fbpx

بوتين وحربه على أوكرانيا.. المطلوب استراتيجية أمريكية وغربية جديدة

0 284

قبل الغزو الروسي لأوكرانيا ليس مثل بعده، هذه حقيقة يجب الأخذ بها، فغزو هذا البلد المسالم أيقظ في الذاكرة والضمير العالميين جرائم ارتكبها نظام بوتين ضد الشعب السوري الثائر على استبداد وقهر النظام الوحشي الأسدي.

تدفق مساعدات الدول الغربية عسكرياً وإغاثياً، كشف عن صحوة متأخرة، بالتعامل مع نظام مافيوي يحكم روسيا، هذا النظام، حين وجد أن الغرب لم يعاقبه على ارتكابه مجازر وحشية ضد السوريين، وقبلها ضد الشيشان، أحس بأنه نظام قادر على انتزاع ما يريده من أوربا، وما يطمح إليه في بلدان يتدخل في شؤونها وصراعاته الداخلية.

لنعترف ببساطة، أن نظام بوتين ليس نظاماً سياسياً غبيّاً، فهو استشعر خطر انتقال حلف شمال الأطلسي إلى حديقته الخلفية أوكرانيا، واستشعر خطر استمرار التجربة الديمقراطية الأوكرانية على روسيا، المحكومة بقبضة المخابرات، وأوليغارشية ناهبي أموال الشعب الروسي، ممن باعوا مؤسسات الدولة لأنفسهم بأبخس الأسعار، وأضحوا بين ليلة وضحاها من أثرياء روسيا والعالم.

هذان الخطران دفعا بوتين إلى شنّ عدوانه على أوكرانيا، فهو بهذه الحرب، يريد إعادة عقارب الوقت إلى زمن الإمبراطورية السوفيتية، ومحاولة فرض روسيا كقطب منافس للقطب الأمريكي، ولكنه وقع في براثن وهم قوته المتخيلة، متناسياً ميزان القوى العسكرية والسياسية والاقتصادية بينه وبين الغرب، وتحديداً بينه وبين الولايات المتحدة الأمريكية، والذي يميل بقوة وشدّة لغير مصلحة روسيا ونظامها السياسي.

حرب بوتين العدوانية على أوكرانيا، أعادت الصحو للذاكرة الأوربية والعالمية، حيال ما فعلته روسيا بحق الشعب السوري من جرائم قتلٍ وتدميرٍ وتهجير، ولهذا استشعرت المجموعة الأوربية بخطر عدوان بوتين على الدولة الأوكرانية، فهذا العدوان يهدّد السلم والاستقرار والأنظمة الديمقراطية في أوربا الغربية.

ولكن، هل سيسمح الغرب لنظام بوتين الديكتاتوري المافيوي أن يستولي على أوكرانيا؟ وهل سيمرّ عدوانه دون عقاب وحساب؟

الأمر وما فيه عودة الذاكرة الأوربية إلى مرحلة صعود النازية في ألمانيا، فتساهل الغرب الديمقراطي آنذاك مع أدولف هتلر، دفع الأخير لاجتياح أوربا، وهذا الأمر، يتكرّر الآن، مع محاولة نظام بوتين القيصري الجديد السيطرة بالقوة على أوكرانيا، وفرض سياساته على العالم الحر.

لكن بوتين المتغاضي عن تفوق ميزان القوى الغربي على بلاده، اعتقد للحظات أن أوربا الغربية ستعيد انتاج مواقفها السابقة معه كما فعلت مع هتلر، هذا الاعتقاد مرجعه غطرسة وصلف ذهنية هذا الديكتاتور، الذي أهان علناً رئيس جهاز مخابراته، حين خالفه برؤيته للمشهد السياسي والعسكري، إذا ما هاجمت روسيا أوكرانيا.

لم يتخيّل بوتين حجم رد الفعل الغربي عليه، سواء بحجم العقوبات الاقتصادية، التي ستطبّق على بلاده، أو بحجم الدعم الذي تدفق على الأوكرانيين، وتحديداً، على صعيد تسليح جيش وشعب هذا البلد، والذي قدره التاريخي، أن يلعب دور ردع عدوانية وهمجية نظامٍ شمولي، لا يزال يحيا بعقلية الماضي السوفيتي البائد.

أوربا الغربية بقضها وقضيضها وقفت ضد عدوان بوتين على أوكرانيا، وأحست أنها أخطأت معه، حين أغمضت عينيها عن حربه ضد الشعب السوري الثائر على استبدادية نظام الأسد المتوحش، ولهذا وكي لا يتمدّد الوحش الروسي ذهب الغرب وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية إلى خيار جديد، هو خيار استراتيجية مواجهة حقيقية مع النظام المافيوي الروسي في أكثر من ساحة.

الخيار الاستراتيجي الغربي تمثّل بسياسة استنزاف القوة الروسية عبر دعم أوكرانيا، وتشكيل قوى مقاومة ضدها، ليس في الساحة الأوكرانية فحسب، بل في الساحة السورية وغير السورية، وهذا ما تناوله اجتماع واشنطن يوم الثالث من آذار عام 2022 الجاري، هذا الاجتماع حضرته مجموعة أصدقاء سوريا بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

إن تبني الرئيس الأمريكي جو بايدن لفكرة أن “الديمقراطية ستنتصر على الاستبداد”، ينبغي أن يوفرّ لها عوامل تحقيقها في الواقع، فالولايات المتحدة، تعرف تماماً أن نظام الأسد هو نظام مافيوي حليف لنظام بوتين، وبالتالي، فإن مساعدتها لقوى الثورة السورية القريبة منها سياسياً، يعني إضعاف الوجود الروسي في سوريا، وإضعاف النظام الإيراني، وبالتالي تسهيل تنفيذ القرار 2254، الصادر عن مجلس الأمن الدولي بتاريخ الثامن عشر من ديسمبر عام 2015.

إن جو بايدن ملزم بدعم قوى الثورة السورية، إذا أراد أن يضيّق الخناق على مشروع بوتين المعادي لتحرر الشعوب، وهذا يتطلب إعادة انتاج السياسة الأمريكية حيال استراتيجية دعم قوى الثورة السورية الرافضة لأي وجود روسي على الأرض السورية.

يجب أن تلحظ استراتيجية بايدن الجديدة كيفية هزيمة مشروع بوتين في سوريا، لأن فتح الجبهة السورية عبر تقوية وتفعيل فصائل ثورتها، سيؤدي بالضرورة إلى تشتيت القوة الروسية واستنزافها وهزيمتها، وهذا يصّب في مجرى دحر الاستبداد والإرهاب، ونشر الديمقراطية، وهذه جزء من رسالة الولايات المتحدة الأمريكية في الدفاع عن الحريات والديمقراطية.

إن تضافر جهود أوربا مع الولايات المتحدة الأمريكية في التصدي لمشروع بوتين، سيخدم بلا شكٍ مسألة الأمن والاستقرار في أوربا والشرق الأوسط، كما يساعد على خلاص الشعب الأوكراني من العدوان الروسي عليه، ودفع نظام بوتين إلى مواجهة أعمق أزمة اقتصادية وسياسية منذ سقوط نظام الشيوعية في الاتحاد السوفيتي البائد.

هذا التضافر، سينعكس إيجابياً على تسريع رحيل نظام الاستبداد في دمشق وحلفه الشيعي اللبناني والإيراني، ويسمح بإعادة الاستقرار والأمان لسوريا، وبدء إعادة إعمارها، بعد تشكيل هيئة حكمٍ انتقالية لا دور للأسد وعصابته فيها، هيئة حاكمة نزيهة تمهّد لانتخابات عامة في سوريا بإشراف الأمم المتحدة التام.

إن عدوان بوتين على أوكرانيا لن يمرّ دون نتائج قاضية على هذا الديكتاتور ونظامه المافيوي، وبالتالي سيتحمّل الشعب الروسي ضريبة قبوله بنظام متشدد، يرتكز على عقيدة الدمار والقتل، وفرض نموذج الحياة على الشعوب والبلدان، ولهذا، يمكننا القول، أن بداية نهاية الحقبة البوتينية السوداء، بدأت بالانهيار، فهذا النظام لن يصمد طويلاً أمام نظام العقوبات المشددة مالياً واقتصادياً وسياسياً، وهو نظام أوقع نفسه في الفخ الذي رسمته له عنجهيته، وخبرة الغرب الديمقراطي.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني