تصريحات بلينكن حول سوريا.. رسالة أمريكية لـ “سوتشي”
أجرى وزير الخارجية الأمريكية الجديد أنطوني بلينكن اتصالاً هاتفياً مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ووفق تصريحات نيد برايس المتحدث باسم الخارجية الأمريكية: “تطرق الطرفان إلى الملف السوري، وأكّدا على الالتزام بالعملية السياسية في ظل قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وتمديد التفويض لتقديم المساعدات عبر الحدود، والمساعدة في رفع معاناة الشعب السوري”.
تصريحات بلينكن تسبق اجتماع دول ضمان أستانا في سوتشي، وهذا يعني رسالة أمريكية واضحة المعنى لهذه الدول، بأن لا حلّ للقضية السورية سوى تنفيذ جوهر القرار 2254.
تصريحات بلينكن سبقها بيان الدول الأوربية الخمس الأعضاء في مجلس الأمن، التي حمّلت النظام السوري مسؤولية إفشال الدورة الخامسة من مفاوضات اللجنة الدستورية في جنيف قبل أيام.
من طرفه طالب بيان صادر عن ائتلاف قوى الثورة والمعارضة الأمم المتحدة بإيجاد آلية لمنع التعطيل في مفاوضات جنيف، وهذا معناه البحث عن صيغة وآلية تيسران التوصل لحل سياسي وفق القرار الدولي 2254.
إن الموقف الأوربي الغربي، والأمريكي، إضافة لموقف الأمم المتحدة، يضع الروس تحديداً في زاوية المسؤولية عن تعطيل تنفيذ قرارات دولية وقّعوا عليها، وهذا يعني دولياً، أن الروس لا يحترمون تواقيعهم، ولا يمكن الركون إلى التعاون الدولي معهم.
إن نظرية الروس السياسية، التي تريد استنزاف نظام الأسد إلى أقصى درجة، بسبب حاجته لهم، هي نظرية انتهازية وقحة، بات المجتمع الدولي يدركها، وبالتالي صار لزاماً على هذا المجتمع إيجاد وسيلة خارج نطاق مجلس الأمن، لمنع الروس من الاستفادة من الفيتو المعطل للقرارات الدولية.
إن استباق الأمريكيين لاجتماعات سوتشي المنوي عقدها في 16 و17 شباط /فبراير الجاري، يراد منه تبليغ دول ضمان أستانا، وتحديداً الروس، أن الأمريكيين لن يسمحوا بغير مسار مفاوضات جنيف التي تجري وفق القرار الدولي 2254، وأن محاولة الانعطاف بهذا القرار لن تقبل بها الولايات المتحدة ومعها الاتحاد الأوربي.
الروس الذين دفعوا النظام السوري لإفشال مفاوضات اللجنة الدستورية، معنيون اليوم بإعادة عربة التفاوض إلى سكتها، ومعنيون بمنع الأسد من إجراء انتخابات رئاسية زائفة، تعقّد مشهد الصراع السياسي في سوريا.
تصريحات بلينكن هي دعوة جادة في أكثر من اتجاه، فهي تحمّل الروس مسؤولية ما يحدث من فشل في مفاوضات جنيف، وهي أيضاً تعيد التأكيد على ثبات الموقف الأمريكي من أن الحل السياسي للصراع السوري له طريق واحدة هي طريق القرار الدولي 2254، إضافة إلى أنها رفض مسبق لأية خطوات تحاول روسيا مع الضامنين التركي والإيراني إيجاد مخرج سياسي خارج القرار الدولي المذكور.
إن إصرار وفد المعارضة على وضع جدول زمني للتفاوض، ووضع آليات تفاوض ناجعة وملزمة، من شأنه إنهاء الوضع الكارثي، الذي يعيشه الشعب السوري في مناطق يحكمها النظام، ومناطق خارج حكمه.
هذا الموقف لقوى الثورة والمعارضة يحتاج هو الآخر إلى تعزيز الفعل الشعبي، فقضية الحل السياسي هي قضية السوريين بنازحيهم ولاجئيهم، وقضية من لا يزال تحت قبضة حكم الاستبداد. أي بمعنى آخر يحتاج ممثلو الثورة السورية المفاوضون إلى دعم شعبي عريض، وهذا واجب يقع على عاتق التنسيقيات الثورية والتجمعات السياسية والقوى الأهلية.
مثل هذا الموقف سوف يتلاقى مع تشبث قوى الثورة على إنجاز الانتقال السياسي عبر العملية التفاوضية، وسوف يتلاقى مع موقف الأمريكيين والأوربيين اللذين أعلنا صراحة وقوفهما مع انتقال سياسي بإشراف دولي عبر انتخابات ستجري في نهاية المرحلة الانتقالية، كما حددتها القرارات الدولية.
تصريحات بلينكن تزيد من حصار نظام الأسد، وتفرض عليه إما التآكل الداخلي السريع والمريع، أو الرضوخ للإرادة الدولية، إضافة إلى أنها تسقط ورقة التلاعب من يد الروس، هذا مغزى اتصال بلينكن بغوتيريش.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”