بايدن على المحك.. والعالم وأمريكا على مفترق طرق
ثمة سؤال مشروع يطرحه واقع الحال الذي تعيشه سياسة الرئيس جو بايدن الخارجية، هذا السؤال يتلخص بالقول: “هل حقاً إن سياسة الرئيس جو بايدن الخارجية على المحك؟ وأن أمريكا والعالم على مفترق طرق؟.
يمكن التأكيد هنا، أن تشخيص مقاربة السياسة الخارجية لإدارة بايدن حيال ملفات ساخنة، ليس مجرد قولٍ أو تكهنٍ مجّاني، بل هو ما تمارسه إدارة الرئيس حيال هذه الملفات، والتي أحدها ملف المفاوضات النووية مع إيران، والآخر يتعلق بالكيفية التي تواجه بها السياسة الأمريكية روسيا، التي تشنّ حرباً على دولة ديمقراطية هي أوكرانيا.
لذا يبدو من المستغرب أن إدارة بايدن ممثلةً بروبرت مالي، تكاد أن تكون ليست على تضاد مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بما يتعلق بالاتفاق النووي مع إيران، وقد اتضح عدم التضاد هذا، عندما وافقت هذه الإدارة على إعفاء روسيا من قائمة العقوبات المطبقة على علاقات إيران الاقتصادية مع الدول الأخرى.
مثل هذه السياسة لا تعكس رغبة الغالبية العظمى من الأمريكيين ولا مواقف كثير من أعضاء الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وتحديداً، ما يتعلق منها حيال الطريقة التي تواجه بها الولايات المتحدة مواقف النظام الإيراني في المفاوضات الخاصة بالملف النووي، وأن سياسة البيت الأبيض لا تبدي الحزم المطلوب في هذا الملف، وإنما تتجه لمعالجته بتقديم تنازلات لصالح النظام الإيراني، بما يشبه تقديم المكافآت له، لإقناعه بالتوقيع على هذا الاتفاق.
وفق هذه الرؤية، تبدو زاوية رؤية البيت الأبيض الأمريكي في عهد بايدن مشوشة، وغير قادرة على التقاط جوهر المصالح القومية الأمريكية عالمياً، وهذا يتضح من خلال نظرته ومعالجته لمسائل أهمها: العدوان الروسي على أوكرانيا، تمهيداً لمحاولة بوتين استعادة هيمنته على شرق أوربا، أما المسألة الثانية فهي نزوع هذه الإدارة إلى مكافأة نظام إرهابي دموي، هو نظام الملالي ذو الأيديولوجيا الدينية الإرهابية الواضحة والعلنية. وهناك مسألة ثالثة أهملها حكم الديمقراطيين منذ عهد الرئيس باراك أوباما، الذي أغمض عينيه عن جوهر الصراع في سوريا بين نظام مافيوي إرهابي وشعب ثار عليه، يريد بناء الحرية ودولة القانون في بلاده.
إن سياسة بايدن حيال نظام بوتين المافيوي سياسةٌ ملتبسة، ففي الوقت الذي تمدّ إدارة بايدن حكومة زيلينسكي الديمقراطية بالمساعدات العسكرية لمقاومة الغزو الروسي لأوكرانيا، تعمد هذه الإدارة على مكافأة روسيا مكافأة مجّانية من خلال إعفائها من العقوبات بالتعامل مع نظام طهران، فكيف يمكن فهم وتفسير تناقض هذه السياسات حيال الروس.
إن ترك بوتين بدون عقاب عسكري وسياسي واقتصادي حازم، يعني بالضرورة فتح شهيته لمتابعة محاولته استعادة السيطرة على أوربا الشرقية، هذه الاستعادة ستفتح باب تهديد أوربا الغربية خصوصاً والاستقرار والأمن الأوربي عموماً.
إن سياسة بايدن المتناقضة حيال روسيا والملفات السياسية العالمية، هي سياسة تعمل عكس ما يريده الأمريكيون، حيث يراقبون رضوخ هذه الإدارة للابتزاز الإيراني، ويتجلى ذلك من خلال سعيها لحذف ما يسمى “الحرس الثوري الإيراني” من قائمة العقوبات الأمريكية، سيما وأن الحرس الثوري، هو كيان عسكري يخضع لسلطة ما يسمى “مرشد الثورة علي خامنئي”، هذا الكيان مستقل عن سلطات الحكومة الإيرانية الخاضعة للقوانين ودستور البلاد، إضافة أن الكيان متورط بعمليات إرهابية، وله تواجد في أماكن النزاعات الإقليمية في الشرق الأوسط، مثل تواجده في سوريا والعراق ولبنان واليمن.
إن سياسة بايدن سياسة لا تعمل لمصلحة الأمن القومي الأمريكي العليا كما يجب، فهي تعمل ضد مصالح حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، وتحديداً ضد مصالح المملكة العربية السعودية ومصالح دولة الإمارات العربية المتحدة، فبدلاً من الاستجابة لهذين الحليفين ومطالبهما بما يتعلق بمخاوفهما من إطلاق يد إيران في الإقليم، يعمل روبرت مالي على رفع العقوبات عن نظام طهران الإرهابي، ويعمل على عقد صفقات نفطية تتيح لهذا النظام تصدير نفطه، وتدوير قيمة هذا النفط، من أجل استمراره بسياسته العدوانية ضد دول إقليم الشرق الأوسط، كما يجري حالياً.
الغريب في سياسة إدارة بايدن، أنها تعمل وفق نسقين متناقضين يضرّان بمصالح الولايات المتحدة، أول هذين النسقين، هو تدمير علاقات التحالف التاريخية بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، والأغرب من هذا، هو سعي إدارة بايدن على محاولة بناء تحالفات مع أعداء أمريكا، وتحديداً النظام الإيراني المتورط بسفك دماء مواطنين أمريكيين من قبل وإلى وقت قريب، كما يحدث في العراق.
إن إدارة بايدن التي سارت على منحى سياسة أوباما بشأن الصراع في سوريا، إنما أهملت معادلة تغييرٍ لمصلحة السوريين ودول العالم الديمقراطية التي تتزعمها أمريكا، فالاعتراف الآن بأن الروس الذين ثبّتوا قواعد عسكرية لهم في سوريا، إنما الغاية منها هي تهديد الاستقرار والأمن وابتزاز أوربا، وهذا ما صرّح به مسؤولون أوربيون.
هنا يمكننا طرح سؤال مشروع: هل إدارة بايدن بصدد إعادة انتاج تعريفات جديدة لمفهومي الحلفاء والأعداء؟ وهل هي إدارة تدرك المغزى العميق الاستراتيجي في ضرورة فرض الرضوخ على نظام طهران وبوتين استعداداً لأي تطورات لاحقة بشأن الصراع الاقتصادي وغير الاقتصادي مع دولة تزحف نحو المواجهة مع الغرب هي دولة الصين ذات النظام الشمولي الشيوعي الحاقد على أنظمة الديمقراطية الغربية.
إن إدارة بايدن أمام محكٍ سياسي واضح وجلي، فهل ستمضي بسياستها المتناقضة حيال أعداء الولايات المتحدة، وتحديداً حيال الروس، ونظام طهران الديني الإرهابي، ونظام بشار الأسد، المتوحش حليف أعداء أمريكا، أم ستعيد ترتيب أولوياتها في السياسة الخارجية التي تضمن المصالح الحيوية الأمريكية؟
يبدو أن هذا المحك سيظهر وهم رؤى إدارة بايدن لمعالجة الملفات الساخنة دولياً، وسيضطر الناخب الأمريكي والقوى السياسية الأمريكية لفتح جردة حساب بحق هذه الإدارة في انتخابات نوفمبر القادمة، وهو ما يعني سقوط عقلية الحرب الباردة، التي لا تزال تسيطر على الرئيس بايدن وفريق عمله، وتحديداً روبرت مالي وماكغورك العتيد.