fbpx

الهروب إلى الأمام بين النجاة والهلاك

0 238

موجة هجرة جديدة تطرق أبواب أوربا عبر الحدود التركية اليونانية، تعيد للأذهان موجة 2015 مع العلم أن محاولات عبور السوريين ووصولهم لم تتوقف خلال هذه الفترة.

فمنذ بداية حرب النظام على شعبه، التي استخدم فيها كل أدواته الوحشية للقصاص، وقع السوريون بين معتقل وشهيد ونازح ومهجر مفتقدين معنى الاستقرار بعد أن ضاقت بهم السبل ولفظتهم بلادهم ولاقوا ما لاقوه من التضييق والقهر والعنصرية في لجوئهم ونزوحهم وبات ملف اللجوء الملف الأكثر إشكالية باعتباره الملف الذي فُتح ولم يغلق بسبب الصمت الدولي والتعامي عن ممارسات نظام الإجرام في سوريا، ولآثاره على اللاجئين أولاً وعلى الدول المضيفة غير المؤهلة لاستقبال هذا العدد الهائل، ليتحولوا إلى عبء على تلك الدول ويعانوا فوق مرارة التهجير قسوة الفاقة وظروف العمل القاسية والعنصرية التي زادت حدتها بالآونة الأخيرة لتستخدمها بعض الأحزاب المعارضة كورقة ضغط على حكومات الدول المضيفة وليقتل بها السوريون.

من جديد يحمل السوريون حقائبهم حالمين بالاستقرار، لتكون وجهتهم أرض الأحلام أوربا متكبدين في سبيل الوصول إليها مشقة قد تودي بهم إلى الموت.

هي غريزة البقاء الذي بات شبه مستحيل في بلد غزاه القاصي والداني في عهد الأسد الابن ليكمل مسيرة أبيه في تقسيم وتأجير وتهجير ما تبقى.

بعد عقد من حرب طالت السوريين وبعد صمت دولي وخطوط حمراء رسمت للحد من همجية النظام تم تجاوزها من قبله دون تحريك ساكن.

وبعد محاولات إعادة تدوير النظام وفرضه من خلال إعادة العلاقات معه، يوقن السوريون أنه لا أمل من عودة كريمة آمنة لهم إلى وطنهم بظل غياب حل سياسي وطني للقضية السورية، ليكون الحل الأوحد الهروب إلى الأمام عبر غابات وعرة بطقس بارد وطريق مجهول تحفه المخاطر لن يكون أقسى عليهم من أقبية المعتقلات في وطنهم أو الوقوف بطوابير المعيشة اليومية، طريق وعرة لا يسلكها إلى من فقد وطنه.

تختلف موجة الهجرة تلك عن سابقتيها في عام 2015 و2019 إذا إنها تشمل السوريين من جميع المناطق الخاضعة لسيطرة النظام والخارجة عنها، وفي دول اللجوء لتطال لعنة الغربة كل سوري مهما كان توجهه.

ففي مناطق سيطرة النظام يعاني السوري الموالي والمعارض على حدٍ سواء من شظف العيش وضيق ذات اليد في بلد فقدت مقومات الحياة الإنسانية بالإضافة لتسلط أصحاب النفوذ وانتشار الفساد والجريمة.

فقد بدأت هجرة الموالين للنظام أواخر العام الماضي عندما خرجوا من بلدهم الأم إلى الحدود البيلاروسية البولندية.

لاجئين غير مطلوبين للأفرع الأمنية وأجهزة المخابرات غير مهددين، لكنهم هاربين من ظروف حياتية قاسية ومستقبل مجهول أولئك الذين لا تنطبق عليهم صفة اللاجئ حسب اتفاقية 1951 للجوء، خرجوا من ديارهم على متن أجنحة الشام بجوازات سفر صادرة عن الهجرة السورية وبدون تصريح من شعبة التجنيد وبتسهيلات قدمها النظام الذي رأى فيهم وسيلة كسب جديدة حيث بلغت تكلفة الرحلة من 3000 إلى 5000 دولار يعود جزء كبير منها لمكاتب السفر التي تعمل بغطاء أمني وضوء أخضر حكومي.

أما في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام كذلك يسيطر الوضع الأمني والمادي على توجه السوريين، ففي المناطق الواقع تحت سيطرة قوات سوريا الديموقراطية (قسد) يعاني قاطنو تلك المناطق من غلاء المعيشة ومحدودية فرص العمل والايجارات المرتفعة بالإضافة لخطر التجنيد القسري الذي يطال حتى الأطفال.

كذلك يعاني سكان مناطق الشمال السوري نفس المعاناة المعيشية وقلة فرص العمل، وفق تقرير منسقو استجابة سوريا فان نسبة العائلات التي تعتمد على المساعدات الإنسانية فقط شمال غربي سوريا ارتفعت إلى 82%، وبدوره رأى وزير الاقتصاد في الحكومة المؤقتة عبد الحكيم المصري أن عوامل الاستقرار الثلاثة الأمن والعمل والتعليم غير مقنعة للسكان في مناطق سيطرة المعارضة، بالإضافة إلى أن تلك المناطق لا تزال تعاني من الاستهداف والقصف من قوات النظام وروسيا وكل ما سبق يهدد سلامة وأمن قاطني تلك المناطق ما يدفعهم إلى الهجرة.

أما في دول اللجوء المجاورة لسوريا فقد بات وضع السوريين حرجاً، بسبب قوانين العمل الصارمة والتضييق الذي يلاقونه واشتداد اللغة العنصرية التي أودت ولا زالت بحياة السوريين وخاصة الشباب فضلاً عن خطر الترحيل في أية لحظة. ليلقي السوريون بأنفسهم في غياهب الغابات ويستقلوا مراكب الموت في لبنان فيغص المركب الصغير بـ 100 هارب من الموت ليستقبلهم الموت في أعماق البحار.

إلى أين الوجهة؟

لم تعد أوربا هدف السوريين الوحيد بعد التشديد على حدود دول المرور وفرض رقابة شديدة على حركة العبور وخطر تعرض اللاجئين للضرب المبرّح وربما الموت. ليجد السوريون ملاذاً جديداً ويستعيدوا تاريخ أجدادهم بالهجرة إلى دول أمريكا الجنوبية وبخاصة البرازيل، بعضهم يقصد البرازيل للوصول إلى غويانا ومنها إلى فرنسا وبحال لم تفلح المحاولة لا ضير من الاستقرار في البرازيل حيث الشعب المتسامح والترحيب مع العلم أن البرازيل وفرت للسوريين عام 2013 الفيزا الإنسانية.

 عشر سنوات ولازال السوريون عرضة للقتل والتهجير والعنصرية تحت مرآى ومسمع العالم، واقع مأساوي لا يعيشه إلا شعب كان خطأه الوحيد أنه طالب بحريته فكان الجواب قتل وتشريد وخيام نصبت في العراء على أطراف القرى لتعلن سقوط الإنسانية لتأتي الحرب الأوكرانية وتفضح ازدواجية العالم المتحضر عندما خرج رؤساء الدول مرحبين باللاجئين الأوكرانيين ليستقبلوهم في البيوت والفنادق ويباشروا بخطط استيعابهم بما يحفظ إنسانيتهم وكرامتهم.

عشر سنوات من المناشدات والمؤتمرات والاجتماعات أسفرت عن مخيمات وسلل غذائية ومعونات مادية توزع دورياً وليست متوفرة الجميع.

عشر سنوات من الخذلان والإحباط توجت بإعادة نظام الإجرام إلى الواجهة.

لذلك لم يبق للسوريين إلا الدعاء والتضرع بأن تكون الغابات وأمواج البحار أكثر رأفة على السوريين وتوصلهم إلى بر الأمان.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني