fbpx

النقابات المهنيّة روح الثورة وحصنها المنيع

0 259

النقابات المهنيّة: هي تنظيمات قانونيّة تتكون من أشخاص يعملون في مهنة واحدة، أو مِهن متقاربة أو صناعة أو حرفة مرتبطة ببعضها بعضاً، تهدف إلى تحسين ظروف العمل القانوني والمادي، للحفاظ على شرف المهنة والارتقاء بها، وتحسين مستوى أعضائها، كنقابات المحامين، والأطباء والمهندسين والصحفيين وغيرها من النقابات ذات الاختصاص.

وتعتبر النقابات المهنيّة من أشخاص القانون العام، تتمتع بشخصية معنوية ذات استقلال مالي وإداري ويمثلها نقيبها لدى الجهات الإدارية والقضائية، وتحال المنازعات بشأنها إلى المحاكم الإدارية أو يختص به القضاء العادي حسب ما حدد كل قانون اختصاصات الطعن الإداري بشأنها، كما تعتبر النقابات المهنيّة هيئات استشارية للدولة في مجال تخصصها. وتختلف النقابات المهنيّة عن نقابات العمال التي تعتبر من اشخاص القانون الخاص باعتباره تخضع لقانون العمل.

وقد لعبت النقابات المهنيّة في سوريّة في عهد الاستفلال، دوراً محورياً في الدفاع عن الوطن ضد الاحتلال الفرنسي وفي عهد الاستفلال بالدفاع عن حقوق العمال والحقوق الاقتصادية والسياسيّة والاجتماعية للمجتمع، من خلال توسيع مجال مساحات المشاركة السياسية وضمان الحريات العامة، وكانت تلك النقابات الركيزة الأساسيّة للمجتمع المدني.

وفي العام 1978 كان للحركة النقابيّة السوريّة موقفاً شجاعاً في وجه الدكتاتور حافظ أسد، ما دفعه إلى اصدار مرسوم بحل جميع النقابات المهنية المنتخبة وذلك في التاسع من نيسان من عام 1980 ردّاً على قرارات نقابة المحامين في دمشق التي طالبت بالرفع الفوري لقانون الأحكام العرفية، وأدانت ممارسات التعذيب، واحترام أحكام القانون وإطلاق سراح المعتقلين بدون محاكمة. وحذرت المحامين أنهم سيتعرضون لتدابير مسلكية من قبل النقابة إذا شاركوا في نشاطات غير قانونية بالانسجام مع السلطات.

وتبعتها نقابة المهندسين التي أصدرت قراراً يطالب برفع حالة الطوارئ وإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، وحرية التعبير والتجمع. وبعد مجزرة جسر الشغور في 10 آذار 1980 وإدلب والمعرّة، دعت نقابة المحامين إلى إضراب وطني يوم 31 آذار، وبادرت نقابة الأطباء ونقابة المهندسين والنقابات المهنية الأخرى لتأييدها.

وبعد استيلاء أزلام البعث على النقابات تحوّلت إلى أوكار للعملاء والمخبرين، وأداة من أدوات السلطة الانقلابية لقمع أي مظهر من مظاهر الحريّة والكرامة، الأمر الذي مهّد الطريق للنظام المجرم لارتكاب مجزرة العصر في حماة 1982 باطمئنان بعد أن قضى على أي مصدر تهديد أو إزعاج.

ومع اندلاع الثورة السوريّة المباركة كان لعدد من النقابات المهنيّة دوراً بارزاً في الوقوف في وجه النظام المستبدّ ولعلّ أبرز المواقف كان موقف نقابة المحامين حيث كان عدد المحامين المنخرطين في صفوف الثورة عدداً لافتاً، ثم تبعها الأطباء والمهندسون وباقي النقابات التي شكّلت في مرحلة لاحقة البنى التنظيميّة لمؤسسات الثورة على المستوى الحقوقي والطبي والإداري والإغاثي والإنساني، وأصبحت التنظيمات النقابية الحرّة في المناطق المحررة الحامل التنظيمي الحقيقي للثورة لِما تتمتّع به من الشخصيّة القانونيّة الاعتبارية المستقلّة، الذي يقوم على المهنيّة والكفاءة والاختصاص والاستقلال المالي، وهي بذلك تختلف عن باقي الجمعيّات الخيريّة والمنظمات الإنسانية، وعن باقي الروابط والتجمعات والهيئات المهنيّة الأخرى التي غالباً ما تكون مرخّصة خارج سوريّة وخضوعها لأحكام قانون بلد الترخيص الذي يفقدها “استقلالها”.

وتختلف النقابات المهنيّة عن “النُخب” الاجتماعية والأدبيّة والفكريّة بمفهومها التقليدي التي طغت على الساحة الثوريّة، التي لعِبَت أدواراً ليست أهلاً لها أو ليست من اختصاصها الأمر الذي أدّى إلى اضطراب أحوال العامّة، وانتشار الفوضى وتداخل العام بالخاص ، وأصبح الصراع على السلطة والنفوذ والتنافس على امتلاك وسائل القوة هو السِمة الغالبة للعمل، فانتج لنا كيانات عائلية ومناطقيّة وحزبيّة وفصائليّة متناحرة تنظر إلى المجتمع نظرة ” النُخبة لحاكمة ” لمجتمع أقل منها شأناً، بدل العمل التنافسي البنّاء الذي يقوم على تقديم الأنفع والأكثر جودة، والأعظم مردوداً على المستوى السياسي والاجتماعي والثوريّ، الذي يقوم على مبدأ المساواة بين الأفراد، والتشاركيّة والاختصاص والكفاءة والاحتكام إلى رأي وقرار الأغلبية.

ومن هنا وبعد البيانات الأخيرة للنقابات المهنيّة الحرّة التي وضعت الأسس السليمة لعودة تأطير العمل الثوري ضمن أصول ونُظُم كفيلة بتحقيق أهداف الثورة بأقل التكاليف عبر وقف نزيف التنازلات والتفريط بالحقوق والثوابت ، واختصاراً للوقت الذي يتم تمريره على حساب الثورة في مسارات غير ذات جدوى، فإنه يتحتّم على كل حرٍّ الوقوف مع النقابات المهنيّة الحرّة ومساندتها ومساعدتها في نقل مضامين البيانات إلى حيّز الوجود، وتداعي كل الأحرار لوضع إمكانياتهم على اختلاف أشكالها لبلورة مشروع “ثوري، سياسي، تنظيمي، اجتماعي” يعيد روح الثورة وبناء حصنٍ حصين لها يحول دون اختراقها أو تدميرها، ويُمكِّنه من استعادة مظاهر السيادة الوطنيّة من براثن الطُغمة الإجراميّة الاستبدادية، وتحرير المجتمع السوري من رِبقة هذا النظام وإعادة الحياة السياسيّة والدستوريّة المسلوبة، عبر استعادة مؤسسات الدولة والنقابات المهنيّة المُغتصبة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني