الهدف هو الانتقال السياسي.. واللجنة الدستورية تعمل على جزء من الحل
حين أراد ستيفان ديمستورا تقسيم التفاوض حول القرار 2254، كان عملياً ينفّذ رغبة موسكو في إفراغ محتوى القرار المذكور من فعاليته السياسية، التي تتحقق عبر مكوناته، المستندة إلى القرارات السابقة ذات الصلة مثل القرار 2118 وبيان جنيف1، وهذا أمر تنبهت إليه قوى الثورة وهيئة التفاوض آنذاك، لكنه تقسيم أوقع عملية التفاوض بعجز وانسداد أفق.
لكن خلفه السيد “جير بيدرسون”، قدم توضيحات لمجلس الأمن في إحاطته الأخيرة، التوضيحات ركّزت على أن مسار اللجنة الدستورية لن يساعد لوحده في التوصل إلى حلٍ سياسي للصراع السوري، ولابدّ كما قال بيدرسون من تزامن السلال الأربع في العملية التفاوضية بين النظام السورية وممثلي قوى الثورة والمعارضة، هذه السلال هي تشكيل هيئة حاكمة انتقالية، وتوفير دستور أو وثيقة دستورية يلتغي فيها أي إمكان لعودة الاستبداد والديكتاتورية، إضافة إلى إجراء انتخابات شفافة تقودها الأمم المتحدة، وتشرف عليها بشكلٍ تام وشامل.
إن مسار اللجنة الدستورية ليس مساراً تفاوضياً منفرداً، بل هو جزء من مسار التفاوض الكلي، لتحقيق تنفيذ القرار 2254 بسلاله الأربع، الذي يؤدي حتماً إلى انتقال سياسي في سوريا، وعمل اللجنة الدستورية الممثلة لقوى الثورة والمعارضة هو عمل مرتبط بمرجعيتهم الأساسية هيئة التفاوض السورية المنبثقة عن مؤتمر الرياض2، هذه المرجعية معنية بثبيت حق الانتقال السياسي في عملية تفاوضها مع النظام السوري برعاية الأمم المتحدة.
إن اختيار بيدرسون لتزامن التفاوض حول السلال الأربع، هو اختيار يصبّ في مصلحة تحقيق الحل السياسي، المحدّد بالقرار 2254 وباقي قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالصراع السوري. وإن هذه الحقيقة هي حقيقة مدركة لدى الوسيط الدولي بيدرسون، ولذلك سيكون من الأهمية بمكان، فتح بقية المسارات التفاوضية، إذا كانت الأمم المتحدة جادة في إنجاز العملية السياسية، وتقدمها بشكل حقيقي.
إن هيئة التفاوض السورية معنية بالإصرار على فتح مسارات التفاوض بشكل متزامن، وهي تدرك أن لا حل سياسي للصراع السوري بدون تنفيذ مكونات القرار 2254 بسلاله الأربع، وإن تقديم أي تنازلٍ هو أمر غير وارد لدى هيئة التفاوض لمعرفتها أن نسف مكون واحد من المكونات الأربعة للقرار المذكور يعني التفريط بحقوق السوريين بضرورة الانتقال السياسي التام، ويعني أيضاً هدم القرار الدولي ذاته.
إن محاولة الروس اختصار القرار الدولي وعملية التفاوض على سلتين فقط من السلال الأربع، وهما سلة الدستور والانتخابات، يعني ببساطة التفاف كبير على قيمة وجوهر القرار الدولي المذكور، وهو مسعى يجد صداه في السلوك السياسي الروسي من خلال مساري أستانا وسوتشي، اللذين رفضهما الشعب السوري ومجموعة أصدقاء سوريا.
إن تنظيم حملات احتجاج شعبية سورية في الداخل والخارج، والقيام بمخاطبات حثيثة لقوى السلام والحرية العالمية، إضافة إلى مطالبات مستمرة للأمم المتحدة بضرورة الالتزام بتنفيذ قراراتها، سيصب في النهاية كجهد سياسي وشعبي لمصلحة الانتقال السياسي في سوريا، ويساعد في تقوية موقف هيئة التفاوض السورية، التي تحتاج بالضرورة إلى دعم حقيقي من حاضنتها الشعبية، بعيداً عن ترويج مقولات باطلة، تطلقها قوى متضررة من الإصرار على تنفيذ الحل السياسي وفق القرار 2254، مقولات لا يستفيد منها غير أعداء الثورة السورية في ظل موازين قوى إقليمية ودولية لا يمكن تغييرها في الظروف الموضوعية والذاتية الحالية.
إن انعقاد جولة تفاوض رابعة وخامسة على التتالي بعد الاتفاق على جدولي عملهما، يحتاج من أطر الثورة تنظيم مظاهرات واعتصامات في كل أماكن وجود السوريين دعماً لهيئة التفاوض ومجموعة المعارضة التي تفاوض باسم الثورة السورية. كما يحتاج إلى التصدي لكل محاولات زلق الأمور لمصلحة إعادة إنتاج النظام الاستبدادي عبر الالتفاف على محتوى القرار الدولي ومطالب الثورة السورية.
إن وفد المعارضة في مفاوضات اللجنة الدستورية معني بالاستقواء بالشعب السوري الثائر، ومعني بالحفاظ على مصالح هذا الشعب المتمثلة بانتقال سياسي حقيقي لا يكون الأسد ومجموعته جزءاً من الانتقال السياسي وهو الهدف الرئيس للسوريين لإسقاط الاستبداد ونظامه.
إن تقديم أي تنازل جوهري بمحتوى القرار 2254، يعني تقديم هدايا لنظام الأسد، وهو أمرّ لن تفعله مجموعة المعارضة في اللجنة الدستورية، ومن الطبيعي أن يرفض كثيرون من ممثلي المجتمع المدني في لجنة الدستور تقديم مثل هذه الهدايا.
إصرار وفد هيئة التفاوض ومجموعته الدستورية على تنفيذ السلال الأربع سيجبر المجتمع الدولي على الإسراع في الحل السياسي وفق محتويات القرارات الدولية، لأن أي تأخير في ذلك سيرتد بالمحصلة على المجتمع الدولي.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”