منفردة، لا يشير تحديداً إلى مفهوم الحُكم بالمعنى السياسي، فهو مصطلح لغوي عام، يمكن استخدامه مجازاً للتعبير عن أية مسألة أو فكرة أو أي مفهوم مجرد، وإن دلالته الحقيقية بطابعه العمومي هذا – مثل الكثير من المصطلحات القرآنية – لا تفهم بشكل دقيق إلا في سياق النص الذي وردت فيه، وهكذا ورد في القرآن الكريم في كثير من الآيات يشير إلى دلالات أخرى مختلفة غير مدلول (الحُكم) منها مثلاً:

ما ورد في الآية 18 من سورة يوسف:

وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ.

وما ورد في الآية/10/من سورة الكهف:

إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً.

وما جاء في الآيتين 8 و9 من سورة الطلاق:

وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً.

ومنها ما تردد كثيراً في القرآن الكريم:

بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ.[5]

وكثيرة جداً هي الأمثلة في القرآن الكريم، وفي مثل هذه الآيات فـإن مصطلح (الأمْـر) لا يعني الحُـكم بالمعنى السياسي، ولا علاقة له بمفهوم الحُكم والسياسة نهائياً.

ومن بين استخدامات المصطلح في القرآن الكريم، ما جاء يشير إلى السياسة وإدارة شؤون المسلمين، أي إلى مسألة (الحُـكم/بالمفهوم السياسي المعاصر)، وقد ورد بهذه الدلالة في أهم النصوص التي تتحدث عن هذه المسألة (فيما يخص المسلمين حصراً): (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ)

ويلحق بالمصطلح بهذا المفهوم عبارة (وَلِيّ الأمْـر) للدلالة على الحاكم الذي يتولى مهمة القيام بالأمر، ومن النصوص القرآنية التي وردت بهذا المعنى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ. النساء: 59.

رغم قلة ورود هذا المصطلح بهذا المفهوم في القرآن الكريم، فإن مصطلح (الأمر) تحديداً، هو المصطلح الذي اختاره الله سبحانه وتعالى للمسلمين من بين العديد من المصطلحات اللغوية الدالة على (الحكم والسياسة والسلطة السياسية)، وقد جاء هذا الاختيار لحكمة إلهية بالغة الدلالات والمعاني، نستقرؤها مما يتضمنه المصطلح من أعماق فكرية تتجاوز حدود المعنى الاصطلاحي، إذ إن عمومية المصطلح اللغوية/حتى في دلالته السياسية الخاصة، قد فتحت أمام المسلمين أبواب الاجتهاد حول أساليب الإدارة والسياسة في المجتمع، وأباحت لهم الحرية الكاملة باختيار النظام السياسي ونموذج الحكم الذي يشاؤون بما يتناسب مع تطورات النظم السياسية والمعارف الفكرية ومستجدات العصور، بمعنى أنه لم يُلزم المسلمين بأي نموذج قد يشير إليه ولو تلميحاً أي مصطلح آخر بديل، فجاء مصطلح (الأمر) منسجماً مع هذا الاتجاه، ليكون (أمرهم) أي نظامهم السياسي: (خلافة… أو إمارة… أو مملكة… أو رئاسة… أو أي نموذج آخر يشاؤون) فالعبرة في المضمون وفي آليات الحكم ومقاصده، وليست في العنوان أو في الإطار الشكلي للنظام السياسي الحاكم.

تزوير وتدليس دعاة الإسلام السياسي لمصطلح الحاكمية!

إذن مصطلح (الأمْـر) وليس (الحُـكم)، هو المصطلح القرآني الدال على السياسة والنظام السياسي الحاكم في المجتمع، وهو المصطلح الذي استخدمه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بكل أحاديثه بمسائل السياسة وإدارة شؤون المسلمين، وهو المصطلح الذي شاع في أدبيات الفكر السياسي العربي في صدر الإسلام، واشتقاقاً منه أطلق المسلمون الأوائل على الحاكم السياسي لدولتهم لقب (الأمير/أمير المؤمنين).

هذان المصطلحان حصراً (المُلْـك والأمْـر)، هما اللذان وردا في القرآن الكريم للدلالة على مفهوم السلطة السياسية الحاكمة. ومصطلح (الحُـكم) الذي ورد في القرآن الكريم الذي اعتمده دعاة نظرية (الحاكمية لله)، لا علاقة له بالسياسة والسلطة السياسية نهائياً، وأعتقد أن دعاة هذه النظرية لم يكونوا جاهلين بذلك، فهم بالتأكيد على مستوى أعلى بفهم المفردات والمصطلحات القرآنية في سياق النصوص التي ترد فيها، إلا أنهم تجاهلوا عامدين متعمدين، إذ وجدوا بهذا المصطلح والعبارات التي ورد فيها ما يمكن تأويله وفلسفته فكرياً دعماً لنظريتهم، حيث لم يجدوا نصاً قرآنياً واحداً يدعم نظريتهم صراحة أو ضمناً.

ودعماً لنظريتهم وفقاً لمنطق التأويل والفلسفة، استعاروا من القرآن الكريم عبارة (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ)، التي توحي لغوياً للعامة من المسلمين بمضمون نظرية الحكم الإلهي وشرعيتها، ورفعوها شعاراً سياسياً لما فيه من قوة جذب واستقطاب عاطفي جماهيري في عالم المسلمين، بحكم أنه يلامس بشكل مباشر عواطف المسلمين وولاءهم للإسلام، بل يلامس المدارك السطحية البسيطة للعامة من المسلمين.

وهو الشعار الذي رفعته فرقة الخوارج التي انشقت عن جيش علي بن أبي طالب، لكن ليس بالمعنى السياسي كدلالة على السلطة السياسية، إنما بمعنى القضاء والفصل في المنازعات بين المسلمين عندما يختلفوا، ذلك أنهم رفعوا الشعار رفضاً لعملية التحكيم في الصراع الدموي على الخلافة بين علي ومعاوية، إلا أن الطبيعة السياسية للصراع أضفت على هذا الشعار طابعاً سياسياً، دفع علي بن أبي طالب إلى القول: إنها كلمة حق يراد بها باطل. والباطل الذي قصده عليٌ هنا، هو مصادرة حق المسلمين في الحكم بقضية مدنية سياسية، بدعوى أن الفصل بهذه المسألة شأن إلهي، وليس من شؤون البشر.

هذا عن المصطلحات، وعن دلالاتها اللغوية.

مفهوم نظرية الحاكمية مضمونها ومنطلقاتها ونتائجها ومخرجاتها! وتدليس سيد قطب!

ولكن ماذا عن مضمون النظرية وعن منطلقاتها ونتائجها ومُخرجاتها؟ وما مدى انسجامها مع قواعد ومنهج الإسلام في الحكم/بالمعنى السياسي؟ هذا ما نجده بأدق تفاصيله عند سيد قطب في كتابه (معالم في الطريق):

(الحاكمية لله) وفقاً للنظرية تعني باختصار أن السلطان السياسي في المجتمع البشري ليس من حقوق البشر، إنه حق لله سبحانه وتعالى وحده، وهو من خصائص الألوهية، بل إنه من أخص خصائص الألوهية، إذ إن الألوهية هي الحاكمية ذاتها، ذلك أن الدين كما يقول: هو إعلان ألوهية الله وحده وربوبيته للعالمين؛ إن إعلان ربوبية الله وحده للعالمين معناها: الثورة الشاملة على حاكمية البشر بكل صورها وأشكالها وأنظمتها وأوضاعها، والتمرد الكامل على كل وضع في أرجاء الأرض الحكم فيه للبشر بصورة من الصور. ذلك أن الحكم الذي مرد الأمر فيه إلى البشر ومصدر السلطات فيه للبشر هو تأليه للبشر، يجعل بعضهم لبعض أرباباً من دون الله. إن هذا الإعلان معناه انتزاع سلطان الله المغتصب؛ ورده إلى الله؛ وطرد المغتصبين له الذين يحكمون الناس بشرائع من عند أنفسهم، فيقومون منهم مقام الأرباب، ويقوم الناس منهم مكان العبيد، إن معناه تحطيم مملكة البشر لإقامة مملكة الله في الأرض، أو بالتعبير القرآني (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله)، إن الحكم إلا لله… أمر ألا تعبدوا إلا إياه… ذلك الدين القيم[6].

ذلك نص واضح متكامل، يحدد بدقة تامة الإطار الفكري العام للنظرية بكل أبعادها الفكرية، وبكل أركانها ومبادئها وبأدق تفاصيلها. نص واضح تماماً أنه يغلب عليه الطابع الفلسفي إلى درجة الإغراق بفلسفة الدين عموماً انطلاقاً من فلسفة المصطلحات، وصولاً إلى نظرية فكرية سياسية تتناقض مع منهج الإسلام في الحكم بالمعنى السياسي.

وصولاً إلى هذه النظرية، فقد انطلق سيد قطب من شعار التوحيد الإسلامي (لا إله إلا الله)، وقد عمل على فلسفة هذا الشعار بأكثر مما يحتمل، ليكون أساساً ومنطلقاً لفلسفته في النظرية، فالإسلام كما يقول: هو أولاً إقرار عقيدة “لا إله إلا الله” بمدلولها الحقيقي، ومدلولها الحقيقي هو رد الحاكمية لله في أمرهم كله، وطرد المعتدين على سلطان الله بادعاء هذا الحق لأنفسهم، إقرارها في ضمائرهم وشعائرهم، وإقرارها في أوضاعهم وواقعهم.[7]، أو هي كما يقول: إفراد الله بالألوهية والربوبية، والقوامة والسلطان والحاكمية[8].

وحول شعار (لا إله إلا الله) كأساس ومنطلق للنظرية، لا بد من العودة مرة أخرى إلى مسألة المصطلحات والمفاهيم:

واضح تماماً عند سيد قطب الاختلاط، أو الخلط المتعمد بين مفهومين تجاوز العقل البشري مرحلة الخلط بينهما منذ قرون، ولم يَعُد يقبل أدنى مقاربة بينهما، بين مفهوم الإله ومفهوم الحاكم السياسي بين مفهوم الألوهية ومفهوم الحكم السياسي، وبهذا الخلط فقد تبنى مصطلح الحاكمية كمرادف لمصطلح الألوهية: الإسلام منهج الله للحياة البشرية، وهو منهج يقوم على إفراد الله وحده بالألوهية متمثلة في الحاكمية.[9] وباعتبار حاكمية الله بهذا المفهوم تعتبر حاكمية مطلقة تشمل حاكمية الكون بأكمله بما فيه عالم الإنسان، فإن حاكمية الله في عالم الإنسان تشمل كل أمور الإنسان على الإطلاق دون استثناء، بما فيها الأمور الإدارية السياسية وكل ما ينبثق عنها في المجتمع البشري.

بالتالي فالحاكمية السياسية في المجتمع البشري، تعتبر جزءً لا يتجزأ من ألوهية الله، أي جزء من حاكمية الله المطلقة، لهذا فالمدلول الحقيقي لشعار لا إله إلا الله هو رد الحاكمية إلى الله بهذا أعطى الشعار بعداً سياسياً بمعنى (لا حاكم إلا الله)، وبهذا المعنى أدركها الإنسان العربي العارف بمدلول لغته كما يقول قطب[10].

لم يقدم سيد قطب أي دليل على ما يقول، علماً بأنه لم يكن في الواقع العربي ما يوحي للعربي بهذا المدلول، فمفهوم الإله في اللغة العربية يختلف جذرياً عن مفهوم الحاكم، ولم يكن للعرب دولة يحكمها حاكم متأله، مثل فرعون؛ أو نائب عن الإله مثل كسرى أو قيصر، لكي يتطابق أو يتقارب عندهم مفهوم الإله مع مفهوم الحاكم كما تطابق أو تقارب مثلاً عند المصريين القدماء أو الفرس أو الروم.

بل لم تقم للعرب في قلب الجزيرة العربية دولة يحكمها حاكم سياسي بأي شكل من أشكال الحكم وكيانهم الاجتماعي في قلب الجزيرة العربية مهبط الوحي والرسالة، لم تكن إلا مجموعة كيانات قبلية متفرقة، يشكل كل منها كياناً اجتماعياً إدارياً بدائياً متخلفاً، يحكمه زعيم القبيلة بصلاحيات إدارية سياسية محدودة محددة، مُقيـّدة بالأعراف والتقاليد القبلية المتوارثة التي لا يستطيع زعيم القبيلة تجاوزها وزعيم القبيلة العربية الحاكم هذا لم يدّع الألوهية في زعامته لكي يتطابق عند العربي مفهوم الإله مع مفهوم (الحاكم/زعيم القبيلة) ولم يكن رعيته يركعون له، أو يسجدون كما كانت بعض القبائل المُغرِقة في البدائية في مناطق أخرى من العالم آنذاك.

وشعار (لا إله إلا الله) الذي جاء عنواناً ومنطلقاً للدعوة الإسلامية، جاء بمضمون ديني لاهوتي بحت لا علاقة له بالسياسة إطلاقاً، جاء رداً على عقيدة الشرك بالله وتعدد الآلهة، التي كانت هي العقيدة السائدة في ثقافة الإنسان عموماً، وكذلك في قلب الجزيرة العربية مهبط الوحي والرسالة، فالعرب دينياً كانوا يشركون مع الله آلهة أخرى تقرباً من الله، لا يشركون معه الحاكم/زعيم القبيلة، ولم يكن لهذا الحاكم في ثقافة العرب أدنى نصيب بهذه الشراكة، لهذا. لا يمكن أن يتقارب أو يتطابق مفهوم الإله مع مفهوم الحاكم بوعي الإنسان العربي وثقافته.

هذا هو الواقع العربي آنذاك، وهذا هو فضاء الوعي العربي الذي تلقى دعوة التوحيد على قاعدة لا إله إلا الله، إلا أن منطق الخلط والاختلاط والتدليس عند سيد قطب بين مفهوم الإله ومفهوم الحاكم، دفعه إلى اتباع منهج أستاذه المودودي بفلسفة المصطلحات وصولاً إلى نتيجة لا وجود لها إلا بساحة خياله الفلسفي، وهي أن للشرك بالله طابعين متلازمين، الطابع الأول ديني غيبي لاهوتي، والطابع الثاني مدني دنيوي سياسي، وكلاهما يُخرِج الناس من دين الله، وهذا ما قاله منسجماً مع فلسفة المودودي: لم يكن الناس ينكرون مبدأ الألوهية، أو يجحدون وجود الله البتة، إنما هم كانوا يخطئون معرفة حقيقة ربهم الحق، أو يشركون مع الله آلهة أخرى، إما في صورة الاعتقاد والعبادة، وإما في صورة الحاكمية والاتباع، وكلاهما شِركٌ كالآخر يَخرُج به الناس من دين الله[11].

فالأساس الذي قامت عليه النظرية عنده هو منطق الخلط. الخلط في المفاهيم القرآنية وفيما وراء هذه المفاهيم من مقاصد ومضامين، وهو المنطق الذي يقبله سيد قطب لنفسه وينكره على الآخرين، ففي سياق حديثه عن موضوع آخر بنفس الكتاب (معالم في الطريق) يقول: والذين يسوقون النصوص القرآنية للاستشهاد بها على منهج هذا الدين في الجهاد…. يخلطون خلطاً شديداً، ويلبسون منهج هذا الدين لبساً مضللاً، ويُحمّلون النصوص القرآنية ما لا تحتمله من المبادئ والقواعد النهائية، ذلك أنهم يعتبرون كل نص منها كما لوكان نصاً نهائياً، يمثل القواعد النهائية في الدين[12].

وهو نفسه يتبع منهج الخلط والتدليس هذا، فيخلط بين الدين (الألوهية) والسياسة (الحكم)، ويدلس ويلبس منهج هذا الدين لبساً مضللاً، ويُحمل النصوص القرآنية ما لا تحتمله من المبادئ والقواعد النهائية، ويَعتبر كل نص منها كما لو كان نصاً نهائياً يمثل القواعد النهائية في الدين.

وعندما لم يجد في القرآن الكريم نصاً نهائياً مُحكماً أو متشابهاً؛ يدعم نظريته، يلجأ إلى اقتطاع بعض العبارات والنصوص القرآنية من سياقها التي وردت فيها ليتأوّلها تأويلاً داعماً لموقفه، فيُجيز لنفسه هذا المنطق أيضاً؛ وينكره على سواه فيقول: كما يفهم الذين ينتزعون النصوص القرآنية من سياقها ليستشهدوا بها في غير مواضعها.[13] ولقد فعل ذلك تماماً، انتزع بعض النصوص القرآنية من سياقها؛ ليستشهد بها في غير مواضعها، ليس بهذه المسألة فحسب، بل بمعظم ما عرض من أفكار ومعتقدات في كتابه “معالم في الطريق”.

من أبرز النصوص التي انتزعها من سياقها، كي يضعها دليلاً وبرهاناً على نظرية الحاكمية: إنِ الحُكم إلا لله… أمَر ألا تعبدوا إلا إياه… ذلك الدين القيم[14].

وهذا النص اجتزأه من الآية (40) في سورة يوسف، عرضه وكأنه جاء في القرآن نصاً نهائياً مستقلاً معزولاً عما قبله وعما بعده، ليستشهد به في غير موضعه كما أراد، فالنص لم يأت آية مستقلة، إنما جاء جزء من الآية (40)، والآية بأكملها جاءت متممة لسابقتها الآية (39) في سياق حديث متكامل عن وحدانية الله سبحانه وتعالى في الربوبية؛ وفي الآيتين معاً يخاطب نبي الله يوسف عليه السلام صاحبيه في السجن:

يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ 39 مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ.

هكذا تماماً وردت في القرآن الكريم، وأعتقد أنه واضح تماماً المعنى الحقيقي لهذا النص جملة وتفصيلاً ضمن هذا السياق؛ حتى لأبسط قراء القرآن الكريم، وعبارة (إن الحُـكْـم إلا لله) في سياق هذا الحديث، لا علاقة لها نهائياً بمسألة الحاكمية السياسية أو الحكم السياسي في الدولة، إنما تعني تحديداً أن الحكم بمعنى الفصل والبيان بمسألة تعدد الأرباب إنما هو لله وحده. وقد حَكمَ الله بزيف هؤلاء الأرباب المتفرقين بكل أسمائهم المصطنعة، وأمر ألا تعبدوا إلا إياه تأكيداً لوحدانيته في الألوهية فهو الإله الواحد، ولا إله آخر سواه.

وعبارة (إن الحكم إلا لله) قد وردت في مواضع متعددة في القرآن الكريم، ويلاحظ بوضوح أنها أينما وردت على الإطلاق، لا علاقة لها نهائياً بالحاكمية السياسية، أو بأي أمر من أمور السياسة إطلاقاً منها مثلاً:

ما ورد في الآية (67) من سورة يوسف على لسان يعقوب عليه السلام:

وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ

وما ورد في الآيتين (56/57) من سورة الأنعام:

قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ.

ومن النصوص الأخرى التي اعتمدها سيد قطب لاستكمال بناء النظرية، والتي اجتزاها أيضاً من سياق النص القرآني الذي وردت فيه: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) وتابع أنصاره وتلاميذه نهج الاجتزاء هذا دعماً للنظرية، فاستعانوا بنصين آخرين بنفس المعنى تماماً:

إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ.

وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.

وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ.

بعد مقولة (إن الحُـكم إلا لله)، تلك ثلاثة نصوص، اعتبرها سيد قطب وتلاميذه وأنصاره من أقوى البراهين في نظرية الحاكمية لله، وهي نصوص مجتزأة على التوالي من الآيات (44، 45، 47) من سورة المائدة، وأعتقد أن أبسط قارئ للقرآن الكريم لو تتبع هذه النصوص في سياق الآيات التي وردت فيها، لأدرك بكل بساطة أنها جاءت في سياق حديث متكامل، يبدأ بالآية (41) من سورة المائدة وينتهي بالآية (50) حديث يختص بالقضاء والفصل في الخلافات والنزاعات القضائية وفقاً للشرائع السماوية الثلاث، ولا علاقة له بالحكم بالمعنى السياسي إطلاقاً.

وعن تلك النصوص الثلاثة تحديداً، يقول الدكتور محمد عمارة بعد أن يضعها في سياقها ويتناولها بالشرح والتفسير: تلك هي الآيات التي يحسبها دعاة الحاكمية لله حصناً منيعاً يتحصنون به، على حين نراها نحن ليست شاهدة لهم، بل شاهدة عليهم، شهادة تنقض النظرية التي يدعون[15].

إذن؛ على قاعدة الألوهية أقام سيد قطب نظرية (الحاكمية لله)، بعد أن أعطى الألوهية مفهوماً جديداً، وهو مفهوم (الحاكمية)، لكي يتوافق بمنطق علم الكلام لغوياً وسطحياً مع ما أراد الوصول إليه فلسفياً، لهذا اعتبر أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كما يقول: جاء ليرد الناس إلى حاكمية الله، كشأن الكون الذي يحتوي الناس، فيجب أن تكون السلطة التي تنظم حياتهم السياسية، هي السلطة التي تنظم وجود الكون، فلا يشذوا هم بمنهج وسلطان وتدبير غير المنهج والسلطان والتدبير الذي يصرف الكون كله[16].

المراجع


[1]– أبو العلاء المودودي (12 رجب 1321 هـ – 1 ذو القعدة 1399 هـ) (25 سبتمبر 1903 – 22 سبتمبر 1979) كان عالماً إسلامياً ومنظراً إسلامياً وفيلسوفاً مسلماً وفقيهاً ومؤرخا وصحفيا وناشطاً. وباحث نشط في الهند البريطانية ولاحقاً بعد التقسيم في باكستان. وصفه ويلفريد كانتويل سميث بأنه “أكثر المفكرين منهجية في الإسلام الحديث”، أعماله العديدة التي “غطت مجموعة من التخصصات مثل تفسير القرآن والحديث والقانون والفلسفة والتاريخ” تمت كتابتها باللغة الأردية، ولكن بعد ذلك تُرجمت إلى الإنجليزية والعربية والهندية والبنغالية والتاميلية والتيلجو والكانادا والبورمية والمالايالامية والعديد من اللغات الأخرى. سعى إلى إحياء الإسلام كمنهج حياة شامل، ونشر ما فهمه على أنه “الإسلام الحقيقي”. كان يعتقد أن الإسلام ضروري للسياسة وأنه من الضروري تحكيم الشريعة الإسلامية في كل المجالات والحفاظ على الثقافة الإسلامية على غرار حكم الخلفاء الراشدون والتخلي عن الفجور مما اعتبره شرور العلمانية والقومية والاشتراكية التي فهمها على أنها تأثير الإمبريالية الغربية.

[2]– راجع أبو الأعلى المودودي: المصطلحات الأربعة؛ فصل الإله.

[3]– سيد قطب: سيد قطب إبراهيم حسين الشاذلي (9 أكتوبر 1906م – 29 أغسطس 1966م) كاتب وشاعر وأديب وداعية ومُنظِّر إسلامي مصري، مؤلِّف كتاب «في ظلال القرآن» و«معالم في الطريق» و«المستقبل لهذا الدين» وعدَّة قصائد منها «أخي أنت حرٌُ» و«غُرباء» و«حدثيني»، تأثَّر بفرحة الأمريكيين باغتيال حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين فانضم لهم عند رجوعه لمصر، شغل منصب رئيس قسم نشر الدعوة في الجماعة ورئيس تحرير جريدة الإخوان المسلمون وعضو في مكتب الإرشاد. اشتُهِر بتفسيره للقرآن الكريم بأسلوبٍ أدبيٍّ وتنظيره لتوحيد الحاكمية والجاهلية المعاصرة وتكوين الطليعة المؤمنة التي تعمل على إحياء المجتمع الإسلامي عبر إعادة غرس العقيدة في الناس والتربية الأخلاقية الإسلامية، ثمَّ السعي بعد ذلك لإقامة الدولة الإسلامية بناءً على أطروحات حسن البنا وأبو الأعلى المودودي عدم في 29 أغسطس 1966 بتهمة «تأسيس تنظيم سري مسلح لحزب الإخوان المسلمين المنحل ومحاولة قلب نظام الحكم بالقوة»، بينما نفى سيد قطب تخطيطه لقلب نظام الحكم وأشار قطب في كتابه “لماذا أعدموني؟” بأنَّ هذا كان ضمن “خطة رد الاعتداء” بهدف شلِّ حركة الدولة عن استهداف الحركة الإسلامية.

[4]– د. محمد عمارة: الإسلام والسلطة الدينية. ص: 65.

[5]– تكررت هذا (كن فيكون) في القرآن ثماني مرات.

[6]– سيد قطب: معالم في الطريق: ص: 61.

[7]– المرجع السابق: ص: 35.

[8]– المرجع السابق: 47.

[9]– المرجع السابق: ص: 81.

[10]– المرجع السابق: ص: 25.

[11]– المرجع السابق: ص: 46.

[12]– المرجع السابق: ص: 57.

[13]– المرجع السابق: ص:134.

[14]– المرجع السابق: ص: 61.

[15]– د. محمد عمارة: الإسلام والسلطة الدينية.

[16]– سيد قطب: معالم في الطريق: ص: 46.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني