fbpx

النخب المثقفة في مواجهة الإرهاب والتطرف.. هل هذا ممكن؟

1 200

قبل كلّ شيء، نحتاج في عالمنا العربي الإسلامي إلى وضع تصورات ومفاهيم وتعاريف علمية حول مفهوم الإرهاب الفكري والسياسي والاجتماعي، الذي تعاني منه المجتمعات العربية الإسلامية، وينعكس أثره على علاقات الشعوب ببعضها.

إن تحديد مفهوم الإرهاب المتشح برداء ديني إسلامي، وانعكاساته الاجتماعية والثقافية والفكرية ضروري لوضع استراتيجية عمل علمية لمواجهته وتجفيف منابعه في الواقع.

ونحتاج إلى الكشف عن العلاقة الملموسة بين نمط التربية السائدة في المجتمع وبين الإرهاب أو التطرف بكل أشكاله. وهذا يتطلب جهداً نخبوياً مؤسساتياً يعمل على تقصي المنابت المولدة لهذا الإرهاب عبر المنبت الاجتماعي والديني وكذلك الفهم الثقافي والشكل التربوي والتعليمي الموجود في المجتمع المعني. 

ونحتاج لمواجهة الإرهاب إلى تشخيص علمي واقعي للبيئة الحاضنة والمولدة له، وتتسم هذه البيئة بتخلفها العام وبارتفاع نسبة الفقر فيها وكذلك خضوعها لاستبداد سياسي واجتماعي وفكري. هذا التشخيص ليس جهداً فردياً نخبوياً، بل يجب أن يكون مؤطراً من خلال مؤسسات مختلفة المهمات. تضع خططاً ملموسة لمعرفة أسباب الارهاب في المجتمع المعني وكذلك تضع خطة عمل بالتعاون مع جهات أخرى لمواجهة عوامل هذه البيئة المولدة للإرهاب.

تحتاج النخب المثقفة إلى وضع رؤية ملموسة للنموذج التربوي والاجتماعي الملائم لبناء الفرد عبر مؤسسات التربية والتعليم. هذه الرؤية الملموسة يجب أن تعيد النظر بالمفاهيم التربوية السائدة وفي الأفكار الدينية المتداولة بين الناس كمفاهيم مطلقة. وهذا يتطلب وضع برنامج عمل لضخ فكري وثقافي ومعرفي كبير لبيان أهمية العلم وتطور شخصية الفرد. وإعادة إنتاج علاقة الفرد بالدين من خلال مفاهيم إنسانية وحضارية. وبيان أن الأفكار التي راجت في فترات سابقة من خلال شيوخ فكر ديني إنما هي أفكار رافقت واقعاً محدداً في ذلك الزمن. ولا تصلح لغير زمانها.

النموذج التربوي الذي يجب أن تقترحه النخب المثقفة هو نموذج يلحظ التداخل بين الدين والتربية الاجتماعية في الأسرة الإسلامية وكذلك يلحظ الدور الذي تلعبه المدرسة في تنشئة الجيل، وكذلك تلحظ الدور السياسي والمنظمات الاجتماعية الموجودة أو التي ينبغي إحداثها لهذه الوظيفة. وهذا يتطلب طرح ثقافة تربوية جديدة لا تقوم على التلقين بل على الاستقراء والنقد الفكري، ثقافة تربوية ترفض النموذج التربوي القائم على مبدأ الطاعة والقبول والامتثال. فهذا المبدأ يمنع الفرد من تشكيل ثقافته التي يكتشف أهميتها تدريجياً بنفسه، وهي ثقافة الاعتماد على الذات التي تحس بالمسؤولية وتحمل العبء. إن النخب المثقفة معنية بشن حملة مدروسة ترفض التلقين ومبدأ الامتثال والطاعة.

النخب المثقفة معنية أن تخرج من بوتقة عزلتها التي وضعت نفسها فيها نتيجة خوفها من القمع السلطوي والذي يعني درجة تناقض بنيوية واضحة بين ما تريده سلطة القمع من منع للتفكير والمبادرة الاجتماعية والثقافية ومن دور طبيعي تؤديه النخب في سياق التطور الاجتماعي العام. هذا الأمر يحتاج إلى إنشاء منظمات وأطر عمل ثقافية وإبداعية واجتماعية وغيرها من منظمات المجتمع المدني تكون مستقلة عن السلطة وعن الحيّز الأيديولوجي، أي منظمات اجتماعية للجميع.

خروج النخب المثقفة من عزلتها يعني العمل على إرساء فضاء للرؤية والممارسة الإنسانية المنفتحة على الآخر وعلى بناء الإنسان. وهذا يتطلب إحداث منابر وأندية ثقافية وإبداعية وغيرها إضافة إلى الضغط من أجل إنتاج منهاج مدرسي علمي لا تتدخل فيه مفاهيم حزبوية أو دينية أو طائفوية أو أيديولوجية. النخب معنية أن تتحول المنابر إلى وسائل لإعادة إنتاج وعي الناس بقضاياهم بصورة نقاشٍ وحوارٍ حرٍ ومفتوح.

إن عماد الوعي والثقافة هو تداول الكتاب ونشره وهذا ينبغي أن يخضع لمراقبة النخب المثقفة التي تمنع تحت شعار حرية التعبير تمرير كتب تدعو للعزلة السياسية أو لتكفير الآخر وكذلك فضح كل ما يطرح عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ووسائل الفضاء الإلكتروني من أطروحات فكرية أو سياسية تدعو إلى حالة الإرهاب والتطرف والكراهية. والمطالبة بإغلاق كل وسائل الإعلام التي تساعد على ولادة فكرٍ إرهابي ومتطرف.

النخب المثقفة معنية بالابتعاد عن لهوها الأيديولوجي والاهتمام بكيفية الاندماج الاجتماعي بين الفئات والمكونات الاجتماعية المختلفة. وهذا يتطلب صياغة خطاب فكري ثقافي يعتمد على دمج الناس في المجتمع عبر مفهوم المواطنة، فالكل متساوون كمواطنين في الحقوق والواجبات بغض النظر عن الدين والطائفة والإثنية في المجتمع الواحد. الدمج هنا يعني حقوق ثقافية واجتماعية ودينية في ظل دستور وطني ينظّم ذلك.

إن الابتعاد عن الوطنية الواحدة يعني تكريس ثقافة العزلة المولدة للإحساس بالغبن والخوف وبالتالي المولدة للقهر والإحباط والتي تقود إلى التطرف وربما إلى الإرهاب.

النخب المثقفة يجب أن يكون اهتمامها للواقع ملموساً وليس معرفياً فحسب، وهذا يجعلها تضع عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والعلمية هدفاً لها تدعو إليه وتضغط من أجل الإسراع بتنفيذ خطط التنمية المتكاملة.

فالتنمية ضرورة واقعية لمنع الفقر والقهر الاقتصادي، وهذا يتطلب مساهمة فعالة لوضع تصورات ملموسة وعاجلة لمسألة التنمية.

النخب المثقفة والسياسية التي تنتج الفكر والمعرفة معنية بوضع خارطة واقعية لحاجات الناس في المجتمع حسب درجة أولويتها شرط تلازمها مع الحرية وحق النقد والتعبير. هذه الخارطة تساعد في الاستقرار الاجتماعي وتمنع الجنوح للإرهاب.

وكذلك وحتى يكتمل دور النخب المثقفة والسياسية يحتاج هذا الدور إلى وضع استراتيجية ملموسة لمواجهة الإرهاب في البيئة المولدة له أي استراتيجية تجفف أسباب ودوافع هذا الإرهاب من فقر وجهل وإحساس بالتهميش. 

إن وضع هذه الاستراتيجية يحتاج إلى معرفة النخب بالمقدرات المادية المتاحة لهم في الاستخدام لإنجاز دورهم. وهذا أمر يتيحه وضع البلد المعني بمواجهة الإرهاب واحتمالية نشوئه في البيئة الاجتماعية. 

النخب الثقافية والسياسية معنية بالانتقال من دورها السابق إلى دور اجتماعي وطني إنساني جديد يعتمد قاعدة المواطنة وحقوقها وواجباتها في الفعل الثقافي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي وغير ذلك من أفعال.

وهذا يتطلب اندماجاً بين النخب والشعب بفئاته المختلفة. 

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

1 تعليق
  1. دريد البيك says

    حقيقة لا أرى في خطوات صياغة المجتمع بالطريقة التي دعا إليها الكاتب سوى إعادة انتاج لفكر البعث وأدواته لقيادة المجتمع.
    اليس البعث هو من ولى نفسه وصيا على مانقرأ وما نفكر به…
    الكاتب يريد تأسيس محكمة تفتيش لتمنع كتابا وتجيز آخر.. أليس هذا مافعله البعث والأنظمة الديكتاتورية… لم يتحدث الكاتب ولو بجملة عن إطار قانوني واحد يمنع فيه التجرؤ على الحرية الفردية…
    ثم ماذا تعني فقرة الإبتعاد عن الوطنية.؟ حقيقة تحتاج الى إعادة صياغة كي تفهم فكرتها…
    انا لا أرفض كل ماقيل في هذا المقال..
    لكن جزءا كبيرا منه يعبر عن وصاية مجموعة لديها فكر ما ضد مجموعة ما عندها ممارسات ما وهو ما سيتيح ظهور ممارسات قمعية في جهة ما (الفارض او المفروض عليه) وبالتالي صدام مجتمعي عنيف…
    ثم لو أصلحت مجتمعي من فكرة التطرف فمن يصلح المجتمع الأمريكي والألماني والفرنسي والإيراني والإسرائيلي و….و….و…. لمكافحة التطرف الموجود فيها …
    هل يريد الكاتب ان يصنع مني حمامة بيصاء في سماء تعج بالصقور السوداء…
    التطرف موجود في المجتمعات حتى في الألعاب الأولمبية ولامجال الى مكافحته سوى بقانون دولي تتفق عليه البشرية بصورة ديمقراطية (ليس فيها فيتو) اذا وجدت ان الحاجة ملحة للاتفاق عليه …غير ذلك هو سباق تجديف في محيط دون تقنية لتحديد الموقع.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني