تصريحات الأسد وردود أفعال مكونات شمال شرق سوريا
بعد مرور أكثر من عشر سنوات على الثورة السورية التي ثار فيها السوريون على الظلم والإقصاء طلباً للحرية والكرامة. باتت سوريا خراباً ودماراً، اتبع فيها النظام سياسة الأرض المحروقة، ليخمد ثورتها. وبعد كل هذا يخرج رئيس النظام ليؤكد أن سوريا هي دولة عربية فقط.
هذا الشعار العروبي القومي، وشعارات المقاومة والقضية الفلسطينية، التي ورثها عن أبيه ليظهر نفسه كبطل قومي. لم تكن سوى مشجب لتحويل الأنظار عن نظامه الدكتاتوري القمعي، ونهب وسلب خيرات البلد. هذا التصريح الذي أدلى به رئيس النظام بشار الأسد في جامع العثمان أمام رجالات الدين الذين يعتمد عليهم كل مستبد لكسب دعمهم والسيطرة على عقول الناس. لاقى رفضاً واستهجاناً من قبل معظم السوريين والمكونات الأصيلة في هذا البلد. فجاءت ردود أفعال رافضة لهذا النهج والتفكير الإقصائي من مكونات شمال شرق سوريا. وهي أكثر المناطق تنوعاً في التركيبة السكانية من عرب وكرد وسريان وأرمن وكلدان وآشور.
حنا صومي رئيس قسم كلية العلوم الدينية في جامعة “روج آفا” قال: إن ما صرح به رئيس النظام السوري بعد كل هذه السنوات من الخراب والدمار هو إنكار وجود مكونات عريقة على هذه الأرض ساهمت منذ البدء في بناء الحضارة والتقدم فيها وهي مكونات أصلية لا يمكن إقصائها وضرب الفسيفساء الجميلة لهذا البلد.”
وتابع “نحن السريان الآشوريون جزء عريق من هذا البلد كنا ولا نزال مع بقية المكونات نعمل ونسعى للبناء والتحرير ولا يمكن القبول بالإقصاء والنكران. وما صرح به رئيس النظام هو ضرب لهذا التنوع والتكامل وخلق فتنة وبلبلة بين أبناء البلد الواحد”
وحول ذلك صرحت المنظمة الآثورية الديمقراطية: “تصريحات الأسد الأخيرة هي استمرار للنهج الذي يرمي إلى التحريض ومواصلة إثارة الفتن بين المكونات السورية الأصيلة”.
ففي وقتٍ يعاني فيه السوريون من آثار الحرب المدمّرة التي شنّها النظام لمواجهة مطالبهم في الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية، وفي وقتٍ تسير فيه الأوضاع المعيشية للمواطنين في المناطق كافة إلى مزيدٍ من البؤس غير المعهود منذ نشوء الدولة السورية الحديثة التي تحولّت إلى دولة فاشلة في ظل حكمه، يستمرّ النظام في التنصّل من مسؤولياته من خلال الهروب إلى الأمام، للتغطية على العجز والعزلة التي يعاني منها شعبياً ودولياً. من خلال اتّباع نهجٍ يقوم على التلاعب بالمشاعر القومية والدينية، وإثارة الفتنة بين مكونات المجتمع، وتحريض الجميع ضد الجميع عبر استخدام المؤسسات الدينية الرسمية من أجل خدمة هدفه في البقاء في السلطة ضد إرادة الشعب.
تجلّى هذا النهج بوضوح في الخطاب الذي ألقاه رأس النظام في الاجتماع الدوري الموسّع الذي عُقد في جامع العثمان بتاريخ 7/12/2020 أمام علماء وعالمات وزارة الأوقاف. وجاء الخطاب مكمّلاً خطبة وزير الأوقاف في أحد مساجد طرطوس بتاريخ 4/12/2020 الذي تخلّى فيه النظام عن شعارات حماية الأقليات وحصن العلمانية تجاه قوى الإرهاب والتكفير التي ضلّل بها المجتمع الدولي طويلاً، ليدشّن حملة منظّمة تهدف إلى تسفيه قيم الحداثة كالحرية والمساواة والديمقراطية والمواطنة المتساوية والتنوّع والعلمانية وحقوق الإنسان، بحجّة الحفاظ على الدين وصون عقيدة المجتمع، من خلال الربط بين العروبة والإسلام بطريقة تنزع عنهما أيّة قيمة إنسانية وحضارية عُرفا بها، ودفعهما إلى التماهي الكامل مع منظومة البعث التي جلبت الخراب والدمار على سوريا والعراق وسائر دول المنطقة.
طغت على الخطاب جملة من المغالطات والتناقضات التي لا تستند إلى أيّة قاعدة فكرية أو تاريخية، ومكمن الخطورة في الخطاب، يتمثّل في التنكّر لتاريخ سوريا وثقافتها وحضارتها التي قامت وما تزال على قاعدة التنوعّ القومي والديني والثقافي، واستهداف المكوّن السرياني الآشوري العريق والتحريض عليه، متجاهلاً إسهامات ودور السريان الآشوريين في بناء حضارة سوريا والمنطقة، التي تشهد عليها الآثار المنتشرة في كل بقاع سوريا، ووثّقها كبار المؤرخين من العرب والمسلمين قبل غيرهم. إضافة لما يمثّله هذا الاستهداف من مخاطر على ما تبقّى من وجود للمكون السرياني الآشوري والمسيحيين عموماً، الذي تضاءل إلى أدنى مستوى له في ظل حكم هذا النظام.
وجاء في البيان. “إننّا في المنظمة الآثورية الديمقراطية، إذ نرفض وندين هذا النهج الذي يرمي إلى التحريض ومواصلة إثارة الفتن بين المكونات السورية الأصيلة بقصد القضاء على حالة التنوع واستمرار التحكّم بالمجتمع، فإننا على يقين بأن غالبية العرب والمسلمين في سوريا، سوف لن تنطلي عليهم هذه اللعبة، ويرفضونها بدورهم، لأنّهم دفعوا ثمناً باهظاً جرّاء سياسات النظام وقمعه إلى جانب بقية مكونات الشعب السوري. حيث يتطلّع الجميع إلى القطع مع منظومة الاستبداد، وبناء دولة ديمقراطية تستلهم قيم الحداثة والعصر، وتقوم على أسس العدالة والمساواة والديمقراطية والشراكة والمواطنة المتساوية، ويتمتع فيها جميع المواطنين من القوميات والأديان كافة بكامل حقوقهم التي سوف يصونها دستور سوريا الجديد بإرادة وتوافق الجميع.”
واعتبرت “الإدارة الذاتية” أن تصريحات الأسد هذه التي أدلى بها خلال مشاركته في الاجتماع الدوري الموسع الذي عقدته وزارة الأوقاف في جامع العثمان بدمشق “لا تنسجم مع المتغيرات المطلوبة في سوريا، ولا مع جهود بناء سوريا الجديدة”.
وقالت في بيان لها: “هذا التناول الضيق للشكل العروبي البحت، حالة إنكار واضحة لباقي المكونات الأصيلة في سوريا، ومحاولة لصهر هذه المكونات والثقافات والتعدد السوري الموجود من كرد، وسريان، وأرمن، وشركس، وغيرهم، في هذه البوتقة الضيقة”.
وأوضحت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا أن “تعليق الأسد على بعض القضايا، ومنها تناوله غير الكامل للواقع السوري، وإنكاره للتنوع السائد الموجود في سوريا، لا يعبر بأي شكل من الأشكال عن الانفتاح الواجب توفره لدى كل الأطراف التي تدعي حرصها على مصلحة سوريا وشعبها”.
وأشار بيان الإدارة الذاتية إلى أنه “بعد مرور حوالي عقد من الزمن، لا تزال الأزمة السورية في ذروتها، ولم تتضح مساعي وجهود الحل الحقيقية”.
وشددت الإدارة الذاتية على أن “هذه القراءة الخاطئة للواقع الفعلي في سوريا، تؤثر بشكل كبير في تعميق الأزمة، وتزيد من معاناة السوريين”.
وجاء في البيان “نحترم كل المكونات، ونؤكد على أن العرب جزء كبير وأصيل من النسيج السوري، ولكن يجب ألا يكون هذا المكون، ومن خلال استغلاله واستغلال هويته السورية، منصة ينفذ من خلالها النظام سياساته، مدعياً خدمة العرب في حين أنه يخدم مصلحته فقط، فالعرب كغيرهم من المكونات يعانون من الإنكار، رغم كل الكلام الذي حاول رئيس النظام أن يؤكد من خلاله على الدور العربي”.
سوريا اليوم أحوج ما تكون لأن تتبنى فيها كل الأطراف لغة تتناسب مع حالة التغيير، والتنوع، والواقع الموجود فعلياً، والإنكار بحق أي من الشعوب، أو المكونات المتعددة في سوريا، يلغي غناها المجتمعي والثقافي والديني، وهذا الإلغاء لا يخدم مستقبل سوريا ووحدة شعبها، بل يسهّل كل إجراءات تفتيت وحدتها المجتمعية.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”