fbpx

تغيير السكن للاجئين السوريين في تركيا.. مشكلة متعددة الأطراف

0 60

القوانين التركية تهدد وجود عائلات سورية في تركيا

مرّت ثلاثة عشر عاماً على لجوء السوريين إلى تركيا، وبعد مرور عدة سنوات على هذا اللجوء، وغياب حلٍ سياسي حقيقي، بدا أن هناك من تنمو لديه حالة من العنصرية ضد اللاجئين السوريين، بغض النظر عن طبيعة وجودهم في هذه الدولة سواء بصفة حماية مؤقتة أو مجنسين أو إقامات أخرى.

ولعل ضغط الشارع التركي على حكومته، فرض عليها زيادة القيود على السوريين، وترحيل المخالفين منهم إلى خارج البلاد.

من هذه القيود قرارات وقوانين صدرت عن الحكومة التركية خلال السنوات الماضية ضيّقت على السوريين حركتهم بحثاً عن العمل وتغيير المسكن وغيرها من الأمور، ولعل أبرز هذه القرارات الذي صدر في يونيو/ حزيران من العام 2022، وهو قانون منع سكن أكثر من 20٪ من السوريين ضمن الحي الواحد، ضمن مسمى “الأحياء المحظورة”.

ولرصد بعض المشكلات التي نتجت عن هذا القرار، التقينا الشاب السوري “علاء. م”، 27 عاماً، يعيش مع عائلته في حي “شهيدلك” بولاية شانلي أورفة، وأخبرنا أنه أصبح بلا قيد سكن منذ صدور القرار، بعدما جاءت وحدات الشرطة للكشف عن الساكنين في المنازل، إذ كان هو يجري امتحاناته الجامعية في جامعته، التي تقع بولاية أخرى، وتمت إزالة قيده من المنزل، أي أنه ضمن الأحياء المحظور التقييد فيها، على الرغم من إبلاغ والدته الشرطة بأن ابنها يجري امتحاناته الجامعية بولاية أخرى، في الفترة التي سافرت عائلته إلى أوروبا، وتسليم المنزل لأصحابه.

وأضاف “علاء” أنه سعى لإيجاد منزل (له بمفرده) ضمن الحي، لكنه وقع في مصيدة أصحاب المنازل والمكاتب العقارية المستغلين، حيث تضاعفت إيجارات المنازل إلى أكثر من ضعفين، وبسبب إزالة قيود عدد كبير من العائلات، أصبح هناك تنافس بين السوريين الذين أزيلت قيودهم أنفسهم، ولم يعد هناك منازل للإيجار.

وذكر “علاء” أنه اتجه للأحياء التي يسمح بالسكن فيها، منذ ذلك الحين، لكنه تفاجأ بأن إيجارات المنازل بالأحياء الأخرى تعادل خمسة أضعاف إيجار منزل عائلته، إلا أنه استأجر منزل مُكرهاً، بـ 9000 ليرة تركية (ما يقارب 300 دولار أمريكي).

وهو ينتظر موعد تحديث بياناته، لتقييد نفسه في المنزل، والتي باتت تطول مدة انتظار دور تحديث البيانات أكثر من 5 أشهر.

وحول أزمة الانتقال من حي إلى آخر في أورفة، وهذا يترتب عليه تغيير عنوان السكن التقينا بالسيدة نادية ح. وهي ربة منزل لأسرة من خمسة أبناء وزوج.

تقول السيدة نادية: “يطلب مؤجر شقتنا أن نخليها، ولا نعرف في أي الأحياء يمكننا السكن دون أن يترتب على ذلك مخالفات قانونية، أو مسؤولية إيقاف بطاقة الكيملك، نتيجة تغير عنوان السكن، والطلب بتسجيل عنوان جديد يحتاج زمناً قد يتعرض فيه حامل الكيملك للترحيل بسبب هذه المخالفة. إنها مشكلة كبيرة، وينبغي إيجاد حلول قانونية بسيطة لها”.

أمّا “عبد اللطيف”، 31 عاماً، أمسى في تركيا، وأصبح في سوريا، لعدم وجود قيد سكن لديه، لذات السبب الذي واجه “علاء”، إلا أن “عبد اللطيف” لم يكن لديه موعداً، لتحديث بياناته، ولم تستجب الدورية له، والتي اعتقلته من منطقة (الطوبجي ميدان)، أو كما يعرفها السوريون بـ”ساحة المدفع”، إذ أنه أبلغهم بوضعه بشكل تام، ولم يجدي نفعاً.

ولمعرفة حقيقة ما يجري – قانونياً – أجرينا اتصالاً مع الحقوقي السوري/التركي “طه الغازي”، فأجاب عن أسباب تشديد السلطات التركية على السوريين اللاجئين والمقيمين على أراضيها، بأنَّ الشارع التركي يحسب اللاجئين السوريين على الحزب الحاكم “العدالة والتنمية”، الأمر الذي استغلته الأحزاب المعارضة، في الانتخابات الرئاسية والمحلية (البلديات)، ما جعل “العدالة والتنمية” بوضع محرج، بين راغب بوجود السوريين، وبين أصوات داعميه، إلا أنه فضّل الأخيرة، وبدأ منذ الانتخابات المحلية (البلديات)، في العام 2019.

وأضاف: “وبعد خسارة “العدالة والتنمية” بلديات إسطنبول وأنقرة، بفرض قرارات التضييق على اللاجئين، ووعد الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” بإعادة مليون سوري إلى أراضيهم، لاعتباره أن ملف اللاجئين كان أحد أبرز أسباب خسارته أصوات كثيرة من مناصريه، وفي هذا الإطار – التشديد الأمني على اللاجئين – حدثت كثير من الانتهاكات بحق الإنسانية، من اعتقالات وترحيل تعسفي وتغييب قسري”.

ويرفض “طه الغازي” مسمى “لاجئ غير شرعي”، لمن يحمل “بطاقة حماية مؤقتة”، صادرة عن ولاية أخرى، إذ يعتبر من يحمل بطاقة الحماية المؤقتة، من اللاجئين المقيدين لدى السلطات التركية وإدارة الهجرة، وقد سجلت عشرات عمليات الترحيل القسري، لمن يحملون بطاقات حماية مؤقتة، وليس لديهم إذن سفر من ولاية لأخرى، وذلك “حسب مزاجية عناصر الشرطة وموظفين إدارة الهجرة”، بعد منحهم صلاحيات كبرى، تصل إلى قرار الترحيل القسري، دون الرجوع إلى الإدارة العليا”.

ولفت “الغازي” إلى أن ما يجري للاجئين السوريين في تركيا، يتزامن مع أوضاع مشابهة، للسوريين في دول الجوار (لبنان، الأردن، والعراق)، تفاقم الوضع في الدول الأربعة، بعد تصريح وزير الخارجية التركي السابق “مولود جاويش أوغلو”، في تموز 2019، حينها بدأت السلطات اللبنانية بترحيل اللاجئين السوريين إلى مناطق سيطرة النظام السوري، وتضييق خناق أردني على المحاصرين في مخيم الركبان، من دفع معظمهم للعودة إلى مناطق النظام (مكرهين)، وترحيل حكومة بغداد لاجئين سوريين إلى مناطق النظام، ومؤخراً أوقفت حكومة كردستان الفيز للسوريين، تمهيداً لإعادتهم إلى بلادهم، أو مغادرة البلاد.

ولكون “طه الغازي” يعد أبرز شخص استطاع توثيق انتهاكات بحق السوريين على الأراضي التركية، فقد وثّق العشرات من الاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري، والترحيل القسري، وعلل المصطلحات الثلاثة بما يلي:

• الاعتقال التعسّفي: أيّ إنه يتم اعتقال شخص يحمل بطاقة حماية مؤقتة، حتى وإن كانت صادرة عن ولاية أخرى.

• الإخفاء القسري: عندما تتم مصادرة الهاتف المحمول، فور اعتقال الشخص، وقطع التواصل عن ذويه، ولا تتم إعادة الهاتف إلا داخل الأراضي السورية، بعد ترحيله.

• الترحيل القسري: أي أنه يتم التوقيع على ورقة العودة الطوعية (قسرياً)، بعد التعنيف الجسدي أو النفسي.

وكل هذا يعد مخالفاً لقوانين حقوق الإنسان، واتفاقية روما 1984.

وكانت نقابات المحامين في “أورفة، عن سجن حرّان”، ونقابة “غازي عنتاب، عن سجن أوزلي” ونقابات أنقرة وإزمير أصدرت تقارير، في مارس/آذار الماضي، وثقت عشرات الانتهاكات بحق اللاجئين السوريين، مطالبةً السلطات التركية وإدارة الهجرة بإيقافها.

وطرح “الغازي” عدد من الحلول، تمثلت في وجوب عمل المؤسسات السورية على توثيق الانتهاكات بحق السوريين، وتوقف المعارضة السورية عن تصوير مناطق شمال غرب سوريا أنها أصبحت آمنة (لم تتوقف فيها التفجيرات وأعمال العنف، آخرها تفجير إعزاز)، ونقل الواقع بصورة حقيقية، وتسعى لتلبية رغبات وطموح اللاجئ السوري.

وإعادة صياغة قانون الحماية المؤقتة (للإنسان السوري)، إذ أنه لا يمكن لقانون حماية مؤقتة أن يستمر 13 عاماً، ففي أوروبا مؤخراً، منح الاتحاد الأوروبي الأوكرانيين حماية لمدة 3 سنوات فقط، ثم سيليها إقامة أو ما شابه ذلك.

والتنسيق بين المؤسسات السورية والمؤسسات الحقوقية والسلطة التركية، والعمل على الحد من الاعتقالات التعسفية والترحيل والإخفاء القسري.

لا بُدّ من وجود منظومة أو سلطة قانونية تحمي اللاجئ السوري، حيث أن إدارة الهجرة باتت لا تعترف بقرارات المحكمة، وأن كثير من السوريين تم ترحيلهم أو سجنهم، بعد صدور قرار المحكمة بالبراءة أو إخلاء السبيل وإعادة بطاقة الحماية المؤقتة لهم، وهذا يعني أن سلطة إدارة الهجرة أصبحت أعلى من القضاء، والذي يعد أمراً مخالفاً للقانون.

تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR صحفيون من أجل حقوق الإنسان”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني