fbpx

المكونات الوطنية السورية.. والثقة المفقودة بينها

0 848

يمكن تأكيد أن قرار الحل السياسي للصراع السوري، لم يعد ملكاً لطرفي الصراع (النظام والمعارضة)، فمجريات هذا الصراع، وأهدافه، والقوى المنخرطة فيه، تدلّ على أنه خرج عن اعتباره صراعاً داخلياً، بعد استدعاء الخارج للدخول كعنصر في معادلته. هذا الاستدعاء تمّ على نسقين اثنين، من المفترض الإشارة إليهما، لتوضيح مآل الصراع.

النسق الأول من استدعاء الخارج، مارسه النظام السوري عبر فتح أبواب التدخل أمام إيران وأذرعها (حزب الله اللبناني والفصائل المذهبية الشيعية)، ثم عبر استدعاء الروس.

النسق الثاني من استدعاء الخارج، كان من خلال تشجيع النظام لقوى إسلامية راديكالية، كانت تقبع في السجون، فأطلق سراحها، ويسّر لها ظروف تشكيل نفسها، كتنظيمات مقاتلة، يعرف النظام أنها ستنقضّ على الثورة السورية السلمية، وتفرغها من مطالب الحرية والكرامة، والتي شكّلت لاحقاً أذرع القاعدة في سوريا.

فشل النظام في استيعاب الثورة السلمية، دفعه للإفراط باستخدام القمع الدموي الوحشي، وهذا مهّد لانتقال الثورة من صورتها السلمية إلى صورة ثورة مسلحة، تريد الدفاع عن حاضنتها، وهو أمرٌ سمح بتدخلات إقليمية، هدفها تأجيج نار المواجهة بين الشعب والنظام، بغية امتصاص جوهر الثورة الديمقراطي، وتحويله إلى مستوى آخر.

كان لغياب الإطار الثوري الجامع، وبرنامجه الواضح، أثراً واضحاً على تراجع سلمية الثورة، لصالح العمل المسلح، هذا العمل الذي عمل عليه النظام، لتصوير الثورة السلمية، وكأنها أعمال إرهابية، رغم أن وسائل الإعلام الدولية، كانت تنقل مجرياتها.

إن مرور تسع سنوات على هذا الصراع بهذه الصورة، وبعد تدخلٍ روسي منع إسقاط النظام بالقوة المسلحة، لا بل عمل الروس على استعادة الجغرافية السورية، بعد تحريرها من قبضة النظام الاستبدادي، وهو ما فتح الباب على مصراعيه لتدخلات دولية، ظهر فيها انخراط أمريكي عبر حزب الـ PYD الكردي. وكذلك اضطرار تدخل تركيا في سوريا، بسبب مخاطر وجود قوات هذا الحزب الحليف لحزب الـ PKK الكردي التركي، المتهم من قبل تركيا، ومن قبل الولايات المتحدة ودول كثيرة بأنه حزب إرهابي.

إذاً، استدعاء الخارج بكل مكوناته الإقليمية والدولية، عمّق طبيعة هذا الصراع، وجعل قراره النهائي رهن المتدخلين الخارجيين.

هذه الحالة ألغت عملياً ونهائياً وجود ما يسمى “قرار وطني سوري مستقل”، ونقصد بذلك، أن النظام السوري لم يعد في موقع من يتخذ القرارات الكبرى في السياسة والاقتصاد، وإنما صارت هذه القرارات من ضمن واقع نفوذ القوى الخارجية المتدخلة في الصراع، مثل إيران وروسيا والميليشيات التابعة لهما.

نفس الحال ينطبق على طرف الصراع الآخر، حيث أصبح قرار قوى المعارضة والفصائل المسلحة رهن القوى الإقليمية والدولية المساندة للمعارضة (مجموعة أصدقاء الشعب السوري). وصارت هذه المجموعة تتصرف سياسياً وعسكرياً وفق نقاط التقاطع المشتركة بين أعضائها، وتحت إرادة أمريكية.

إذاً، يمكن القول، أن الصراع الداخلي، لم يعد صراعاً سورياً بين طرفين سوريين، بل أصبح صراعاً بين قوى إقليمية ودولية، تحاول كل منها تحقيق شروط نفوذها في الساحة السورية، انطلاقاً من مصالحها القريبة أو الاستراتيجية.

إن الفشل العسكري والسياسي لطرفي الصراع السوري (النظام والمعارضة)، هو تتويج ونتاج حقيقي لمعادلة هذا الصراع. وبالتالي، يتحمّل النظام السوري المسؤولية الكبرى لاستخدام أقصى أنواع البطش الأمني، ووصول البلاد إلى هذه الحالة، وتتحمل المعارضة الرسمية الجزء الآخر الصغير من مسؤولية الفشل، والمتمثل بعجزها البنيوي عن إدارة ملف الثورة بصورة مستقلة، اعتماداً على حاضنتها الشعبية الواسعة.

لقد أنتجت سنوات الصراع التسع سياقاً خاصاً لكلٍ من النظام والمعارضة، تمثّل بمصالح ورؤى، يحاول كلٌ منهما تبرير معركته مع الآخر، على حساب المدنيين الأبرياء من كل مكونات الشعب السوري، وهذا معناه أن مبررات الصراع الأساسية تراجعت لصالح وضعٍ جديد، لا يتحكمان فيه، مما حوّل هذا الصراع إلى عبء ثقيل على الحاضنتين، وهو أمر بدأ يطّل برأسه من خلال وعي جزء من هاتين الحاضنتين لضرورة وقف نزيف الدم المجاني.

إن حاضنة النظام مختطفة من قبل هذا النظام، هذه الحاضنة باتت تدرك متأخراً أنها تدفع أثماناً باهظة من دماء أبنائها، تحت مبررات لا تخدمها، بل خلقت شرخاً عميقاً بينها وبين مكونات الشعب السوري الأخرى.

هذه الحالة تتطلب من حاضنة النظام البحث عن مسار جديد غير مسار النظام الذي أوصلها إلى التهلكة، وأوصل غالبية السوريين إلى نازحين في وطنهم، ولاجئين في شتى أنحاء المعمورة.

المسار الجديد يكمن بضرورة البدء بخطوات جدية، بين “نخب مكونات السوريين”، خارج القوى المستفيدة من استدامة صراعٍ دموي عبثي. وهذا يعني أن حلقة مفقودةً، يجب وضعها على طاولة وقف الصراع، هذه الحالة هي ميثاق شرف وطني بعدم احتراب مكونات الشعب السوري، مقابل الخروج بمؤتمر وطني سوري، بعيد عن أي محاصصة طائفية أو دينية أو اثنية، قاعدته عقد اجتماعي، يثبت نظاماً تداولياً ديمقراطياً للسلطة في البلاد، يسبقه انتقال سياسي، وفق القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن وتحديداً القرار 2254.

المؤتمر الوطني السوري الشامل يجب أن يمثل كل مناطق سورية وأطيافها، وأن يتعهد باستعادة القرار الوطني المسلوب من السوريين، وأن يعترف أن الحل الخاص بالصراع في البلاد هو حل سياسي، وأن السلام الحقيقي لن يحدث في سوريا دون اتفاق المكونات السورية على مبدأ العدالة الانتقالية وبإشراف دولي.

فمن سيبدأ الخطوة الأولى الباعثة على الثقة بين المكونات، وعلى تأكيد حق جميع هذه المكونات في الحياة الحرة والمواطنة المتساوية، هذه الثقة هي كلمة السر المفقودة بين السوريين، ويجب استعادتها عبر إجراءات سياسية تتفق مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. وعبر انعقاد مؤتمر وطني مستقل بعيد عن أجندات استدامة الحرب التي لا تزال تنزف بشراً وحجراً ومستقبلاً.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني