انتخابات المريخ
عرفت الشعوب الانتخابات منذ زمن بعيد، فقد شهدت الحضارتين الرومانية واليونانية نمطاً من الانتخابات تجري من قبل مجالس الشيوخ لاختيار الحاكم. كما عرف العرب الانتخابات في عهد الخلفاء الراشدين عن طريق (الشورى).
الانتخاب أو الاختيار يعني إعطاء قيمة ودور للناخب واحترام للرأي، فالانتخابات هي التطبيق العملي للديمقراطية، لذلك لا تجري انتخابات حقيقية إلا من قبل السلطات التي تحترم شعوبها فتنظر إلى الحكم على أنه أداة لتحقيق مصالح الشعوب والسير بها إلى الأفضل فكان من البديهي مشاركتها في إدارة الحكم وشؤون البلاد عبر وسيلة الانتخابات.
ترسيخ المبدأ الديمقراطي بممارسة الشعب حقه في اختيار مسؤوليه، وفق المبادئ العالمية لحقوق الإنسان، يكون بالقواعد القانونية الناظمة للعملية الانتخابية برمتها، من تحديد واجبات وحقوق الناخبين والمرشحين وتنفيذ تلك القواعد بكل شفافية ومصداقية وهذا ما تفتقده النظم العربية التي تعتمد الشكلية في العملية الانتخابية مفرغة من مضامينها ومعانيها فتحولها وسيلة وأداة لترسيخ حكمها وتضييق الخناق على الشعوب والهروب من مسؤولياتها تجاه هذه الشعوب. ولا شك أن الفساد الذي صنعته وأنتجته الأنظمة الدكتاتورية مساعد أساسي لها لتحصد نتائج قياسية في الانتخابات فهي الوحيدة في العالم التي يحصل فيها الحاكم على نسبة 90% من أصوات الناخبين.
في ظل اغتصاب السلطات الدكتاتورية للحكم بالتزوير والنفاق وحرمان المجتمعات التي تحكمها من العمل السياسي فقدت المجتمعات العربية حرية الرأي وحرمت من وجود أحزاب حقيقية تشارك في العملية الانتخابية ومن إمكانية تداول السلطة.
يمضي السوريون حياتهم في مستنقع ملوث بأشكال الجرائم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والثقافية التي مارسها ويمارسها الحكم القائم الذي مازال ينافق ويمثل على نفسه وعلى السوريين وآخرها مهزلة ومسرحية انتخابات مجلس الشعب، لم تتعد المشاركة نسبة 5% من الشعب وحتى هذه النسبة ليست حقيقة كونها شملت طلاب الجامعة والموظفين والعسكريين الذين يحظر قانون الانتخاب مشاركتهم بالانتخابات وكل هؤلاء من الناحية القانونية ينتخبون بحكم المانع الأدبي أي أن رأيهم يتبع رؤساءهم في العمل بالنسبة للعمال والموظفين وأيضاً العسكري الذي لا يستطيع مخالفة أوامر رؤسائه والطالب الذي يخجل من أستاذه ما يفقدهم جميعاً الإرادة الحقيقة وحرية الاختيار هذا لجهة المسرحية والإجراءات الانتخابية وأما لجهة أعضاء مجلس الشعب، فإن صحت تسميته كذلك، فهو أبعد من أن يمثل الشعب بل هو مجرد أفراد منتقين للتصفيق والبصم على أي مشروع تطرحه السلطة التنفيذية فلا يعدو أن يكون وسيلة لتثبيت سيطرتها على مؤسسات البلاد ومن المعيب تسميته سلطة تشريعية التي يفترض أن تأتمر السلطة التنفيذية بأمرها لكن في سورية كلا السلطتين التشريعية والقضائية في قبضة السلطة التنفيذية.
بالرغم من عنجهية النظم الاستبدادية وتسلطها لكن لجوءها للانتخابات هو إقرار منها بأن الديمقراطية هي النظام الأمثل والأصح لحكم الدول وكونها تتبع النفاق والديماغوجية في حكمها فتتخذ من الانتخابات وسيلة لتلميع صورتها أمام المجتمع الدولي وليس أمام شعوبها لأن تلك لا تعني لها شيئاً وليست مدرجة في قاموسها.
تلك الصورة التي تريد الأنظمة الدكتاتورية إيصالها للعالم، صورة الأنظمة الديمقراطية المنتخبة من قبل شعوبها، تضع نفسها في المصيدة وصولاً للإدانة والمحاكمة مستقبلاً عندما تحصل الشعوب على حريتها، ولم يخطر على بال تلك الأنظمة أنها مكشوفة للعالم ولشعوبها.
كيف تعطي المصداقية والثقة في ظل غياب الشفافية والوضوح، فمن المفترض أن يرافق الإعلام المرئي والمسموع كل مراحل العملية الانتخابية وليس تصوير لقطات أمام الصناديق.
كونها تكذب وتزور فمن المستحيل أن تسمح للإعلام أن يتابع المراحل الانتخابية.
ففض الصناديق في غرف مغلقة للتلاعب بأرقام المشاركين، من جهة واختيار المرشحين المناسبين للتصفيق من جهة أخرى.
انتخابات المريخ تلك الرئاسية منها والتشريعية والمجالس المحلية وحتى ضمن الحزب الحاكم في سوريا المخالفة للقانون والدستور تفتقد الشرعية المطلوبة لاعتمادها في إدارة البلاد فلابد من فضحها ونشر عوراتها بالإضافة إلى نشر الثقافة القانونية للمجتمع ليتسنى للفرد معرفة مركزه القانوني، وحقوقه وواجباته كمواطن، استناداً لذلك المركز، وما يتطلب منه المشروع الوطني الهادف إلى الانتقال والتحول السياسي من نظام مستبد إلى نظام ديمقراطي يستند لسيادة القانون ويعمل بمبدأ فصل السلطات، وما تشكله الانتخابات من أداة هامة لتحقيق الديمقراطية وتداول السلطة بطريقة سلمية.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”