تراتيل إنسانية
يختزل خلقنا في رحم امرأة من جزئيات تجمعت تميزت بالتكوين العقلي تختلف عن المصدر الأولي لنشأتها كما تتحدث النظريات العلمية (الانشطار الكوني).
تدرج العقل البشري بالنشوء والتطور بما لم يفعله أي كائن في الكرة الأرضية، ولا نستطيع القول بالكون، لربما تكون هنالك حياة وحضارة سبقتنا إلى أبعد من حالنا، فالتنشئة الأولى لم ندركها بعد لكن رحم أمنا هو الذاكرة الإنسانية الأولى وقد تماثلنا بعض المخلوقات في طريقة التكوين لكن لم تسايرنا في الانتقال والتطور العقلي ولهذه القدرة العقلية على التجدد والخلق. من الكهوف والصخور إلى الفضاء والنجوم والكواكب، من أفراد متناثرين في شتات الأرض إلى قرية تجمعنا في فضاء أزرق نتبادل الأحاديث والأفكار ومنتجات عقولنا، من تبارز وتعارك في الأيدي إلى النووي والذري نبيد بعضنا بعضاً. لكن الإنسان منتصر في داخلنا برغم الوحش الكامن لدى بعضهم، يحتفظ بعنفه وجبروته وعدوانيته، لكن اللوحة الإنسانية تبرز.
إنني أرى الإنسان منتصر على ما حملت كينونته من حيونة وعنف مستمر بالاضمحلال والتراجع ليحل محله الخلق الإنساني المبني على الأخلاق من نبل وكرم وشجاعة طالما كانت عناوين الأمم ومحل فخر واعتزاز لها في الملاحم والأساطير المحكية للشعوب القديمة.
نظم الإنسان شؤون حياته ووضع القوانين الناظمة لها فبنى الدول على أسس قانونية، لذا يعتبر القانون العمود الفقري لكل دولة، به تستقيم شؤونها وبدونه يعود الفرد فيها لحياة الغابة ويفقد إنسانيته.
بهذا التطور الإنساني نشأت المنظمات الإنسانية الأممية، سنّت التشريعات والقوانين الدولية مستمدة قواعدها من العرف العالمي الإنساني الهادف لحماية الإنسان وصون حياته وتمكينه من العيش بكرامة بنبذ وتجريم كل ما من شأنه التعدي على حقوقه الأساسية. بحياة تليق بإنسانيته فكان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الوثيقة التاريخية الأهم في تاريخ حقوق الإنسان.
اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10/12/1948 كمعيار مشترك يجب اعتماده لكل شعوب العالم فهو يحدد الحقوق الأساسية للإنسان التي يجب حمايتها ورعايتها عالمياً.
ماهي حقوق الإنسان:
حقوق الإنسان تلازم كل فرد منذ ولادته وحتى مماته بصفته بشرياً، ولا تكتسب بالتقادم ومرور الزمن، ولا يمكن التصرف فيها، خارجة عن دائرة التعامل، ولا يمكن انتزاعها أو التعدي عليها، فليس من حق أحد التعدي، أو الانتقاص من حقوق فرد حتى لو كانت قوانين بلاده لا تعترف بها أو تنتهكها.
إذاً هي حقوق طبيعية متأصلة في ذات الإنسان لا يمكن العيش بدونها كإنسان، سابقة على نظام الدولة والقوانين، هي حقوق واحدة يتساوى فيها البشر دون تمييز باللون، أو العرق، أو اللغة، أو الدين، أو الجغرافيا، أو الرأي، أو الفكر، أو الجنس، أو الثروة، أو الميلاد، وهي ثابتة لكل فرد غير قابلة للإلغاء أو التجزئة، أو الانتهاك.
حقوق الإنسان قابلة للتطور بما يخدم قدرات الإنسان وتوسع مداركه وتعزيز إنسانيته بما يتفق مع نواميس الطبيعة فكانت ثمرة من ثمرات الجهد العالمي للقانون الدولي لحقوق الإنسان وهي الشرعة الدولية لحقوق الإنسان المتكونة من عدة إعلانات حقوقية أهمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، أيضاً تابعت الحركة العالمية في التطور الحقوقي وأنجزت العديد من الاتفاقيات الدولية الهادفة لحماية حقوق الإنسان وتمتعه بها دون نقصان أو تمييز لكل إنسان على وجه الأرض كاتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة، أو العقوبات القاسية، واتفاقية حماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم.
وهناك سعي عالمي عبر توجهات منظمات حقوق الإنسان الهادفة للمحافظة على حقوق الإنسان عالمياً. كمنظمة العفو الدولية، ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان، ومنظمة مدافعون عن الحقوق المدنية، ومنظمة بلا حدود، ومنظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان، والمنظمة الدولية لمناهضة العبودية.
العديد من المنظمات والاتفاقيات الدولية والإقليمية والوطنية تسعى جاهدة لتطوير المفاهيم الخاصة بحقوق الإنسان وتشريع قوانين تتناسب مع التطور المعرفي والقانوني لمدارك الإنسان.
الغوص في حقوق الإنسان يبعث على الألم لما تعانيه بعض شعوب الأرض من ظلم وقهر بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، إن كان عبر قوانينها ودساتيرها أو عبر السلطات والأنظمة القائمة فيها بالرغم من تعدد المنظمات والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان إلا أننا نجدها قاصرة أو عاجزة، أو مقصرة عن حماية الإنسان في تلك الدول ومرد ذلك أنها لا تستطيع إلزام تلك الدول بتطبيق القوانين العالمية لحقوق الإنسان حتى عن طريق مجلس الأمن، لوجود الفيتو المانع والحاجز دون إلزام تلك الدول وإنزال العقوبات بها تحت البند السابع وهذا انتقاص كبير في النظام القانوني العالمي ينبغي إعادة صياغته بما يكفل الحماية الكاملة لكل إنسان على وجه الأرض.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”