fbpx

بالون

0 255

نثر ولدي أغيد “ذو السابعة من العمر” كتبه المدرسية، وخيم على محياه صمت غير معتاد.

فجأةً! قام أغيد وفتح النافذة المطلّة على حدود الوطن الكئيب.

سرحت نظراته نحو المخيمات التي غادرها منذ ثلاث سنوات إلى تركيا..

سرحت في ذلك الليل المخيف..

صمتٌ حلّ في الغرفة التي نجلس فيها!

أغلق النافذة، وجلس بجانب المدفأة، وبدأ يرتجف..

كلّ جسمه يرتجف

دقائقُ قليلة…

قام وأحضر بالونه الأبيض الذي اشتراه من مصروفه المدرسيّ..

نفخَ البالون، وأحضر قلم الحبر الأزرق..

بدأ يكتب أسماءَ أعمامه وأولادهم الذين لم يرهم منذ شهور عديدة..

ونحن نراقبه بدهشة وقد أطبقت علينا السكينة

لم نعرف مايجول في خاطره!

أنهى كتابة أسمائهم التي يرددها في اليوم عشرات المرات..

مسك البالون الأبيض المنقوش باللون الأزرق

وفتح النافذة من جديد

قال لي:

أريد أن أرمي البالون في الهواء حتى يصل إلى أولاد عمي

ذُهلت..

توقف عقلي عن التفكير . كأن العالم كله توقّف..

قلت له لن يصل البالون

صرخ بصوت عالٍ

سوف يصل …. سوف يصل!

أجهش بالبكاء

لم يكن بكاء طفل عادي!

كانَ البكاء يخرج من قلبه

بكاء عجوز هرم فارق أهله وأرضه..

سكت الجميع، إلا دموعه تتكلم..

لا نعرف ماذا تتكلم

ضممته إلى صدري وقلت له أرمِ البالون

ركض بكل طاقته، ورمى البالون المملوء بالشوق والحنين..

قال لي هل حقاً سيصل البالون؟

ومتى يصل البالون؟

قلت له:

يا ولدي سيضيع البالون على الحدود كما ضاع آلاف السوريين هناك

كما ضعنا في غربتنا هنا وهناك

كما ضاعت ثورتنا بين هذا وذاك..

ربما يصل البالون يا ولدي

لكنه يحتاج عاصفةً تأخذه في الطريق الصحيح..

وكم نحتاج يا ولدي عاصفةً تعيدنا للطريق الصحيح..

كم نحتاج يا ولدي لقلوبٍ بيضاء مثل بالونك الأبيض

كم نحتاج يا ولدي لقلمٍ صادقٍ مثل قلمك الأزرق

كم نحتاج للحبِ يا ولدي مثل محبتك لأهل ووطنك

لا تيأس أبداً يا ولدي

ستأتي العاصفة عما قريب

ويصل البالون

ارمِ بالونك يا ولدي، وليمسكه كل أطفال الخيام

ليمسكه كل مشتاقٍ لأهله

كل مشتاقٍ لأرضه

ارمِ بالونك ولا تيئس

ستأتي العاصفة عما قريب

ارمِ بالونك يا ولدي..

ارمِ بالونك يا ولدي

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني