fbpx

الورقة السورية

0 271

تعتبر الحالة السورية من الحالات الغربية بين الأزمات العالمية وتتفرد بالغرابة عن أزمات الشعوب، لكثرة الأطراف المتدخلة بالشأن السوري وضياع القضية الأساسية للشعب السوري (قيام دولة ديمقراطية دولة مؤسسات وقانون) في صراعات الأطراف وتضارب مصالحها على حساب مصلحة السوريين، فكل طرف خارجي يعمل لصالحه بغض النظر عن السبب الذي يدعي ويزعم أنه تدخل من أجله إلى جانب أحد الأطراف السورية وإن هذا الطرف يمثل الشعب كله، وهكذا أصبح السوري ورقة بيد كل طرف يحتسبها له ويستخدمها لتحقيق مكاسب أكبر له.
مزقت الحرب السوريين وقطعت أوصالهم، فتشتتوا في بقاع الأرض بين لاجئين ونازحين ومهجرين واتسعت رقعة الانقسامات بين أفقية وعمودية.
ما زاد في تأجيج الحرب، البعد عن نقطة تواصل تجمعهم على طريق واحد ينهي الحرب والانقسام ويجمعهم على أسس بناء الدولة الديمقراطية، وكان الدور الأكبر للنظام السوري بما عمل عليه من فتن طائفية منذ سنوات طوال وكرسها واستغلها ضد الثورة السورية، فأبعد كل من يعمل بقلب وعقل سوري صادق عن الساحة إما قتلاً أو اعتقالاً أو تهجيراً، فلم يبق في ساحة الصراع من يمتلك العقل والحكمة وبعد النظر، بل أصحاب النفوس الضعيفة من طرفي الصراع، بداية مؤيدو النظام ومعارضوه، وهذا كان بداية الانقسام الذي حوّل الحراك الشعبي السلمي إلى صراع مسلح وبرز على أنه صراع طائفي، حيث وجد النظام ضالته في الإسلاميين واستغلال مشروعهم المدعوم من دول الخليج في خلق الانقسام بين المعارضين وزيادة الشرخ بين السوريين وكان هذا أيضاً مجالاً للتلاعب الخليجي بمستقبل السوريين، حيث استخدمت المعارضة الإسلامية وسلحتها لتكون أكبر عدو للثورة الشعبية السلمية التي تشكل خطراً على مصالح حكام الخليج في حال نجاحها بتحقيق أهدافها في بناء دولة ديمقراطية علمانية، فاستخدم الخليج الورقة السورية بحجة الدفاع عن مصالح الشعب السوري وبالمقابل كانت إيران حليفة النظام العدو الأكبر والأخطر على الثورة السورية وعلى الشعب السوري، فاستخدمت الورقة السورية بحجة حماية الشعب والدولة السورية من خطر الإرهابيين لتحقيق مشروعها العدواني الطائفي الأخطر والأكثر عدوانية تجاه قيام دولة ديمقراطية، فبثت الفكر المتطرف الطائفي الشيعي ما زاد في التطرف الآخر السني.
مجرد ذكر هاتين الطائفتين في أي شرح يزيد من الألم السوري فبدلاً من الحديث عن مستقبل الدولة السورية ومناقشة أسس بنائها كانت الورقة السورية لإيران الوسيلة الأكبر لتحقيق مصالحها وبسط نفوذها في شرق المتوسط من العراق إلى سوريا ولبنان واليمن.
لم يكتف النظام بإدخال إيران ومليشيات حزب الله اللبنانية والعراقية لمحاربة الشعب السوري فكان ذلك بمثابة هدية على طبق من ذهب لإيران وميلشياتها للعمل على تمزيق السوريين وإضعافهم، بل أدخل روسيا للقضاء على ما تبقى من ثورة على أرض الواقع، بالقضاء على السوريين وهدم مدنهم وقراهم وتهجيرهم وقتلهم، بالقصف عبر الطائرات الروسية، فوجدت روسيا مكسباً لها في الدخول في هذه الحرب بحجة مكافحة الإرهاب ومساندة السوريين والدولة السورية فاستولت على المرافق الحيوية (مرفأ طرطوس وآبار الغاز ومناجم الفوسفات…) وهنا أيضاً استخدمت الورقة السورية لصالح روسيا وتحقيق مكاسبها بالوصول إلى المتوسط وبناء قواعد لها وتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية وتجارية وأخيرا استخدام السوريين كمرتزقة تحارب بهم في ليبيا، فما حققته روسيا من استخدام الورقة السورية كانت عاجزة عن تحقيقه خلال سنوات عديدة فكان لها ما أرادت، ويأتي دور دول الجوار (لبنان والأردن وتركيا) في استخدام الورقة السورية (اللاجئين) لتحقيق مكاسب مادية وسياسية فلم يخف على أحد تدفق السوريين بأعداد كبيرة خلال عام /2015/ عبر تركيا إلى أوربا فما كان من أوربا إلا أن خضعت للضغط التركي وقدمت الأموال الطائلة لتركيا مقابل استخدام الأراضي التركية للسوريين بالوصول إلى أوربا فأعلنت تركيا عن فرض الفيزا لدخول الأراضي التركية على السوريين.
ومازال اللبنانيون المتحالفون مع النظام يستخدمون ويصرخون من توجعهم وأذيتهم من وجود السوريين على أراضيهم وما لاقاه السوريون من معاملة وحشية لا إنسانية من بعض اللبنانيين لدرجة ارتكاب أبشع أنواع الجرائم والتمييز اللاإنساني بحقهم، فالاستخدام العنصري اللبناني لورقة اللاجئين حقق مكاسب مالية من المنظمات الدولية وهذه الأخيرة أيضاً حققت للأردن مكاسب مالية وسياسية، فلابد من تحقيق المكاسب على حساب السوريين، وحتى بعد اللجوء العظيم إلى أوربا لاقت الأحزاب الأوربية اليمينية والعنصرية المتطرفة استخدام ورقة السوريين في تنافسها مع الأحزاب الديمقراطية الأوربية التي لها الفضل الكبير في حماية اللاجئين السوريين، لكن بالمقابل كان لتصرفات بعض المتخلفين والمتطرفين الرافضين للاندماج بالمجتمع الأوربي ذريعة للعمل ضد اللاجئين السوريين وتخويف المجتمعات الأوربية من الخطر الذي يشكله اللاجئون على هذه المجتمعات، طبعاً كما يدعى هؤلاء المتطرفون الأوربيون وقد نجح بعضهم، وهذا ما لاحظناه مؤخراً في الدانمارك التي أصدرت قراراً بترحيل عدد من السوريين بحجة أن أماكن سكنهم الاصلية أصبحت آمنة ولم يعد للجوء مبرر قانوني وإنساني، هذا أيضاً استخدام للورقة السورية لتحقيق مكاسب سياسية لأحزاب اليمين المتطرف في أوربا.
مازالت روسيا تستخدم السوريين كورقة ضغط لتحقيق مصالحها وهي الحريصة على الشعب السوري كما تدعي وتزعم وعلى مصالحه، فتطالب بإزالة العقوبات الأميركية والمشاركة بإعادة الإعمار لتحقيق أكبر مصلحة لها من هذه الحرب القذرة على حساب الدم السوري ولم تكتف بعرقلة أي حل سياسي، فليس من مصلحتها أن يتفق السوريون بل باستمرار الصراع، فلو أرادت أن يتفق السوريون حسب زعمها لم تقف مع النظام وتدعمه لأن وجوده أكبر عائق في تحقيق أحلام الشعب السوري بدولة ديمقراطية تقوم على أساس المواطنة وسيادة القانون وتداول السلطة السلمي وتحترم حقوق الإنسان.
بالنهاية المسؤول الأول والأخير عن الدمار السوري ووضع سورية لقمة سائغة تتلقفها الدول المتدخلة في أراضيها هو النظام القائم، فلو امتلك ذرة حس وطني لم تقم هذه الحرب أصلاً وكان حافظ على الدم السوري وعلى مقدرات السوريين ولم يشتتهم جغرافياً وفكرياً وطائفياً.
لكن رغم الجراح مازال الأمل قائماً وما زالت الثورة مستمرة بكل صاحب ضمير يحمل المبادئ الإنسانية بغض النظر عن أي انتماء، وسورية بالنسبة له، الشعب ومصلحته بإقامة دولة تضمن رفعته وتقدمه إلى ما يستحق من بين شعوب العالم، ولا يقبل أن يكون ورقة بيد أحد أو مطية للآخرين.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني