المطلوب تغيير نهج عمل مؤسسات المعارضة.. وليس نسف إطارها
بعد القرار 24، الخاص بإحداث مفوضية عليا للانتخابات، الذي أصدره الدكتور نصر الحريري، باعتباره رئيساً للهيئة السياسية لائتلاف قوى الثورة والمعارضة، ضجّت منصات التواصل الاجتماعي برفض الخطوة، باعتبارها خطوةً، لا تقع ضمن صلاحيات رئيس الائتلاف.
بعض الدعوات أخذت شكلاً متطرفاً، حيث دعت إلى إنهاء دور مؤسسة الائتلاف كممثل سياسي للسوريين، وكأن تشكيل مؤسسة سياسية، تكون بديلاً عن الائتلاف، هو مجرد عمل لمجموعة اجتمعت عبر منصة تواصل، وبذلك أخذت شرعيتها من هذا المنطلق.
سأوضح نقاطاً، كي لا يقع لبسٌ في فهم المراد من هذه المقالة، ففهم الشرعية لأي مؤسسة، يكون من واقع صيرورتها، وليس من عتبات تخييلٍ خاصٍ في أذهان بعض من يريد التغيير.
النقطة الأولى، التي يجب توضيحها، هي أن الائتلاف حصيلة قرارٍ لمجموعة أصدقاء سوريا، بعد طي صفحة المجلس الوطني السوري، وليس حصيلة قرار وطني جامع للسوريين، فقرار تغيير إطار الائتلاف هو قرار سوري، يجب أن يصدر عن مؤتمر وطني جامع لكل السوريين المعارضين لبقاء نظام الاستبداد في سوريا.
ولذلك تبدو الدعوة إلى إلغاء مؤسسة الائتلاف، وكأنها دعوة لتدمير إطار دون المقدرة على بناء إطار بديل، يحظى باعتراف من المجتمع الدولي، كممثل سياسي للسوريين.
والسؤال: هل هناك جهة وطنية أو ثورية، تستطيع الدعوة لعقد مؤتمر وطني جامع، مهمته أن ينتخب أو يختار قيادة تقوم بتمثيل السوريين سياسياً، ويحظى هذا المؤتمر باعتراف أصدقاء الشعب السوري؟.
النقطة الثانية، تتعلق بالتفكير الجدّي، بمسألة إلغاء إطار معارضة موجود، ويحظى باعتراف، وعدم القدرة على بناء بديل عنه، سيحظى بالاعتراف. هذه الحالة، تعني تهديم الإطار السياسي للثورة والمعارضة، مع عدم المقدرة على بناء بديل عمّا تمّ تهديمه.
مثل هكذا خطوة، تكشف عن طفولة ثورية، تضرّ بمسار الثورة، وربما تساهم في إلغائه، دون قراءة نتائج خطوة كهذه، بالمعنى المرحلي والاستراتيجي القريب.
الدعوة إلى إلغاء أطر الثورة والمعارضة السياسية (الائتلاف هيئة التفاوض اللجنة الدستورية) هي دعوات تكشف عن تخييل ثوري غير ملموس، وغياب تحليل سياسي علمي صارم، حول صيرورة الثورة، وضرورة وجود أطرها الفاعلة.
إن رفض القوى الثورية لكثير من سياسات مؤسسات الثورة والمعارضة، هو رفضٌ مشروع، ويجب أن يؤخذ بجوهر هذا الرفض، وهذا معناه، أن دور وعمل وأطر مؤسسات الثورة والمعارضة، هي ليست حكراً على مجموعة أشخاص، أو تيارات سياسية بلا عمق شعبي، بل إن هذه الأطر السياسية للثورة والمعارضة، يجب أن تكون تمثيلاً حقيقياً للثورة السورية، ولقوى معارضة الاستبداد.
رفض القوى الثورية لكثير من مؤسسات الثورة والمعارضة، يجب أن يتزامن مع الدعوة إلى تغيير عميق في بنية هذه المؤسسات، من حيث تكوينها، وتمثيلها، وآلية تغيير أعضائها. هذا الأمر يحتاج إلى مظلة وطنية كبرى، تكون هي مرجعية أي قرار يخصّ السوريين سياسياً، ومثل هذا الأمر يحتاج بالضرورة إلى الدعوة لعقد مؤتمر وطني جامع لكل السوريين، يكون بمثابة برلمان مؤقت، يستطيع حجب الثقة عن أي قيادة لمؤسسة من مؤسسات المعارضة.
إن ائتلاف قوى الثورة والمعارضة وهيئة التفاوض السورية والحكومة المؤقتة معنيون بالدعوة لخلق إطار وطني جامع، يكون مرجعية أوسع وأشمل وأكثر شرعية شعبية، يلغي كل شططٍ سياسي محتمل، هذه الدعوة يجب التشاور والتنسيق فيها مع التيارات السياسية السورية المعارضة لنظام الاستبداد، ويجب أن تتبع خطوة الدعوة عقد طاولة مستديرة لممثلين عن هذه التيارات.
إن مجريات تطور الأوضاع في قضية الصراع بين قوى الثورة والنظام السوري، تستدعي منع تشتيت جهود قوى الثورة، وخفض سقف الدعوات (الثورجية) التي لا تخدم مسار الثورة والوصول إلى التغيير السياسي المنشود في سوريا.
إن انفتاح مؤسسات قوى الثورة والمعارضة (الائتلاف هيئة التفاوض فريق الدستورية) على الحاضنة الشعبية، لا يجب أن يكون نشاط (رفع عتب)، أو شكلاً من أشكال البروبغاندا الإعلامية، بل يجب أن يعبّر عن تلاحم بين قوى الثورة ومؤسساتها، وهذا طريق ليس صعباً أو مستحيلاً، بل هو طريق يمنح مؤسسات الثورة المعارضة قوة إضافية، سيحسب حسابها من يقع على ضفة الصراع الأخرى سواء النظام أم حلفاء هذا النظام من روس وإيرانيين وغيرهم.
السوريون معنيون بالدفاع عن بقاء أطرهم السياسية، ومعنيون بتفعيل دورها، ويجب رفض كل دعوة تدعو لحلّ مؤسسات الثورة والمعارضة كأطر، والتركيز على تغيير بناها في حالة التقصير وانتهاك مصالح الثورة السورية العظيمة.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”