الناجيات من الاعتقال.. تهميش ظالم ووعي اجتماعي لا يزال بعيداً
يمكن لمتتبع تطور الأحداث في سوريا أن يستنتج أنها لم تغيّر عميقاً في الوعي المجتمعي حيال النظرة للمرأة عموماً، وحيال الناجية من الاعتقال التعسفي من معتقلات النظام، فالنظرة للمرأة بقيت هي ذات النظرة الذكورية الصرفة، التي ترى أن ملعب المرأة الأساسي هو بيتها، وأنها ضلع قاصر، وأي اعتداء عليها سيحطّ من مكانتها الاجتماعية.
لهذا يمكن القول إن الحرب في سوريا لعبت دوراً خطيراً في وضع وحياة المجتمع السوري، والذي تحوّلت غالبيته إلى جيش من النازحين واللاجئين والمعتقلين والخائفين، وفي هذه المعاناة الشاملة كان للمرأة السورية نصيبٌ من الاعتقالات التي طالت أطيافاً واسعة من الشعب السوري.
ومما لا شك فيه، إن تجربة الاعتقال التي واجهت رهطاً كبيراً من النساء السوريات فرضت عليهن طرق حياة مختلفة، وتحديات كثيرة، لعل أهم هذه التحديات هي نظرة المجتمع لهنّ، وكيفية الاندماج به، حتى يتخلصن من تبعات تجربة الاعتقال، التي عشنها بمجرد خروجهن من المعتقلات.
لكنّ النساء الناجيات من الاعتقال وجدن أنفسهن قد اصطدمن بعقبات كثيرة، وهذه العقبات ستكون سبباً في عدم إكمال حياتهن بشكل طبيعي. فنظرة المجتمع لهنّ أكثر قسوة في المجتمعات الضيّقة، التي تنظر لقضايا المرأة ووجودها باعتبارها قضية شرف اجتماعي وعائلي. وكأن الاعتقال هنا جاء بإرادة المرأة وليس اختطافاً لها من أجهزة أمن النظام المتوحشة، وأن ما جرى لها من انتهاكات كأنه لا يهمها، ولم يدمّر بناء شخصيتها.
ولعلّ أهم صعوبة تواجه الناجيات عند خروجهن من الاعتقال هي التكذيب، فبمجرد أن تروي الناجية قصة اعتقالها حتى تجد من يقوم بتكذيبها، بالإضافة إلى تلفيق قصص كاذبة عنهنّ، تتعلق باعتقالهن، ما يؤدي إلى تشويه سمعتهن، وذلك كله في مجتمع ضيّق، يتعامل مع قضايا المرأة بحساسية كبيرة.
الأمر الآخر الذي تعاني منه الناجيات هو الشفقة عليهن من قبل الناس، والسبب، هو كونهن تعرضن لتجربة الاعتقال، فهذه التجربة أثّرت عليهن بشكل سلبي، وأثّرت على حالتهن النفسية وجعلتهن يشعرن الخذلان والاحباط، وهذا كله يؤثر على وضعهنّ الاجتماعي والاقتصادي.
إن معاناة الناجيات لا تتوقف عندهن، بل تمتد إلى عائلاتهن، فلا تسلم هذه العائلات من الانتقادات والتشكيك، مما يسبب لهم الكثير من الألم النفسي والقهر، وقد يؤدي إلى مضاعفات صحية ونفسية مرضية.
على عكس ذلك يعتبر المجتمع الرجل الذي تمّ اعتقاله بطلاً، يفخرون به أمام الناس، فنحن في مجتمع لايزال يحتاج لجهود حثيثة، لتغيير نظرته للمرأة، هذه النظرة غير إنسانية، لأنها نظرة تمييزية، وتدلّ على سيادة مفاهيم متوارثة، تنظر للمرأة بأنها زوجة وأم أو بنت، وبحاجة لرعاية ورقابة من الأب، والأخ، والذكور الأقرباء.
هذه الحالات تجعل معاناة المعتقلات ذات وقعٍ سيّئ عليهن، وأن هذه المعاناة لا تتوقف عند خروجهن من السجن، بل تمتد حتى تطال تفاصيل حياتهن كاملة.
كذلك يمكن الحديث عن تحديات تواجه المعتقلات، وهي تحديات اقتصادية، فهنّ بحاجة لمن يمكنهن اقتصادياً، ليواجهن مصاعب الحياة منفردات، وذلك بعد تخلي المجتمع المحيط عنهن.
إلا أن أحوال الناجيات من الاعتقال يختلف باختلاف شكل العنف والانتهاكات التي مورست عليهن، هل هي جسدية، أم جنسية، أم الاثنتين معاً. ولعل أخطر هذه الانتهاكات هي الجسدية والجنسية معاً، فالمعتقلة تخرج فاقدة الثقة بنفسها، وتعاني من الانكسار والاكتئاب، ودائماً حزينة.
لهذا وللتخلص من آثار الانتهاكات على الصعيد النفسي، فالناجيات من الاعتقال بحاجة إلى جلسات دعمٍ نفسي، إذ تلعب هذه الجلسات دوراً مهماً في تقوية البنية النفسية للناجية، بحيث تتحول الطاقة السلبية الناتجة من التعذيب الجسدي والنفسي والانتهاك الجنسي، إلى طاقة إيجابية، تتمثّل بأن الناجية قدّمت تضحيات لصالح القضية التي اعتقلت بسببها، وأن ما فعلته لمواجهة قهر السجّان إنما يخدم شعبها وقضيتها الكبرى، فتصير بنظر نفسها بدرجة ما بطلة ومضحيّة، وتستحق كل دعم سياسي، وثقافي، ونفسي، واقتصادي.
إن عدم وجود دعم نفسي للناجية سيحوّل حالتها إلى حالة مرضية، فيكون بذلك مجتمعها المحيط بها مساهماً في تدهور بنيتها النفسية والصحية، وكأنه يتضافر مع جلادي المعتقلات في تدمير الروح الإنسانية للناجية.
إلا أنه وبالرغم من وجود الكثير من منظمات المجتمع المدني، التي تختص بقضايا الناجيات وتدعمهن، إلا أن هذه المنظمات لا تزال قاصرة عن معالجة هذه الآفة الاجتماعية، كما أن عملية دمج الناجيات بالمجتمع تواجهها الكثير من العوائق، وهي نفسية واجتماعية واقتصادية، وهذه العوائق تفوق قدرة منظمات المجتمع المدني، بالرغم من وجود حملات مناصرة كثيرة، تخاطب بشكل دائم الرأي العام للدفاع عن قضايا المعتقلات، وتحفّزه على تقديم كل الدعم للناجيات من الاعتقال.
ويمكن أن نقول إن هناك بعض الخطوات لمساعدة الناجيات في الوصول إلى مستوى من الصحة النفسية، وهي إكساب الناجيات مهارات العلاج الذاتي، وتجاوز المشكلات والضغوطات المتراكمة الناتجة عن الاعتقال.
وأيضاً إجراء وتنفيذ دورات إرشادية وتوعوية، من قبل مختصين ومرشدين في مجال علم النفس، بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني، لتقديم جميع أشكال الدعم النفسي والمعنوي والاجتماعي للناجيات.
للأسف الشديد أن وضع المرأة في مجتمعاتنا الذكورية وحرمانها من الكثير من الحقوق الاساسية التى نصت عليها كل الشرائع جعل ويجعل كل من محاولات النهضة والثورات في تاريخنا بدون جدوى في احراز اي تقدم اذا بقيت المرأة مشلولة في الأسرة والمجتمع والدولة…وهذا الاخفاق للثورة وسرقتها من قبل الاسلامويين الذين يبنون كل فكرهم وثقافتهم على ازدراء وتحقيير المرأة يفسر استحالة الانتصار للعدل بدون تغيير جذري لنظرة المجتمع من المرأة ومكانتها .