fbpx

المنظمات النّسائيّة السّوريّة بين الشّعارات والواقع

0 218

عانت المرأة السّوريّة قبل الثورة كمثيلاتها العربيّات من التّهميش السّياسيّ، والاضطهاد الاجتماعيّ، ولكنّ معاناتها تضاعفت بعد الثّورة؛ فهي الأمّ المفجوعة بابنها أو بزوجها أو بأبيها، وهي المرأة التي اعتُقلت وعُذّبت وهُجّرت، لا تملك حقوقاً سياسيّة أو مدنيّةً أو اجتماعيّة.

تعالت أصواتٌ لعدّة تجمّعات نسائيّة إبّان اندلاع الثّورة السّوريّة عام 2011 تحت مسمّيات مختلفة، اتّفقت جميعها بالأفكار النّظريّة الدّاعمة لحقوق المرأة السّوريّة. فهل استطاعت تلك التّنظيمات والتّشكيلات والاتحادات المتعدّدة والمتحدّثة باسمها أن تقترب من معاناتها ولو بجزء بسيط؟!

المنظمات النّسائيّة في المناطق المحرّرة:

تعدّدت التّجمعات النّسائيّة وانتشرت في تلك المناطق محاولة تقديم دعم للمرأة السّوريّة بمختلف نواحي الحياة؛ إلّا أنّها مازالت متأخرة في مشاركتها السّياسيّة، ولعلّ أهمها الحركة النّسويّة التي تأسست في باريس عام 2017، وهي حركة نسائية من تجمّع مدافعات ومدافعين عن حقوق المرأة، وتهدف إلى بناء دولة ديمقراطيّة تعدّديّة قائمة على أسس المواطنة المتساوية، وتلتزم الحركة بإزالة كلّ رموزٍ للنّظام الاستبداديّ، والتّركيز على الحلّ السّلميّ، ومحاسبة المتورطين في دماء الشّعب السّوريّ، والإفراج عن المعتقلين، وبرنامجها يعتمد على ثلاث مراحل: المرحلة الأولى وجود حقيقيّ على الأراضي السّوريّة ودول اللّجوء، والتّعامل مع جميع المنظّمات النّسويّة السّوريّة. والمرحلة الثّانية تعمل فيها على رفع نسب التّمثيل في جميع هيئات الحكم الانتقالي ومراكز صنع القرار. والمرحلة الأخيرة الاستفتاء على الدّستور السّوريّ الضّامن لحقوق المرأة ومشاركتها الفّعالة في بناء مجتمعها.

تسعى الحركة للحصول على الاعتراف بها دوليّاً ومحليّاً من خلال التّواصل مع المجتمع المدنيّ ومجلس الأمن، إضافة إلى تشجيع نساء الدّاخل للانضمام إليها.

مشروع صوت المرأة: مشروع أطلقته منظمة التّنمية المحليّة (LDO) عام 2017 يستهدف النّساء في سبع مناطق في ريف حلب وإدلب لتنفيذ سلسلة من الدّورات الهادفة لدعم الجمعيّات النّسائيّة ورفع كفاءتها. وقد أسهم المشروع في زيادة نسبة وعي المرأة بمسؤوليّاتها وبأهمية التّخطيط الجيّد لأي مشروع.

تعمل الرّابطة على إعداد قاعدة بيانات للنّساء لإيجاد فرص عمل لهنّ مع المنظمات الأخرى تكون نواة (لاتّحاد نسائيّ).

رابطة النّساء في الشّمال السّوري: عملت هذه الرابطة على تنفيذ مشروع صوت المرأة، فنسّبت نساءً من الشّمال السّوري، وحاولت استقطاب نساء من محافظات أخرى، ومعظمهنّ من حملة الشّهادات الجامعيّة. تنسّق الرابطة عملها مع (IHH) للعمل الإنسانيّ، وتقوم بتدريبات مع منظمة أورانج لتمكين المرأة.

بدأت معظم المنظمات في تلك المناطق بهدف التأهيل المهنيّ للنّساء من أجل تأمين مصدر رزق لهنّ، ثمّ أخذ اهتمام معظمها ينصبّ على تمكينها السياسيّ، وتأهيلها لكي تأخذ دوراً لها في مراكز صنع القرار على المستويين المحليّ والدّوليّ.

وعلى الرّغم من أهمية وجود تلك المنظمات للارتقاء بواقع النّساء السّوريّات، إلّا أنّ العقبات التي تواجهها كثيرة؛ فتراجع الدّعم العالمي للعمل الإنسانيّ، وسيطرة الجماعات المتطرفة في تلك المناطق أفقد الكثير من النّاشطات لمكاتبهنّ، إضافة إلى قلّة الوعي لدى الفئات المستهدفة، حيث امتنعت الكثيرات عن المشاركة بسبب المجتمع الذّكوريّ المسيطر عليهنّ، أو انشغالهنّ في العمل لتأمين متطلبات أسرهنّ.

إنّ تقييم أداء المنظمات في مناطق المعارضة يكون من خلال آليّات منهجيّة، وليس السّعي وراء إرضاء الممولين وتبنّي نهجهم السّياسيّ، والابتعاد عن الاحتياجات الحقيقيّة للمرأة السّوريّة المنكوبة.

نستطيع أن نعتبر النّقص في الكفاءات، وضعف التأهيل وعدم وجود رؤية واضحة، والافتقار إلى برامج محدّدة، واقتصار عمل بعضها على توزيع المعونات، وإقامة ندوات للدّعم النّفسيّ هي سمات عامّة للمنظمات النّسائيّة في المناطق المحرّرة. صحيح أنّ النّساء تحتاج الدّعم النّفسيّ والماديّ، إلّا أنّ أنشطة من هذا النّوع لا تندرج ضمن العمل النّسويّ؛ فالخلط بين النّشاط السّياسيّ والمجالات الأخرى يحتاج جهوداً كبيرة لتحقيق التّوازن المطلوب بين رفع مستوى الوعي عند النّساء، والأخذ بأيديهنّ لتحقيق استقلال ماديّ.

المنظمات النّسائيّة في المناطق الكرديّة:

مع هبوب نسائم الحريّة في سوريّة تنفّست النّساء الكرديّات عبقها، ونشطن كخلية نحل في البداية عندما تحررن من وطأة الأجهزة الأمنية، وسارعن إلى تشكيل العديد من الجمعيات والاتحادات والمنظمات المطالبة بتحرر المرأة من القيود الاجتماعيّة والسّياسيّة والقانونيّة التي كُبّلن بها، وكان من أبرز تلك المنظمات الاتّحاد النّسائي الكرديّ، وهي منظمة غير حكوميّة مستقلّة عملت على رفع الغبن عن النّساء الكرديات، ونشطت عضواته في المناطق الكرديّة كافة من خلال القيام بمشاريع صغيرة بالتّعاون مع منظمات أخرى مثل (البدائل) المدنيّة.

اتّبع الاتّحاد سياسة الحياد والاستقلاليّة في اتّخاذ القرارات وضمّ فئات عمريّة مختلفة، واعتمد على التّمويل الذّاتي الذي تساهم فيه عضواته، لكنّ المضايقات التي تعرّض لها من الإدارة الذّاتيّة (PYD) وإغلاقه لمكاتب فروعه أدّى إلى تراجع أدائه وبدأت أعداد عضواته بالتّناقص وفضلت العديدات منهنّ الهجرة.

إنّ حال المنظّمات النّسائيّة الكرديّة تغيّر بعد إعلان الإدارة الذّاتيّة عام 2014، وقيام الأحزاب السّياسيّة الكرديّة المتخمة بإيديولوجيا البعث المتسلط في استمالة بعض تلك المنظمات المستقلّة، وشقّ صفوف العديد منها، فهرعت فئة من المنتفعات تفتشن عن الدّعم الماديّ؛ فقلّصنَ بذلك النّشاط المدنيّ للمرأة في المجتمع، وحرفنه عن مساره الصّحيح.

تنقسم المنظمات الكرديّة اليوم بين منظمات تكتفي بالعمل الإغاثيّ وعقد الندوات، ومنظمات تنضوي تحت لواء الأحزاب الكرديّة أو تابعة للإدارة الذّاتيّة مثل منظمة (ستار) التي سخرت كلّ جهودها في خدمة الـ (PYD).

صحيح أنّ المرأة الكرديّة بعد إعلان ميثاق العقد الاجتماعيّ من قبل الإدارة الذّاتيّة حصلت على المناصفة في المستويات كافّة وهي نقطة إيجابيّة، لكنّ الثقافة التوعويّة الاجتماعيّة لم ترافق سنّ هذا القانون؛ فالمجتمع الكرديّ يختلف عن باقي المجتمعات السّوريّة والمرأة فيه تفتقر إلى حسّ الانتماء الوطنيّ لبلدٍ لا يعترف بها. وهذا يضع المنظمات النّسائيّة الكرديّة أمام امتحان لإثبات قدراتها في ظلّ مجتمع كرديّ محافظ.

المنظمات النّسائيّة عند نظام الأسد:

يزعم نظام دمشق أنّه نظام علمانيّ يدعم حريّة المرأة؛ فيجلس المرأة في رئاسة مجلس شعبه، ويحرص على إعطائها الحدّ الأدنى من المساواة الشكليّة (الدّيكور) لخدمة أهدافه السّياسيّة.

لقد حرص النّظام السّوري بعد مشاركته في مؤتمر بكين (سيداو) على منح تراخيص لمنظمات نسائيّة، فأصلح عدّة قوانين مدنيّة لتحقيق المساواة بين الذّكور والإناث، لكنّ العديد منها لم ير النّور لتعارضها مع التقاليد الاجتماعيّة.

الاتّحاد النّسائيّ السّوريّ:

هو منظمة شبه حكوميّة تدعمه الحكومة، وله أفرع في كلّ المحافظات السّوريّة، تأسس الاتّحاد عام 1967 على يد ائتلاف من الجماعات النسائيّة السياسيّة والاجتماعيّة، وقد ساهم رغم تبعيته للنّظام وأجهزته بالدّفاع عن المرأة وسهلّ عملها بإنشاء رياض الأطفال بأجور رمزيّة، وعمل على إدخالها إلى مؤسسات الحكومة المختلفة، لكنّه صمت عن الكثير من التّجاوزات التي تتعرض لها.

رابطة النّساء السّوريّات:

منظمة نسويّة ديمقراطيّة غير حكوميّة أعلنت عن نفسها عام 1948 وماتزال تعمل لتحقيق أهدافها ونشر ثقافتها القائمة على المساواة بين الرّجال والنّساء، وتمكين المرأة للمساهمة في النّشاط المدنيّ، واعتمدت في نشر برنامجها على الورشات التّدريبيّة وحرصت على إشراك الرّجال فيها؛ راغبة بتحويل قضيّة المساواة إلى قضيّة عامّة. واليوم تحاول هذه المنظّمة العمل على إشراك النّساء في مفاوضات السّلام الهادفة إلى وقف الحرب الدّائرة في سوريّة، وتقوم بمساعدة اللاجئات السّوريّات في لبنان بالتّعاون مع مركز غرسة الموجود في البقاع اللّبنانيّ.

لم يسمح النّظام في دمشق للمنظمات النّسائيّة بالعمل المستقل؛ فهي إمّا تخدم أجندته وتطبّل له، أو مكبّلة بدور محدود لا يخرج عن المسار الذي يحدّده لها كمنظمة وحدة تنسيق الدّعم، ومرصد نساء سوريّة الذي يناضل ضدّ العنف الموجّه للمرأة السّوريّة.

إنّ خلق حراك نسائيّ وبناء قيادات نسائيّة واجتماعيّة يحتاج إلى بيئة لوجستيّة؛ فالتّعاون الفعّال مع منظمات المجتمع المدنيّ لخلق مشاريع تقودها مناضلات ومناضلون حقوقيّات وحقوقيّون يملكون الخبرات والأدوات لبناء الخطط وتنفيذها، مبتعدين عن الارتجال والعشوائيّة والشعارات الدّعائيّة هو خطوة مهمّة وضروريّة، – وإنْ كانت صغيرة – في سبيل تحقيق أهداف الإنسان السّوريّ في مجتمع ديمقراطيّ تعددّي يحكمه الدّستور الضّامن لحقوقه الإنسانيّة.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني