fbpx

النموذج الناصري في عيون “اليسار” السوري

0 211

إذا كنا نتفق على أن الأسباب التاريخية التي أدت إلى ما تعيشه شعوب “دولنا العربية” من تفشيل وتدمير واحتلالات، تعود الى إبتلائها بقيام، وتعميم، نموذجين من أنظمة الاستبداد؛ النموذج السعودي (الذي تسيطر سلطاته على دول الخليج، ويتميز بحكم القبائل، والأسر)، ونموذج “حكم العسكر”، الذي بنى نموذجه “الضباط الأحرار”، وتم تعميمه على المنطقة مع نهاية خمسينيات القرن الماضي، بدءاً من العراق وسوريا والجزائر والعراق واليمن والسودان وليبيا، وحتى “تونس”!)، فيجب علينا الاعتراف بحقيقة مرة نعيشها اليوم:

رغم الاختلاف بالشكل، والأدوات، والأيديولوجيا، بين أنظمة النموذجين، فإن ما جرته أنظمة حكم “نموذج ناصر”، بمساهمة فاعلة من حكومات، وحكام، أنظمة النموذج الأول، من خراب، وويلات على شعوبها، تخجل منها أكثر أشكال النموذج السعودي فاشية (حكام سلالة آل سعود، الوهابية!).

أن يجد المثقف “اليساري” مبرراً أخلاقياً وسياسياً في توجيه كل أشكال النقد، والنقض، لـ “نموذج حكم آل سعود”، فهو بالله على حق، لكن ألا يجد حرجاً في عدم وضع تجربة “نموذج ناصر في الحكم” في إطار أنظمة “الاستبداد” وبالتالي تبرئتها من مختلف آثام حكم الاستبداد، وعواقبه، التي مازلنا، كشعوب ومؤسسات دول، وتراب وطني وكرامة، شخصية، ووطنية، ندفع ثمنها حتى لحظة كتابة هذا المنشور، وعلى مدى غير منظور، فهو بالله أمر يجب ألا يمر دون حوار!.

أولاً: يتحدث الصديق المحترم، الأستاذ معاذ حسن، في مقال طويل، حول “إشكالية التجربة الناصرية في ذكرى رحيل عبد الناصر”، عن فكرة جوهرية، تتعلق بطبيعة نظام الحكم الذي صنعه ناصر، زاعماً “أن تجربته لم تؤسس – كما يقال اليوم – لدولة الاستبداد العربي الحديث والمعاصر”.

مع كامل الاحترام والتقدير لفكر، وجهد، صديقنا العزيز، أستأذنه في حوار بعض أفكار المقال، التي ماتزال تشكل “مسلمات” عند العديد من النخب السياسية والثقافية السورية؛ رغم كل ما جرى من أحداث، منذ رحيل الزعيم المصري، وحتى تاريخه.

أ- عندما يستغرب الأستاذ معاذ وجود بعض المقالات التي “تكرس جمال عبد الناصر كمؤسس لدولة الاستبداد الأمني العسكري في العالم العربي الحديث والمعاصر”، ويزعم “أن تجربته لم تؤسس – كما يقال اليوم – لدولة الاستبداد العربي الحديث والمعاصر”، يحق لنا أن نفترض أن “نموذج حكم ناصر”، (تجربته!!)[1] الذي تم تعميمه عربياً، بدعم مباشر، او غير مباشر، من نظام ناصر، وناصر شخصياً، بدءاً بانقلاب العراق 1958، وليس انتهاءً بتجربة “العقيد القذافي” 1969، لم يكن، من وجهة نظر الصديق، “نظاماً استبدادياً”، أليس كذلك؟.

لنبدأ الحوار في هذه النقطة الجوهرية، التي سيطرت على منطق المقال، وتفاصيله.

في البداية، لابد من تسجيل تساؤل أساسي حول التناقض الذي وضع الاستاذ نفسه فيه، عبر تأكيده على عدم موضوعية إلصاق “تهمة” الاستبداد بنموذج الحكم الذي بناه الزعيم الراحل “جمال عبد الناصر”، ليعود، في سياق الدفاع عن وجهة نظره، وفي إطار الحديث عن مؤسسات الحكم التي بناها النظام، بقيادة ناصر شخصيا، إلى ذكر الأسباب التي جعلت من “النظام الناصري”، استبدادياً، بامتياز:

أ- يقول الصديق، الأستاذ معاذ: “لكن أحد أسباب مقتل هذه التجربة في مصر على الأقل هو تنظيم ما سمي “تحالف قوى الشعب العامل” أو الاتحاد الاشتراكي العربي كتنظيم تحول دوره مع الوقت بتآزر مع آلية السلطة إلى مهمة ضبط المجتمع ومراقبته بدلاً من العمل على تفعيل حيويته”.

يتجاهل الأستاذ حقيقة أن بناء “حزب الاتحاد الاشتراكي العربي” كان نتيجة رؤية عميقة لطبيعة نظام الحكم الذي يبنون، وخطوة أساسية في سياق بناء مؤسسات نظام الاستبداد، وأجهزته، ويغطيها بعبارة “مقتل” الغامضة!!

التحليل، والتفسير، الواقعي لتأسيس “حزب السلطة”، هو أنه بعد “إلغاء الحياة السياسية الحزبية”، وتجريم حرية الرأي والتعبير، ودفع بعشرات ألوف إلى معتقلات “الثورة”، كان لابد من تأسيس “حزب سياسي” يغطي الشكل القبيح لسلطة العسكر الاستبدادية، ويشكل إحدى أذرعها في ضبط فكر الناس، وسلوكهم السياسي، تحت سقف مصالح النظام، وبما يتوافق مع إرادة الزعيم السامية.

ب-  ثم يُضيف: “كما قامت على الزعامة الفردية كبديل عن المؤسسات المدنية الديمقراطية وتداولها الهادئ والسليم للسلطات”.

عندما يقوم نظام سياسي على “الزعامة الفردية”، ويلغي، بل يجرم، “المؤسسات المدنية الديمقراطية” ويلغي “التداول السلمي، السليم (!) للسلطة، بقوة السلاح (نسي يذكرها الاستاذ)، فماذا تصنفه يا أستاذ؟ هل هو “نظام ديمقراطي” خاص بـ “ظروفنا الموضوعية”؟

أتمنى أن تسعفك “الأدبيات الماركسية” في إيجاد تصنيف له، خارج “أنظمة الاستبداد الرأسمالية التابعة”!

ت- يرفض الأستاذ أن يكون “نموذج ناصر في الحكم” استبدادياً، ويسهب في الحديث عن ظروف تأسيسه، ونظرائه في المنطقة، الموضوعية، التي لا يمكن إلا أن تنتج “أنظمة استبداد”[2].

ثانياً: الحقيقة ثمة غرابة في أن يتنطح “شيوعيون” للدفاع عن “نموذج حكم” ناصر، الاستبدادي، الذي كان “رفاقهم المصريون”، وجميع القوى الشيوعية العربية، تنظيمات وفكر ونخب ثقافية،[3] أولى ضحاياه، كما كانت جميع أحزاب الحياة السياسية المدنية!

لماذا يتجاهل الصديق الحقائق التالية:

أ- أن تكون مع تجربة، و”نموذج النظام” الناصري، حتى لو لم تعترف بواقع كونه “استبدادي”، يعني أنك معاد للديمقراطية، ولا تؤمن بالحياة، ونظام الحكم الديمقراطي، الذي لا يقوم بدون أحزاب سياسية مدنية، وصحافة حرة، وحرية الرأي، والاعتقاد، الذين سحقتهم أجهزة “نموذج ناصر”!!.

ب- أن تنكر على “نظام ناصر” استبداديته، كأنك تعمل على تبرير جرائم “نظام حكم” عبد الناصر،(التي راح ضحيتها مئات ألوف المصريين، بين معتقل سياسي، وقتيل، طالتهم وسائل الاغتيال الناصرية، في سياق بناء مؤسسات حكم الاستبداد، ومنهم رئيس “ثورة يوليو” نفسها، اللواء محمد نجيب، وأقرب رفاقه، وذراعه اليمنى، المشير عبد الحكيم عامر ؛ علاوة على احتلال الأرض، وتمريغ الكرامة العربية في التراب)، ونماذجه العربية الأخرى؛ وتعمل على إخفاء حقائق تتعلق بقضية العدالة، لحقبة تاريخية عاصفة، شهدت جرائم مختلفة، لا ينبغي أن تسقط مسؤوليتها بفعل عامل الزمن، ويشكل تحقيق العدالة لضحاياها، إحدى أهم مقومات بناء مشاريع دول العدالة الديمقراطية، التي تناضل شعوب المنطقة لتحقيقها!

ت- أن تنفي عن النظام الناصري، ونموذجه العربي، طابعه الاستبدادي يعني أن تتجاهل حقيقة كونه “نظاماً ديكتاتورياً عسكرياً”!

تعلم جيدا أنه حتى في اتخاذ موقف “حيادي” تجاه “تجربة العسكر في الحكم”، كأنك تبرئها من مسؤولية احتلال الأرض العربية، التي احتلتها إسرائيل في عدوان 1967؛ وهي مأساة لم تكن لتحصل لولا استفرادهم بالسلطة، والقرار السياسي الوطني؟

ث- أن تبرر قيام “نموذج الاستبداد العسكري”، الناصري، وكأنه “حتمية” تاريخية، تفرضها “ظروف موضوعية” فإنك تجعل من العبث أن تقوم الأحزاب “الماركسية ومثقفيها ومناضليها بالعمل على “تغيير” واقع هذه المجتمعات خارج سياقات الاستبداد “المحكومة بظروف “الاستبداد” الشرقي، وقد كان لك شرف التجربة!

ث- أن تدافع عن تجربة ناصر، وتبررها بظرف موضوعي، خاصة بشعوب “الاستبداد الشرقي”، تتجاهل تجربة شعوب، تعيش نفس الظروف التاريخية نجحت في بناء مؤسسات الدولة الديمقراطية الوطنية، وسارت على طريق بناء مقومات المشروع الحضاري الوطني، في شرق آسيا.

ج- أن تعتبر أن “من أهم إنجازات التجربة الناصرية أنها… جسرت الهوة العميقة جدا بين طبقات الشعب المصري بين أكثرية مجموع الشعب من الفلاحين “الغلابة” المحكومين بقسوة وشدة من قبل أقلية الاقطاعيين والبكوات والأفندية المتملكين والمتنفذين الحاكمين باعتبارهم حاضنة للنظام الملكي القديم المتخلف “تتجاهل حقيقة مصالح النظام الجديد، وسياساته، لكسب ولاء “الطبقات الشعبية”، في سياق بناء مؤسسات الدولة الاستبدادية، كواحدة من أهم مقومات استمرار النظام، وتأبيد سلطته ؛ على غرار سياسات التأميم، التي كانت تستهدف وضع الثروة الوطنية، تحت تصرف، وفي خدمة “رأسمالية الدولة البيروقراطية” التي ستغتني عليها طبقة “رأسماليي” النظام الجديد، من “أصحاب الدخل المحدود” الطامحين إلى السلطة والثروة!![4].

أن تنفي عن النظام الناصري طابعه الرأسمالي الاستبدادي، وتساوقه مع سياسات النظام الرأسمالي العالمي الإمبريالي، تتجاهل حقيقة “الصيرورة التاريخية” للنموذج.

فـ “النظام الناصري” الذي ورثه أنور السادات، الذي وقع “اتفاق سلام”، وتطبيع مع إسرائيل، وشرعن هذا المسار، لم يعبر في نهجه وسياساته عن مصالح “شخص الرئيس” بل أتى نتيجة لصيرورة تطور متكامل، سياسي واقتصادي واجتماعي، بدأت في مصر مع “خطوات وإجراءات ناصر” لتثبيت دعائم حكم فردي، استبدادي، على حساب جميع مقومات بناء مشروع حضاري، ديمقراطي.

فقرار “أنور السادات”، في توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل، بعد سنوات قليلة من رحيل “ناصر” لم يكن إلا تعبيرا عن مصالح “طبقة سياسية”، و”طغمة عسكرية”، ولدت، وترعرعت، وأصبحت طبقة مسيطرة، داخل مؤسسات وأجهزة نظام الحكم الذي بناه ناصر.

ح- أن تبرر لنموذج ناصر “الاستبدادي في الحكم، بعدم وجود” تجارب ديمقراطية قوية في المنطقة العربية حتى ولا في دول العالم الثالث تستفيد من خبراتها، حيث كانت دول العالم الثالث بكاملها محكومة إما بأنظمة شمولية وحركات تحرر وطني متحالفة أو تابعة للمعسكر السوفياتي الشرقي. أو أنظمة ملكية متخلفة أو ديكتاتوريات عسكرية غاشمة مدعومة من قبل الغرب عموما والولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص “تتجاهل، أو ربما لا تعرف واقع الجدل، والصراع اللاحق، الذي بدأ، بعد انتصار الثورة مباشرة، بين مجموعة “قائد الثورة”، اللواء محمد نجيب “وبين” مجموعة “ناصر” حول طبيعة النظام القادم. لقد اصر محمد نجيب ورفاقه على ضرورة إعادة السلطة إلى حكومة مدنية، وضرورة عودة “الضباط” إلى ثكناتهم. لو نجح “تيار” السلطة المدنية، ربما لما كنت اليوم تغلب نفسك في الحديث عن ظروف الاستبداد الموضوعية. لماذا لم ينجح؟

إذا كنت حقاً تريد ان تعرف السبب الموضوعي، فليس من الافضل أن نبحث في ظروف استبداد شرقي مزمن، بل في مصالح، واستراتيجيات الولايات المتحدة الامريكية، وفي ظروف “الحرب الباردة”!

تغييب هذه الحقيقة، وحقيقة الصراع الداخلي، وأسبابه بين أجنحة “قيادة الثورة” جعلتك تغفل ذكر الظروف التي استفرد فيها “ناصر” في السلطة، 1954، بعد إزاحة منافسه، محمد نجيب، بما يشبه انقلاب عسكري، وضرب القطعات العسكرية، في الجيش والشرطة، التي كانت غير موالية له، وتوزيع قياداتها العسكرية على سجونه الجديدة!!

ثانياً: يتجاهل الأستاذ الحديث عن ظروف “انتصار” الثورة، التي لا يمكن أبدا إغفالها، من أجل “إدراك حقيقة العوامل التي ساهمت في تشكيل آفاقها المستقبلية!

كيف نفهم تجاهل العامل “الخارجي” لقيام حدث بأهمية “ثورة يوليو” 1952، في بلد تحتله بريطانيا، وتعمل على تحديد آفاق تطوره المستقبلية، أجهزة استخبارات متعددة، يأتي في مقدمتها، الاستخبارات الأمريكية؟

إذا كنا لا نريد أن نوجه اتهامات مباشرة للرجل، فلا نستطيع أن نتجاهل سهولة انتصار الثورة، وسلاسة سيطرة العسكر!

هل يمكن أن تمر حركة العسكر تلك، دون علم، ودراية، من قبل القوى الفاعلة، الإنكليز والأمريكان؟

ألا يحق لنا أن نتساءل عن طبيعة موقفها؟ وماذا كان دورها، معيقاً، أم مساعداً لانتصار “الثورة”؟ هل كانت تقف على الحياد؟

الحقيقة المرة، استاذي العزيز، أن ما حدث من تنسيق، واتفاقات مع أجهزة المخابرات المركزية، هو الذي سمح للعسكر بالانتصار، عبر بضعة عشرات من الضباط، على مؤسسات الحكم الملكية، دون أن يطلق رصاصة واحدة[5]، ورغم وجود أكثر من سبعين ألف جندي بريطاني، موالين للملك، وداعمين له!

لقد أشرف السفير الأمريكي “كافري” وطاقم أجهزة المخابرات المركزية الأمريكية، على إنجاز الانقلاب دون مشاكل، حتى لحظة خروج الملك من المشهد! لقد حرص السفير الأمريكي على توديع “الملك المغدور”، برفقة قائد الثورة، اللواء محمد نجيب، على متن “المحروسة” التي نقلته إلى منفاه الإيطالي!

هل يحق للباحث تجاهل هذا العامل، الحاسم!

أيها الأصدقاء الأعزاء:

إذا كنا لا نستطيع أن نخرج من “قواقعنا” الفكرية، والسياسية، لماذا نحرص على الاستمرار في ترويج ما هو “ثقافة غير موضوعية”، في ظروف نحن أحوج من نكون فيها لفهم حقيقة الأسباب التاريخية لصيرورة التدمير، التي افتتحها، دون أن تبدو اية مؤشرات لإغلاقها، نموذجي الاستبداد، الناصري والسعودي؟!

شخصية “عبد الناصر” لم تكن في الواقع الموضوعي “شخصية إشكالية” أبداً!

فعبد الناصر لم يكن حالة فريدة، ولا الوحيد الذي أسس، وقاد أنظمة ديكتاتورية!؟

إن “نموذج ناصر” لم يكن سوى نظام حكم استبدادي، قاده زعيم مهووس بالسلطة، عمل على صناعة عوامل استفراده بها، وهيمنته عليها، في مواجهة جميع من يحاول إضعافها، في الداخل، أو اقليمياً ودولياً، فكانت ضحاياه كثر؛ النموذج المدني البرلماني، الديمقراطي في الحكم، القضية الفلسطينية، قضية الوحدة العربية، ومستقبل هذه الشعوب، ومؤسسات دولها!

هو المسؤول عن “تفشيل” مصر، وما لحق بدول أخرى، نُقل إليها النموذج، بدعم ناصري مباشر، في سوريا، والعراق والجزائر والسودان، واليمن[6].

المراجع:


[1]– هل من الدقة العلمية أن نصف جهود عبد الناصر لبناء نظام حكم، ديكتاتوري، عسكري، في مرحلة التخطيط والتنفيذ، وبناء مؤسسات السلطة السياسية والأمنية، ب “تجربة عبد الناصر”!

[2]– “فهذا الاستبداد له ظروفه وسياقاته المتعددة والخاصة لكل بلد ظهر فيها, كما له جذوره في تاريخ عربي إسلامي له تقاليد عريقة في الاستبداد هذه التقاليد التي تعود بدورها إلى صلة فربى قوية أيضا مع تقاليد الاستبداد الأسيوي الشرفي في التاريخ القديم, أو هي حلقة من سلسلة حلقات هذا الاستبداد الشرقي الأسيوي القديم كما قاربته وحللته الأدبيات الماركسية المعمقة.”

[3]– هو سلوك “ستاليني”، بامتياز!

لم تكن تجد زعامة “الحزب الشيوعي السوفياتي” وأحزابها الأممية، ومؤسسات الدولة “السوفياتية” تناقضا في تقديم كل اشكال الدعم، السياسي والعسكري، لأنظمة نموذج ناصر (التي وجدت فيها أنظمة تحرر وطني، معادية للإمبريالية، وحليفا استراتيجيا)، في الوقت التي تقوم أجهزة استبداد تلك الأنظمة “الوطنية” في ملاحقة الشيوعيين، وأحزابهم، وجميع القوى الوطنية الديمقراطية، المفترض ان يكونوا حليفا موضوعيا، في خندق النضال ضد الإمبريالية، حتى داخل تلك الأنظمة، زنقة، زنقة، ودار، دار!!

[4]– يروي اللواء “محمد نجيب” في كتابه أيضا قصصا مثيرة للحزن، عن سيطرة العسكر على قصور، وبيوت، وممتلكات الطبقة “الراحلة”.

حادثة طريفة، ذكرها، في الأيام الأولى بعد الانتصار، كيف طلب منه “الزعيم ناصر” أن

يأمر بصرف مبلغ “عشرة آلاف” جنيه لكل عضو من “مجلس قيادة الثورة” بذريعة تزايد المصاريف!!

[5]– رغم اختلال موازين القوى العسكرية، التي كانت تسمح للملك بنصر سهل، لولا إدراكه بحيثيات الانقلاب، وحقيقة موقف الولايات المتحدة منه! يذكر اللواء محمد نجيب ما له دلالة كبيرة، في مفاوضات ماراثونية مع الملك بعد انتصار “الثورة”: “نحن نطالب بتكليف على ماهر بتشكيل الوزارة، وبتعييني قائداً عاماً للقوات المسلحة”. وقد قدمت هذه الطلبات للملك، لجس نبضه واختبار قوته، فلو قبلها عرفت أنه في مركز ضعيف، ولا يستند على قوات إنكلترا في مصر”. (كنت رئيساً لمصر؛ ص 119).

لا بل لقد كانت أجهزة الملك، والملك على دراية بطبيعة الانقلاب، وبأسماء عشرة من ضباطه الـ 12، قبل وقت كاف للانقضاض عليهم، دون أن تفعل! مذكرات “محمد نجيب”: “كنتُ رئيسا لمصر”!

[6]– هذا ما عبر عنه الصديق الرائع، “علي محيى الدين أحمد”: “مرت ذكرى وفاة “عبد الناصر” الخمسون! نصف قرن على رحيل أبو الانظمة العربية الشمولية والإدارة بالخطابات وشحن الهمم بالتصفيق! كم كان تافهاً نزار قباني حين قال الهرم الرابع مات وهوي بالكثير مسلة فرعونية خوزقت الأمة من المحيط إلى الخليج! عن جد الإنسان شو بيكذبوا عليه بالطفولة وبينصدم بعدين!

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني