fbpx

المنسق الدولي مارتن غريفيث يتجاوز دوره الأممي ليصير شريكاً للنظام الأسدي

1 195

كشفت الأمم المتحدة في العاشر من شهر آذار/ مارس 2024 عن وثيقة استراتيجية لما يسمى “صندوق الثقة للإنعاش المبكر للأعوام “2024-2028”.

هذا الصندوق المالي يراد له أن يكون مقره في دمشق، ويعمل تحت قيادة مباشرة من منسق الأمم المتحدة المقيم للشؤون الإنسانية السيد مارتن غريفيث.

وقبل مناقشة هذا الأمر نذكّر أن مارتن غريفيث Martin Griffiths هو وسيط دولي بريطاني سابق كان يعمل مديراً للمعهد الأوربي للسلام، وهو أول من عُيّن مبعوثاً أممياً لليمن عام 2018 ويشغل الآن منصب رئيساً لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، وتنتهي مهامه في شهر حزيران / يونيو القادم بعد أن قدّم استقالته.

إن وجود “صندوق الثقة للإنعاش المبكر” في دمشق هو وجود يخرج عن قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالصراع في سورية والمتعلقة بالحل السياسي لهذا الصراع مثل بيان جنيف1 والقرار 2118 لعام 2013 والقرار 2254 لعام 2015.

قرارات الأمم المتحدة المشار إليها دعت إلى انتقال سياسي صريح في سورية، وهو يعني تشكيل حكومة انتقالية تنتقل إليها كافة الصلاحيات التنفيذية لرئاسة الجمهورية وصلاحيات الحكومة السورية.

مارتن غريفيث خالف هذه القرارات بأن تعامل مع رئيس النظام السوري بشار الأسد باعتباره رئيساً للبلاد، وذلك بعد حدوث الزلزال المدمّر في السادس من شهر شباط / فبراير في الشمال السوري وجنوب شرقي تركيا.

مارتن غريفيث استغل حدوث الزلزال للتواصل مع النظام السوري، بشأن تنسيق المساعدات الدولية، والتي ثبت بالملموس أن غالبية هذه المساعدات تمت سرقتها من قبل أجهزة النظام، وطرح قسم منها للبيع في الأسواق، وتُركَ كثير منها دون توزيع حتى بلغت مرحلة التلف.

هذا الدور الذي لعبه مارتن غريفيث، أغمضت الأمم المتحدة عينيها عنه، وهذا لا تفسير له سوى أن الأمم المتحدة انحازت لصالح نظام أسد رغم وجود قرارتها التي لم ينفّذها هذا النظام.

رئيس مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية يريد أن يساعد نظام أسد على الالتفاف على العقوبات الدولية بحقه، من خلال إحداث “صندوق الثقة للإنعاش المبكر”، وذلك من خلال تمويل دول الخليج العربي الغنية للصندوق المشار إليه، كي يمكن عبر ذلك الهروب من لائحة العقوبات الدولية المفروضة على نظام أسد.

والسؤال الصريح: لماذا يتشاطر مارتن غريفيث ويريد أن يكون مقر “صندوق الثقة للإنعاش المبكر” في دمشق، رغم معرفته بالتقارير التي أشارت في حينها إلى تلاعب نظام أسد بالمساعدات الإنسانية، وعدم وصولها إلى مستحقيها؟ ورغم معرفته أن هذا النظام هو من يشنّ الحرب على الشعب السوري، والذي بلغ النازحون عن بيوتهم واللاجئين إلى دول الجوار أكثر من نصف عدد السكان الكلي البالغ 23 مليون نسمة ونيّف.

في هذه الحالة لا يمكن قبول وساطة غريفيث، لأنه ببساطة يتجاوز دوره الأممي ويساعد على بقاء نظام أسد في السلطة، وهو نظام سيوظّف أموال دعم صندوق الثقة في حربه ضد الشعب السوري، كما وظّف من قبل المساعدات الإنسانية التي وصلت إليه بعد زلزال السادس من شباط العام الماضي 2023، بما يخدم آلة حربه ضد الشعب السوري، وبما يخدم أكاذيبه السياسية.

إن طلب مارتن غريفيث إحداث الصندوق المالي المشار إليه لا يوحي بدور الوساطة الموضوعية، فهذا الصندوق ستذهب الأموال إليه بما يخدم جزءً من سورية يحكمه بشار الأسد، في حين أن المناطق الخارجة عن سيطرة نظام أسد لن تكون ضمن عمليات هذا الصندوق فعلياً.

فما مصلحة غريفيث في هذا السلوك المخالف للقرارات الدولية؟، وكيف يحاول تزيين الالتفاف عليها على أنها أموال دعم للتعافي بصورة عابرة؟

مصلحة غريفيث تخفي خلفها علاقته برأس النظام السوري، وما تجره هذه العلاقة غير الخاضعة للرقابة الأممية من منافع شخصية له، وهذا يتنافى ويتناقض مع دور الأمم المتحدة الإنساني، ويتناقض، بل وينسف نزاهة دوره كرئيس لمكتب التنسيق للمساعدات الإنسانية.

حجة غريفيث بإحداث صندوق الثقة للإنعاش المبكر سيساعد على إقناع الأسد بضرورة وجود عملية سياسية تقودها الأمم المتحدة، وهذا تضليل صريح، فالأسد لا يمكنه القبول بالعملية السياسية وفق القرار الدولي 2254، لأنه يعرف سلفاً أن الانتقال السياسي للسلطة في البلاد سيجعله خارج هذه السلطة، وهذا ما لا يقبل به، فسورية بالنسبة له مجرد مزرعة أطلق عليها من قبل اسم “سورية الأسد”، وكأنها ملكه الشخصي.

إن إحداث “صندوق الثقة للإنعاش المبكر” في دمشق لن يخدم سوى نظام أسد، وسيضرّ بغالبية السوريين ممن هم خارج سلطته (مناطق الشمال والجنوب السوري)، وهذا أمر سارعت قوى المعارضة السورية إلى رفضه عبر ممثلها الوحيد “الائتلاف الوطني السوري”.

هذا الرفض يتطلب من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غيريتش اتخاذ موقف ينسجم مع قرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة بسورية، وهذا يتطلب منع إحداث هذا الصندوق في دمشق الخاضعة لنظام نهب المساعدات الدولية ودمّر المدن والبلدات ببراميله المتفجّرة وصواريخه وقصف مدافعه، كما يتطلب رقابة أممية حقيقة على عملياته ضمن شروط قبول صريح من النظام بتنفيذ القرار الدولي 2254 ضمن برنامج زمني محدد المدة.

كذلك، فقوى الثورة والمعارضة ومن خلفها غالبية الشعب السوري النازح والمهجر وحتى المقيمين تحت سلطة الاستبداد يرفضون مكافأة غريفيث لنظام الأسد بإحداث هذا الصندوق. وهذا يتحقق عبر عزل هذا المنسق الدولي الذي انتهك القوانين المحددة لمهامه.

السوريون الرافضون لحكم الاستبداد الأسدي يطالبون الأمم المتحدة وأمينها العام بإقالة غريفيث من مهامه المنحازة للأسد، ويطالبون كذلك بأن يكون الإشراف على عمليات صندوق الثقة شفافة ومتوافقة مع وظيفتها الأساسية.

إن عدم تجاوب الأمين العام للأمم المتحدة مع دعوة غالبية الشعب السوري وممثله الوحيد الائتلاف الوطني السوري، يعني بصراحة تخلي هيئة الأمم عن دورها المنصوص عنه في وثائقها، ويعني انحيازها لنظام ثبت بالوثائق مسؤوليته عما جرى من دمار وقتل وكوارث اقتصادية واجتماعية لحقت بالشعب السوري.

الأجدى بالأمم المتحدة أن تبحث في تنفيذ قراراتها الدولية التي يرفضها نظام أسد، وليس مكافأة هذا النظام الذي أوصل البلاد إلى حافة الهاوية.

فهل ستستجيب الهيئة الأممية لهذه الدعوات وتمنع الفضيحة؟ ننتظر رأيها النهائي في هذا الشأن الإنساني الذي يجب أن يكون خارج حسابات الربح والاستغلال لدى نظام دمشق.

1 تعليق
  1. عفاف الرشيد says

    الأمم المتحدة لو كانت جادة بدعمها لحقوق الشعب السوري لنفذت قراراتها المتعلقة بانتقال السلطة السلمي في دمشق، وما يفعله هذا المبعوث الأممي لن يزعج الأمم المتحدة وأميركا بل هو مراوغة لخدمة النظام وإطالة أمده. و دعمه
    وحسبنا الله ونعم الوكيل

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني