fbpx

النُخَب المعارضة والعدوان الروسي على سورية

0 348

إن حركة الشعوب التي تقودها نخبة سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وعلمية، هي حركة حضارية تقودها إما نحو النهضة والتقدم وتحقيق أهدافها، وإما نحو الانهيار والسقوط في التخلف.

والثورة السورية في أبعادها الفكرية والسياسية والثقافية والقانونية هي حركة حضارية هادفة للارتقاء بالمواطن السوري عبر تحقيق العدالة الاجتماعية واحترام القانون والدستور واحترام وتعزيز الحريات والمساواة والعدالة، وتنفيذ خطط التنمية المستدامة.

إن وجود الأنظمة الدكتاتورية والسلطات الاستبدادية عامل من عوامل انهيار الأمم، وهذا ما نعيشه اليوم في سورية، فالنظام السوري المجرم فرّط بكل مقدرات البلاد وبدّد ثرواتها، ورهن قرارها السيادي للدول الغازية “إيران وروسيا” في سبيل الحفاظ على السلطة واستجلب المرتزقة والميليشيات العابرة للحدود لتغزو البلاد وتقتل وتشرد العباد، وتدمر كل مقومات الحياة.

وقد انقسمت النخب السورية انقساماً عميقاً حول قضية الثورة الأمر الذي انعكس على موقفها من الغزو الروسي والإيراني وعلى كثير من القضايا التي ظهرت على السطح مثل قضية الدستور، والصراع الافتراضي بين الدين والدولة، والصراع بين الهوية الوطنية والهويات الفرعية والجندرة والمساواة والعدالة، وظهور الثنائيات والتصنيفات الخارجية بعيداً عن قضية الاستبداد الذي يمارسه النظام المجرم والغزو الروسي والإيراني وهي القضية المركزية للثورة.

عدم وحدة الموقف من الغزو الروسي – الإيراني يعود لغياب الرؤية الواضحة والتأصيل القانوني والسياسي الصحيح لهما، فأصبح التعاطي مع الغزو مجرّد وجهة نظر تختلف من فئة إلى أخرى بحسب قربها وبعدها من الثورة، وبحسب الانتماء الحزبي، وبحسب المصالح الشخصية أو مصالح الجماعات والتيارات الفكرية والسياسية.

إن الغزو جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، والعدوان محرّم ومُجرم في القانون الدولي، فأي اجتهاد بعد ذلك في غير هذا السياق هو تبرير وشرعنة لهذا الغزو، وإبراء ذمة الغزاة المجرمين من جرائمهم.

روسيا وإيران قوتان غازيتان واضحتا التوجه والأهداف وهما طرفان أساسيان في الحرب على الشعب السوري، وتقويض مقومات الدولة السورية لذا لا يمكن القبول بهما طرفاً أو سيطاً أو راعياً أو ضامناً لأي حل، بل يجب مقاومتهما وطردهما من البلاد بكل الوسائل والأدوات.

ومن هنا جاء اختلاف النخبة السورية وفقدت فاعليتها في قيادة الثورة ضد النظام، أو في مواجهة الغزو الروسي – الإيراني، لأنها انقسمت على نفسها فكرياً وعقائدياً وسياسياً وحزبياً وعرقياً وطائفيا ومذهبياً، وذهب كلٌ منها في طريقه الذي رسمه في سبيل تحقيق مصالحه الخاصة سواء كانت على مستوى الحزب أو الطائفة أو التيار الفكري.

فمنهم من اعتبر وأصَّل شرعية وجود الغزاة استناداً لرؤيتهم بأن “فساد النظام لا يُسقط شرعيته” وهو من وقع معهم الاتفاقيات وأدخل هؤلاء الغزاة عبر بوابة الشرعية الوطنية، وشكّل المنصات والهيئات والمجالس التي تعمل تحت رعايتهما وحمايتهما.

ومنهم من أقرّ بهما كقوى احتلال ويحاول التعامل معهم وفق نصوص القانون الدولي التي تنظّم أحكام الاحتلال وعلاقة الدول المحتلة بالشعوب المحتلة، محاولاً الحصول على الحقوق عبر التفاوض مع دولتي الاحتلال، ومنهم من اعتبرهما وسيطين وضامنين نزيهين وقبل بوجودهما العسكري على أنهما عاملان إيجابيان في ضبط “الحرب الأهلية” ويتعامل مع الغزاة على انهم قوات حفظ السلام، ومنهم من اعتبرهم قوة شرعية في مكافحة الإرهاب.

  • فكانت المفاوضات والمسارات المتعددة التي دمّرت الثورة وأنشأت كيانات سياسية وعسكرية لا علاقة لها بالثورة وهي في حقيقتها أدوات صراع دولي.
  • ومما يدعو إلى الأسف بأن هناك من عمل على استقطاب بعض النخب الثورية، وترويضها، وتدجينها، عبر ضمها إلى مراكز ومنصات وهيئات بعيدة كل البعد عن روح وقيم الثورة وتتماهي مع المقاربات الروسية والإيرانية والدولية.
  • وتبقى النخب الثورية هي الوحيدة التي ترى فيهما قوتان اجنبيتان غازيتان ولا يمكن القبول بأي وصف آخر لهما غير ذلك، ومن واجب كل سوري حر مقاومتهما وطردهما من البلاد، فالثورة غنية بالنخب السياسية والقانونية والعسكرية والثقافية والعلمية والاجتماعية وغيرها، وهي قادرة على مواكبة نمط التحولات السريعة والهائلة التي يشهدها العالم، وقادرة على قيادة الثورة والشعب للخروج من هذه المآزق والكوارث التي حلّت بنا أو التي ممكن أن نتعرض اليها مستقبلاً من خلال ما يلي:
  • الإجماع على تأصيل قانوني وسياسي وفكري واحد سليم وصحيح للمفاهيم وأهمها اعتبار الوجود الروسي والإيراني عدوان خارجي  رغم “طلب النظام تدخلهما” الأمر الذي يعطينا حق المقاومة “سنداً للفقرة السابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة التي تحظِّر التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للدول، ومقتضيات تطبيق مبدأ عدم التدخل في النزاعات الداخلية والحروب الأهلية الذي أقرته لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة في دورة عام 1975 التي عرفتها: بأنه أي نزاع مسلح ليس ذا طابع دولي ويندلع في أراضي دولة ما يوجد فيها صراع بين الحكومة و حركة تمرد تهدف للإطاحة بالحكومة أو النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة أو لتحقيق الانفصال أو الحكم الذاتي لأي جزء من تلك الدولة..”  وحظّرت على الدول تقديم أي مساعدة لأي طرف من أطراف النزاعات سواء تقديم السلاح أو تجنيد المرتزقة أو تدريب القوات الحكومية أو غير الحكومية التابعة لها، باستثناء المساعدات الإنسانية، وهو ما تقوم به كل من روسيا وإيران في دعم النظام وميليشياتها الطائفية وتجنيد المرتزقة الأجانب للقتال إلى جانبه.
  • حشد الطاقات النخبوية للعمل على وضع خطة استراتيجية للتعامل مع النظام المستبد وحلفائه الغزاة، وتمكين هذه الطاقات ودعمها من خلال إنشاء مراكز بحثية قانونية واستراتيجية تقوم بإعداد الدراسات الاستراتيجية، وصناعة وعي عام عبر زرع المفاهيم والمصطلحات الصحيحة التي تؤدي للحقيقة ونبذ المفاهيم المغلوطة التي تؤدي للضلال والتضليل.
  • وأخيراً: بدل أن يكون هذا المثقف أو العالم أو المفكر أو الباحث، عوناً للثورة والشعب، تحوّل إلى إسفين يعمق الشرخ ويدخلهما في تشكيلات أيديولوجية تزرع أفكاراً ميتة أو أفكاراً مميتة أو أفكاراً فقدت مبررات وجودها وحوّل البلاد إلى مزرعة لكل فكرة قادمة من الخارج، وخاصة تلك الأفكار التي تشوّش على ثورتنا وطهرها وعلى هويتنا الحضارية الإسلامية، وعلى خصوصيتنا، وعلى نسيجنا الوطني ووحدته.

لذا أصبحت المراجعات الجوهرية ضرورة ملحة لكل الأطروحات التي تم تداولها على مختلف الأصعدة، وأولها التعامل مع الغزاة الإيرانيين والروس، ومن كل الأطراف، وعلى النخب أن تعيد ترتيب أولوياتها ووضع خط فاصل وواضح بين الثوابت وبين المتغيّرات بما يؤهلنا للوصول إلى ما هو أكثر نضجاً ونجاحاً وقابلية لتحقيق مقاصد القيم الأصيلة وتحقيق مصالح الثورة والشعب، وبناء المواقف وفق المبادئ الكبرى للثورة بشكل واضح وصريح ومؤسس ومنهجي، والابتعاد عن التلفيق والخلط بين المفاهيم.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني