fbpx

انقلاب البعث في آذار 1963.. صناعة الفشل والاستبداد وتدمير البلاد

0 131

الانقلاب العسكري الذي قامت به حفنة من الضباط السوريين المحسوبين على التيار القومي (الناصري والبعثي) في الثامن من آذار عام 1963، لم يكن مجرد انقلاب سيطر العسكر فيه على السلطة في سورية، بل كان انقلاباً على بنية الدولة، وعلى ثقافة المجتمع السوري، وعلى صيرورة تطور كانت تحدث آنذاك، وهذا حدث بالتدريج في مراحل متتالية، قادت البلاد إلى خارج مسار تطورها الطبيعي.

انقلاب عام 1963 أحدث خلخلة عميقة في وظيفة وبنية الدولة السورية، حيث عملت السلطات الانقلابية على تحويل الدولة إلى موقع “رب عمل” في المجتمع، هذا الموقع تقوده سلطة عسكرية واجهتُها الشكليّة حزب البعث العربي الاشتراكي، وبطانتها الحقيقية، مجلسٌ عسكريٌ بأذرعٍ أمنية أخطبوطية.

التحول في مهام وبنية الدولة جعل منها كياناً متماهياً في بنية السلطة العسكرية الحاكمة، أي أن الدولة بدأت بالذوبان في كيان هذه السلطة، مما جعل هذه السلطة تنفصل عن دورها الطبيعي، لتصير نقيضاً لبقية المجتمع على صعد الحياة المختلفة، السياسية منها والاقتصادية والثقافية والفكرية والقضائية.

على الصعيد السياسي، عملت السلطات البعثية الانقلابية على احتكار العمل السياسي، فمنعت تشكيل الأحزاب، واحتكرت لنفسها كل منظمات المجتمع المدني والأهلي، ثم اخترعت في مرحلة صعود الجنرال حافظ الأسد ما سمته (الجبهة الوطنية التقدمية)، وهي كيان تجميعي يهيمن على وجوده رأس الحكم وأجهزته الأمنية.

وعلى الصعيد الاقتصادي، سيطرت السلطات الانقلابية على وسائل الإنتاج الصناعي والزراعي، من خلال فرض سياسة التأميم والإصلاح الزراعي، كما تدخّلت بالتجارة عبر احتكار استيراد وبيع السلع المختلفة.

لقد أحدثت السلطة الانقلابية بمراحلها المختلفة ما سمي بالقطاع العام، وهو تحوّل إلى بقرة حلوب لأزلام النظام وأجهزة أمنه وجيشه، هذا التحوّل ببنية السلطة الحاكمة جعل منها برجوازية بيروقراطية، أي برجوازية تملّكت من خلال نهب قطاع الدول الصناعي والزراعي والتجاري والخدمي.

إذاً تغيّرت بنية الدولة في ظل انقلابات البعث المتكررة، وتماهت الدولة (ككيان فوق كل القوى) إلى ذراعٍ بيد سلطة الانقلابات، وهذا أحدث إعاقة حقيقية على صعيد التنمية الشاملة في البلاد، حيث صارت الدولة في خدمة الانقلابيين، بدل أن تكون السلطات الحاكمة في خدمة تطوير المجتمع والدولة.

“نداء بوست” طرح السؤال التالي على شخصيات مختلفة.

س- كيف تُقيّمون انقلاب البعث عام 1963 على صعد الحياة السياسية والاقتصادية والفكرية والحريات؟

يقول الدكتور طلال مصطفى، رئيس قسم علم الاجتماع في جامعة دمشق سابقاً، والباحث في “مركز حرمون للدراسات”: “يمكن القول، أن انقلاب البعث العسكري في 8 آذار 1963، هو يوم تدشين مرحلة سياسية اجتماعية اقتصادية ثقافية جديدة في حياة السوريين كافة، ويمكن تسميتها بالدولة الأمنية (المخابرات)، بكل ما تعني الكلمة من معنى”.

ويضيف مصطفى: “من الخطأ المعرفي الفصل بين انقلاب البعث 1963، وانقلاب عام 1966، وانقلاب حافظ الأسد على رفاقه وشركائه عام 1970، إلا من أجل البحث والدراسة تاريخياً، أما في الواقع فهم ينتمون إلى أسرة واحدة”.

ويوضح مصطفى: “جلب انقلاب البعث 1963 للسوريين كل المآسي التي عاشوها منذ ذلك التاريخ، ومازالوا يعيشونها حتى يومنا هذا، من حرمان السوريين من كافة النشاط الفكري والمشاركة السياسية، حيث صودرت حريات التعبير والعمل السياسي الحزبي، وأغلقت الصحف، ومنع التظاهر، وتجريد القوى السياسية القائمة من المشاركة في العملية السياسية إلا في دوائر النظام السياسي نفسه، وبشكل مقونن في دستور 1973”.

ويبيّن الدكتور طلال مصطفى ما جرى بقوله: “حيث نصب حافظ الأسد نفسه من خلال حزب البعث قائداً للأبد للدولة والمجتمع، بمشاركة شكلية لبعض الأحزاب في إطار ما يُسمى الجبهة الوطنية التقدمية، وأيضاً من خلال إصدار الدولة الأمنية ( المخابرات) “قانون الطوارئ لعام 1963، وقانون ما يُسمى حماية الثورة، الذي صدر بالمرسوم التشريعي رقم 6 لعام 1965، وقانون المحاكمات العسكرية رقم 109 لعام 1968، وقانون إحداث محاكم أمن الدولة الذي صدر بالمرسوم التشريعي رقم 47 لعام 1968، وقانون رقم 49 الذي ينص على إعدام كل منتسب للإخوان المسلمين”.

أما على الصعيد الاقتصادي فيقول مصطفى: “جُرّدت النخب الاقتصادية السورية من قوتها الاقتصادية من خلال ما يسمى بالإصلاح الزراعي، والتأميم، والتوجه الاشتراكي، فقامت السلطات البعثية بمصادرة أراضي كبار الملاك، وتمّ مصادرة المصارف والشركات الصناعية والتجارية والخدمية”.

أما من أهم مخرجات انقلاب البعث 1963 وحتى اليوم يضيف مصطفى: “عدم بناء وطن (دولة) بكل ما تعني الكلمة من معنى، حيث يشعر السوريون كافة بالانتماء إليه، مما ولّد وقوّى مظاهر الاحتقان والتشظي المجتمعي السوري”، وبتكثيف يمكن القول، يوم انقلاب البعث بتاريخ

8/ آذار/ 1963، هو اليوم الأول في اغتصاب سورية، والمستمر إلى يومنا هذا“.

وسألنا الأستاذ علي حسن أحمد بك عضو قيادة الكتلة الوطنية الديمقراطية عن رأيه بانقلاب الثامن من آذار عام 1963 فقال: “أنا على قناعة تامة، بأنه لا يوجد شيء في سورية اسمه حزب البعث من الناحية الحقيقية، هناك مجموعة من الضباط سرقوا اسم الحزب، وحكموا تحت عنوانه، وهم بعيدون خلقاً وأخلاقاً عن البعث، وخاصةً بعد حركة 23 شباط عام 1966”.

ويضيف علي حسن أحمد بك: “ما فعله المدعو (حافظ اسد) في 16تشرين ثاني 1970، بما يسمى (الحركة التصحيحية)، هذه الانقلابات أساءت للبعث، حيث يؤمن البعث الحقيقي بالوصول إلى السلطة عن طريق الانتخابات، وليس عن طريق الانقلابات، لقد قتل حافظ أسد (محمد عمران، وعبدالكريم الجندي )، وسجن البعض الآخر حتى الموت مثل (صلاح جديد ونور الدين الأتاسي).

ويتابع علي أحمد بك: “وبعد 16تشرين ثاني 1970، كشف النظام عن هويته الحقيقية، وأوصل الأمور إلى ما نحن عليه، فهل نستطيع أن نقول إنها تجربة للبعث، وبالتالي السؤال يكون (كيف تقيّمون تجربة هذه العصابة في سورية، منذ ذلك التاريخ وإلى حينه يمكننا القول، لقد دمرت هذه العصابة الحياة السياسية والاقتصادية والفكرية والحريات، ورهنت البلاد إلى المحتلين، وجلبت الويلات، وأمامنا مستقبل صعب جداً، إلا إذا انتصرنا على هذه العصابة، وآمنّا بأن سورية لكل السوريين، وأن نعمل على بناء الدولة المدنية الديمقراطية”.

أما المحامي عبد الناصر حوشان، وهو ناشط حقوقي وكاتب فيقول: ” إن انقلاب البعث في عام 1963 كان جريمة دستورية، لأنه كرّس سلطة الحزب الواحد، وفتح الباب للدكتاتورية السياسية، وفرض حكم العسكر، ناسفاً بذلك الحريّات الأساسية السياسية والمدنية، وأفضى ذلك إلى كوارث سياسية وقانونية”.

ويضيف حوشان: “من خلال تبني نظام البعث ما سمي الاقتصاد الإشتراكي، وإصدار قوانين الاستيلاء والتأميم والإصلاح الزراعي، حيث قضى على الطبقة البرجوازية، التي كانت صمّام الأمان للاقتصاد الوطني، واستولى على أموالها، وأمّم ممتلكاتها وشركاتها، وخلق طبقتين في المجتمع السوري، هما طبقة الأغنياء وهم أركان السلطة وأزلامها وشركائهم، وطبقة الفلاحين والعمال، التي تعاني من الفقر والحاجة حتى يومنا هذا”.

ويوضح حوشان رأيه أكثر فيقول: “كما فرض نظام البعث نموذجاً من الثقافة المعلولة، التي تتبنى طروحات وأفكار ومنطلقات حزب البعث، وتسبّح بحمده، وأنشأ منظمات حزبية، عملت على عسكرة الشعب، حيث تبدأ من أول سنة ابتدائي حتى انتهاء التعليم الجامعي، عبر منظمات طلائع البعث، وشبيبة الثورة، والاتحاد العام لطلبة سورية، واتحاد الفلاحين، واتحاد العمال”.

وباختصار يقول حوشان: “إن انقلاب البعث جريمة دستورية، وجريمة أخلاقية، وجريمة ثقافية، وجريمة اقتصادية، بدأت منذ عام 1963، وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا، وما يجري اليوم في سورية على يد هذه السلطة أكبر دليل على ذلك”.

وتضيف القاضية سمر الحسين في تصريحات خاصة ب “نداء بوست”:

كان انقلاب حزب البعث في سورية في سنة 1963، نكبة في تاريخ سورية المعاصر على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحريات العامة وغيرها فقط كانت سورية تعيش قبل هذا الانقلاب المشؤوم أفضل مراحل تاريخها المعاصر فقط كانت صدارة الدول العربية سياساً واقتصادياً وثقافياً، وفي الحريات العامة، وكان هناك انفتاح كبير على مختلف الجوانب ويمكن القول إن المرحلة السابقة للانقلاب المشؤوم، كانت أفضل مرحلة في تاريخ سورية المعاصر. وبعد الانقلاب دخلت سورية في نفق مظلم فقد أُعلنت حالة الطوارئ، وعطل العمل بالدستور، وحلت الأحزاب المناوئة لحزب البعث، وكانت الحياة السياسية في سورية مضرب مثل لمختلف الدول العربية وأصبحت الحياة السياسية معدومة فقد تم نفي واعتقال أغلب سياسيي تلك الفترة. ورافق ذلك هروب رؤوس الأموال الضخمة إلى الخارج خوفاً من استيلاء الحزب عليها تحت شعارات الاشتراكية، وعانت سورية من ركود اقتصادي لفترة طويلة الزمن، وكانت سورية في مقدمة الدول العربية في الصحافة، وبعد الانقلاب فقد عاشت الصحافة كارثة كبرى لم تقم لها قائمة إلى يومنا هذا في سورية، فقط الغيت تراخيص الصحف والمطابع و منع الصحفيين من العمل وأصبحت الصحافة تمجد للبعث وتتكلم باسمه، وكانت دمشق وحلب وحمص واللاذقية تعج بالمقاهي الثقافية والأنشطة والنوادي، والتي لم تدم طويلاً بعد الانقلاب فقد لوحق أغلب رجالات الثقافة والعلم في سورية، ولم يبقى إلا من يدور في فلك الحزب ولا زلنا نعيش آثار ذلك الانقلاب إلى يومنا هذا.

أما الدكتور باسل المعرلوي فيقول لـ “نداء بوست”: اعتقد أن أكبر كارثة حلت على سورية والعراق (الهلال الخصيب)، هو وصول البعث إلى السلطة في كلا البلدين…حيث انتهت سورية بظله الآن إلى ماهي عليه من أرقام مذهلة، ويكفي أن أُشير فقط إلى أن ووفق أرقام الأمم المتحدة، أن عدد السوريين الذين يقبعون تحت خط الفقر هي بحدود الـ 90%، وأن انتهاء حكم البعث بالعراق الذي استمر منذ الانقلاب على عبد الكريم قاسم 1963، إلى أن سقطت بغداد صريعة الغزو الأمريكي…

والقاسم المشترك لكلا البلدين اللذين حكمهما حزب قومي عربي، وعاصمة الأمويين والعباسيين، هما وعاصمتيهما قد وقعا في ظل الاحتلال الفارسي بعد ما يقارب أكثر من نصف قرن من الادعاء باستنهاض أو بعث الأمة العربية

1–سياسياً: مارس حزب البعث السوري (وهو الحزب القائد للدولة والمجتمع) أسوأ أنواع الحكم الشمولي حيث بدأ بديكتاتورية الحزب…إلى أن وصل بانقلاب حافظ أسد 1970 إلى ديكتاتورية الفرد… واتبعها بحكم العائلة…لم يكن الحزب طائفياً لأنه في بداياته، ويمكن إلى الآن يضم كل شرائح وألوان الطيف السوري…إنما استغله حافظ أسد كأحد أدوات فرض سلطته بعد أن أفرغه من مضمونه وحوله إلى تجمع للوصوليين والمنتفعين والمخبرين ..بحيث كان يغطي كل قرية أو بلدة أو حي ..لا تستطيع أجهزة الأمن الوصول إليها…لم يعقد مؤتمر قطري خلال 30 عاماً في حياة حافظ أسد..وتم استنساخ التجربة السوفييتية بعد تشويهها إلى الحياة السياسية السورية بحيث تم تأميم المجتمع عبر المنظمات الشعبية والنقابات المهنية …ولم يتاح للمعارضة ممارسة أدنى درجات الحرية ليس في الفضاء العام للبلد بل حتى ضمن الحزب نفسه..

أسهم الحزب في تصحر الحياة السياسية الأمر الذي دفعنا ثمنه بالثورة السورية إذ افتقدنا للكوادر والقيادات ..بل كنا نفتقد ألف باء العمل السياسي والثوري

2– على الصعيد الاقتصادي ..ساهم الحزب بواد التجربة السورية الناجحة اقتصادياً بعد أن أبعدها سياسياً..حيث أمم المعامل الناجحة…وأسهم بهجرة رؤوس الأموال والصناعيين…وكان اِنشاء القطاع العام كاستيلاد للنموذج السوفييتي كارثة كبرى على البلاد ..حيث اعتمدت بإدارتها على ميزة الولاء وليس الكفاءة وتعيبن الشخص غير المناسب لإدارة منشأة صناعية أو زراعية…وبالتالي تم سرقة المال العام بواسطة الفساد الذي استشرى فيه (والذي كان بعلم رأس السلطة) فكانت المعامل والمؤسسات الصناعية مرتعاً للفاسدين إلى أن وصلت بنهاية حكم الأسد الأب إلى نهاية عمرها….وكانت القوانين المالية والمحاكم الاقتصادية غير دستورية وسيفاً مسلطاً بيد السلطة للانتقام من معارضيها …

بالنهاية تم تدمير الاقتصاد وقطاع الخدمات كله وتحولت البلد إلى دولة ريعية تعتاش على بعض موارد النفط السوري، وتحويلات العمالات في الخارج والمساعدات العربية والدولية

3– على صعيد الفكر والحريات ..أمم الحزب الثقافة والصحافة عبر وزارتي الثقافة والإعلام ..وبالتالي حدث للمؤسسات الثقافية والإعلامية ما حدث للمؤسسات الأخرى بالدولة..ويكفي النظر إلى صحافة العاصمة دمشق لترى ثلاثة صحف رسمية فقط تكتب نفس الأخبار إنما اسم الصحيفة مختلفاً…

وعندما تصبح الصحيفة تقتنى لمسح الزجاج أو لف السندويش فاعلم إلى أي درك انحدرت..أما المسرح والموسيقى والتلفزيون والإذاعة فكانت تدار مركزياً من ثلة فاسدين موظفين لا علاقة لهم بالفكر والثقافة والإبداع…

ما أريد قوله بالنهاية إن حزب البعث بانتهاجه للقومية العربية الشوفينية ..أبعد من الفضاء السوري كل ما هو وطني فأعاق تشكيل هوية وطنية سورية تحت دعاوى الأمة العربية الواحدة…

وبالتالي اضهد كل المكونات غير العربية في النسيج السوري..بل لم يتوقف عند ذلك، بل ساهم باستنهاض الهويات ما قبل الوطنية كالمناطقية والعشائرية والطائفية.الخ..

واعتمدها كوسيلة من وسائل الحكم فكان يحرص مثلاً عند تشكيل أي فرع حزب مثلاً أن يضم درزياً وعشائرياً ومسيحياً وحورانياً..في تركيبة غير وطنية ولا تستند حتى إلى الواقع السوري…

وهو ما لمسناه بمجرد زوال القبضة الأمنية المركزية حيث انتشرت كل أشكال الأفكار أو التنظيمات ما دون الوطنية …ومازلنا ندفع ثمنها للآن…

وفي النهاية لا أرى أي ايجابية قدمها حكم البعث للمجتمع أو الدولة السورية بأي مجال أو منحى..وليس ذلك فحسب بل كانت كل سياساته كارثية إلى أن أوصل الدولة والمجتمع إلى القاع وربما إلى دون القاع.الوسوم المشهورة:

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني