
الوضع القانوني للبعثة السورية في الأمم المتحدة: صراع السيادة والدبلوماسية في ظل القانون الدولي
بداية هناك قرار أمريكي يُعيد رسم خريطة الاعتراف
في ليلة الخميس 3 نيسان/أبريل 2025، تسلّمت البعثة السورية في نيويورك مذكرة أمريكية غيّرت وضعها القانوني من “بعثة دائمة لدولة عضو” إلى “بعثة تمثل حكومة غير معترف بها”. هذا القرار، الذي بدأ كاقتراح من وزارة الأمن الداخلي الأمريكي، يُثير تساؤلات حول موازين القوة في القانون الدولي، ومدى تأثير الاعتراف السياسي على العمل الدبلوماسي.
1. موقف الولايات المتحدة: بين السيادة الوطنية والضغوط الأمنية
– ما لها: تُبرر واشنطن قرارها بكون الحكومة الانتقالية السورية “امتداداً لهيئة تحرير الشام”، المصنفة إرهابياً لديها. وهذا ينبع من مخاوف أمنية، خاصة مع وجود مقاتلين أجانب في مناصب حكومية.
– ما عليها: يُنظر إلى الخطوة كتضييق دبلوماسي رمزي، إذ حوّلت تأشيرات الدبلوماسيين من فئة “G1” (المخصصة للدول المعترف بها) إلى “G3” (للممثلين غير المعترف بحكوماتهم)، ما يُلغي الحصانات ويُعقّد التفاعل داخل مقر الأمم المتحدة.
– القانون الدولي: يحق للدول المضيفة تحديد شروط منح التأشيرات وفق قوانينها المحلية، لكن هذا يُناقَش في إطار التزاماتها كـ”بلد مضيف” للمنظمات الدولية بموجب اتفاقية المقر (1947).
2. الحكومة الانتقالية السورية: بين الإصلاح وانتقادات الشرعية
– ما لها: تشكيل الحكومة الجديدة في آذار/مارس 2025، بقيادة السيد الرئيس أحمد الشرع، لاقى ترحيباً أممياً كخطوة نحو “انتقال سياسي شامل” تماشياً مع قرار مجلس الأمن “2254” حتى لو لم يكن ظاهراً بصراحة. كما تضمّنت تمثيلاً محدوداً للأقليات (مضطر لذكرها رغم أني لا أتبناها ولا يوجد في سورية أقليات بل يوجد مواطنين سوريين) وخطوات لإعادة الإعمار.
– ما عليها: تواجه انتقادات لضعف تمثيل النساء، وهيمنة “هيئة تحرير الشام” على الوزارات السيادية، وتعيين شخصيات مُثيرة للجدل منهم وزير العدل الخريج من كلية الطب وليس الحقوق كأكاديمية عملية.
– القانون الدولي: العضوية في الأمم المتحدة تُمنح للدول لا للحكومات، مما يحافظ على مكانة سورية كعضو، لكن شرعية الحكومة تبقى محل خلاف وفق معايير “التمثيل الفعلي” و”السيطرة على الإقليم”.
3. الأمم المتحدة: بين الحياد والواقع السياسي
– ما لها: رحّبت المنظمة الدولية بالحكومة الجديدة كـ”خطوة نحو الاستقرار”، ودعمت جهود المبعوث الخاص “غير بيدرسون” لتعزيز الحوار.
– ما عليها: تعاني من ازدواجية الموقف، فبينما تعترف بعضوية سورية، تُجبر على التعامل مع قرارات البلد المضيف (الولايات المتحدة) التي تُقيّد عمل بعثتها.
– القانون الدولي: تُلزم المادة 105 من ميثاق الأمم المتحدة الدول المضيفة بتمكين المندوبين من أداء مهامهم، لكن الولايات المتحدة تستند إلى “استثناءات أمنية” لتبرير إجراءاتها (غطرسة سياسية).
4. تداعيات القرار: ماذا يعني للمستقبل؟
– على الصعيد الدبلوماسي: فقدان الدبلوماسيين السوريين للحصانات سيُعيق حضورهم اجتماعات مغلقة أو دخول أقسام حساسة في المقر الأممي.
– على الصعيد السياسي: قد تَتبع واشنطن دولاً أخرى في عدم الاعتراف، مما يُضعف التفاوض على رفع العقوبات أو إعادة الإعمار.
– فرص الحل: يعتمد الأمر على نجاح دمشق في إثبات التزامها بمعايير الحكم المدني، ومكافحة الإرهاب، وتوسيع التمثيل السياسي ومشاركة أوسع في عمل الحكومة.
في النهاية الدبلوماسية لعبة الصبر والشرعية
القرار الأمريكي ليس “نهاية المطاف”، بل محطة في رحلة معقدة لبناء شرعية الحكومة السورية. فبينما تُصر واشنطن على شروطها الأمنية، تُذكرنا الأمم المتحدة بأن الشرعية تُبنى بالإنجازات لا بالاعترافات. هنا، يصبح القانون الدولي ساحة صراع بين مبادئ السيادة وواقع السياسة، حيث تُكتب فصول التاريخ بلغة المصالح والتنازلات.