
تأخر تشكيل الهيئة التشريعية الانتقالية في سورية: الأسباب البنيوية وإشكالية الإرادة السياسية
يشكل غياب هيئة تشريعية انتقالية جامعة أحد أبرز مظاهر التعثّر في مسار التحول السياسي السوري، رغم تعيين السيد أحمد الشرع رئيساً للمرحلة الانتقالية وما تلاه من إعلان دستوري نص صراحة على الانفتاح والإصلاح. ويُعدّ هذا التأخر أكثر من مجرد عقبة إجرائية، فهو يعكس أزمة أعمق تتعلق ببنية النظام السياسي الوليد، وبطبيعة التصورات المتباينة حول مستقبل الدولة السورية ووظيفة السلطة في سياق انتقالي معقّد.
غياب الرؤية المؤسسية وتشوّش معايير التمثيل
إن أحد المعوقات الجوهرية التي حالت دون تشكيل الهيئة التشريعية الانتقالية حتى الآن، يتمثل في غياب رؤية واضحة ومشتركة بشأن طبيعة الهيئة وأسس تشكيلها والمعايير التي ينبغي أن تحكم عضويتها. فحتى اللحظة، لا توجد معايير متفق عليها لضمان تمثيل عادل لمواطني المجتمع السوري “سواء من حيث الانتماء السياسي أو الجغرافي أو القومي أو الديني”.
هذا القصور لا يمكن فصله عن غياب مشروع وطني جامع يُنظَر من خلاله إلى الهيئة التشريعية كأداة لإعادة توزيع السلطة وبناء التوافق، لا كآلية رمزية لتجميل الواقع القائم.
إرادة الانفتاح السياسي بين الخطاب والممارسة
رغم ما نص عليه الإعلان الدستوري ورغم ما أبداه رئيس المرحلة الانتقالية السيد أحمد الشرع من مؤشرات خطابية أولية توحي بالانفتاح على المكونات السياسية المختلفة، إلا أن غياب المبادرات العملية لاستيعاب القوى الوطنية ” المعارضة منها على وجه الخصوص ” يضع علامات استفهام جدية حول مدى مصداقية هذا التوجّه.
فلم تُطلق حتى الآن دعوات رسمية لحوار وطني شامل، ولم يُفتح المجال أمام القوى المدنية والسياسية الفاعلة للمساهمة في إنجاح المرحلة الانتقالية، ما يوحي بأن السلطة الناشئة لا تزال تعمل بمنطق السيطرة والتفرد، وليس وفق منطق الشراكة والمأسسة.
استمرار الانغلاق السياسي وتأجيل الإصلاحات الجوهرية
يتجلّى ضعف الالتزام بالتعددية السياسية وحرية التنظيم في استمرار غياب الحياة الحزبية وحرية الصحافة والاجتماع. إذ لم تُتّخذ أي خطوات تشريعية أو تنفيذية من شأنها إعادة الحياة إلى الفضاء السياسي العام، وهو ما يؤكد أن السلطة الانتقالية “حتى إشعار آخر” لا تملك الإرادة السياسية الكافية لترسيخ مبادئ التعددية والمشاركة.
ويمكن تفسير هذا السلوك السياسي على أنه استمرار لنهج مركزي يرى في القوى المجتمعية والسياسية المستقلة تهديداً للسيطرة المطلقة على القرار، لا ركيزة من ركائز الاستقرار السياسي المستدام.
الإشكاليات البنيوية لمسار الانتقال
إن التأخر في تشكيل الهيئة التشريعية لا يرتبط فقط بمواقف فردية أو حسابات سياسية آنية، بل يكشف أيضاً عن خلل بنيوي في مسار الانتقال السياسي السوري. فالنظام الانتقالي الحالي يفتقر إلى آليات رقابة متبادلة بين السلطات، وإلى مؤسسات مستقلة قادرة على ضمان الفصل بين السلطات، وهو ما يُضعف من فرص نشوء هيئة تشريعية فعّالة، ويُبقي السلطة التنفيذية في موقع الهيمنة المطلقة على مجريات المرحلة.
الحاجة إلى إعادة تأسيس العملية الانتقالية
إن تشكيل هيئة تشريعية انتقالية جامعة لم يعد ترفاً سياسياً، بل هو ضرورة دستورية ووطنية لإعادة بناء الثقة بين المجتمع والدولة، وشرط لا غنى عنه لإنجاح المرحلة الانتقالية. وما لم يتم التحرك الفوري نحو بلورة تصور توافقي يضمن شمولية التمثيل، واستقلال القرار التشريعي، والتزام السلطة الجديدة بمبادئ التعددية السياسية، فإن البلاد ستكون أمام خطر إعادة إنتاج نموذج سلطوي جديد، مغلّف بخطابات شكلية عن الإصلاح.
كلام سليم استاذ
شكراً لك استاذ باسل