المطلوب آليات عمل تواكب الانتفاضة.. الائتلاف الوطني والدور المنتظر
الخطاب الثوروي السائد حالياً هو خطابٌ منفصلٌ عن الواقع ومجرياته، فهو يدور في حلقة “نصّه المقدس”، ولا يريد أن يرى كيف تتجه الأمور في حركة الواقع، وهذا يؤدي إلى مزيد من ضياع عملية التغيير، وفق القدرات المتوفرة لهذه العملية.
سنوضح أكثر، القضية السورية المتمثلة بحربٍ شنّها نظام أسد، بدأت بانتفاضة شعبية سلمية، طالبت بإصلاح سياسي في بنية وآليات عمل الدولة من جهة، وفي بنية السلطة السياسية المهيمنة على الحكم، ونقصد سلطة النظام الأسدي.
الانتفاضة واجهها نظام أسد بالحديد والنار، لم يكن لديه أي استعداد لإصلاح سياسي، وهذا الأمر دفع قوى الثورة الشعبية إلى رفع شعار إسقاط ورحيل النظام.
هذا الصراع لم يبق صراعاً ثنائياً (نظام أسد ضد شعب ثائر)، إذ حين بدأت الأمور تخرج من يد هذا النظام، استدعى حلفاءه الإيرانيين والروس.
هذا الصراع أخذ شكل صراع مسلّح، نتيجة استدعاء النظام لحلفائه الإيرانيين والروس، وهو بالتالي، صار صراع أجندات إقليمية ودولية على الساحة السورية، مما استدعى صدور القرار 2254 لعام 2015، كحلقة أخيرة للحل السياسي.
هذا القرار لم يكن قرار حلٍ سياسي حاسمٍ، لأنه ترك لطرفي الصراع في سورية التفاوض بموجبه لإقرار الحل، وهو خلل صريح في بنية هذا القرار، سمح لنظام أسد بالتسويف والتهرب من استحقاق الحل السياسي، واعتماده على أن بإمكانه حسم الصراع عسكرياً، وسحق قوى الثورة، وبالتالي، استمرار بنيته الاستبدادية المتوحشة المنغلقة على ذاتها في حكم سورية.
هذا المعطى السياسي الصادر عن مجلس الأمن الدولي (القرار 2254)، شكّل مربع حل الصراع في سورية، وبالتالي، إذا رفضت قوى الثورة والمعارضة (الائتلاف الوطني، هيئة التفاوض) هذا القرار، تكون قد أعطت مبرراً لنظام أسد، بأن ليس هناك طرفٌ يفاوضه، لذلك تمسّكت هيئة التفاوض ومن خلفها الائتلاف الوطني وهيئة التنسيق الوطنية بنص القرار، وعملت ديبلوماسياً على حشد المجتمع الدولي للضغط من أجل تنفيذه.
بقي الموقف الثوروي أسير رؤيته الثابتة بضرورة إسقاط النظام، هذه الرؤية تكون صحيحة في حالة تغيّر موازين القوى لصالح الثورة السورية، وباعتبار أن المجتمع الدولي وضع سقفاً للحل السياسي هو القرار 2254، فإن قوى الثورة مضطرة الالتفاف حول جوهر هذا القرار، لذلك بدت كل الدعوات من هنا وهناك بالانسحاب من التفاوض مجرد ديماغوجيا لا قيمة ولا أثر لها في مجرى الصراع مع نظام أسد.
الآن، بدأت الأمور تتغير في سورية، ففي محافظة السويداء نزل الناس إلى الشارع يطالبون بتنفيذ القرار 2254، وبرحيل نظام الأسد الفاسد المتوحش كما وصفوه، وقد وقفت محافظة درعا مع حراك شقيقتها السويداء، وبدأت أصوات علنية في الساحل السوري (حاضنة النظام) تطالب بمحاسبة نظام أسد وأجهزته الأمنية والسياسية والحكومية الفاسدة.
هذا التغيّر في وضع السوريين الخاضعين لحكم نظام أسد يعتبر عامل إضعاف له، وهو في الأصل نظام لا يستطيع الاستمرار في السيطرة على السلطة بدون دعم حلفائه الميليشيات الشيعية بزعامة إيران ودعم حليفه الروسي.
حراك السويداء وانتفاضتها كان تعبيراً أكثر وضوحاً على مستوى الخطاب الوطني، حيث تمسّك ثائرو السويداء بتنفيذ القرار الدولي 2254، وبالتالي فتحوا الأبواب لصعود مثل هذا الخطاب بجوهره الوطني الديمقراطي، الذي ينشد بناء دولة المؤسسات الوطنية، هذا الخطاب حمل وفق رؤية الشيخ حكمت الهجري رئيس مجلس طائفة الموحدين (الدروز) قرار محاربة الاحتلال الإيراني لمفاصل الحياة السياسية والأمنية والاقتصادية السورية، وبيّن خطر نشر الشيعية السورية من خلال استغلال وضع السوريين المعاشي ودفعهم إلى تغيير مذهبهم الديني.
حراك السويداء جاء مع تغييرات في بنية قيادة الائتلاف الوطني نتيجة الاستحقاق الانتخابي، وهذا يتطلب من القيادة الجديدة تشكيل فريق عمل قادر على تجميع السوريين وحشدهم سياسياً خلف مطلب رحيل النظام الأسدي على قاعدة القرار الدولي 2254.
الائتلاف الوطني معني بإعادة ترتيب أوراقه السياسية مع الانعطافة الشعبية الجديدة في سورية، وهذا يحتاج إلى التواصل مع القوى التي تقود حراك مناطق جنوب سورية، ويحتاج إلى وضع استراتيجية سياسية، تعمل على تعميق الانتفاضات الداخلية في سورية، كانتفاضة السويداء ودرعا وريف دمشق، وحراك الساحل السوري الرافض لبقاء نظام أسد في الحكم. كذلك معني بتفعيل استراتيجيته الخارجية الجديدة، المبنية على حشد أكبر قدر من التأييد الدولي الفاعل لتنفيذ الحل السياسي على أساس القرار الدولي 2254، وحشد الضغط الدولي على نظام أسد لإجباره على الانصياع للقرارات الدولية.
إن الذين يهاجمون الحل السياسي وفق تنفيذ القرارات الدولية، إنما يخدمون دون قصدٍ نظام أسد، الذي يريد أي حجة للهروب من استحقاقات القرار المذكور. فنظام أسد، يهرب من استحقاقات الحل السياسي الدولي، لأنه يدرك أن تنفيذ الحل السياسي سيجعله خارج السلطة إلى الأبد، ولهذا فهو انحاز إلى الخيار العسكري اعتقاداً منه أنه يستطيع فرض رؤيته على العالم.
الائتلاف مطالب بتفعيل كل أدواته السياسية والإعلامية خدمة لانتفاضة الجنوب السوري، ومعني أن ينقل مقره العام إلى المناطق المحررة، ليكون على تماس تام مع حراك الثورة في الداخل بمختلف وجوهه.
إن وجود قيادة جديدة للائتلاف أثار حفيظة المتضررين منها، وذلك لعلمهم أن هذه القيادة ستقود السوريين ميدانياً انطلاقاً من المناطق المحررة، وهو ما يعني غياب شمس المستفيدين من استمرار حالة اللاحرب وحالة اللاسلم.
السوريون ينتظرون من قيادة الائتلاف الوطني الجديدة تغيير آليات عمل الائتلاف السابقة، فهل سنرى قريباً حراكاً واحداً لكل السوريين يقوده ممثلوهم سياسياً وديبلوماسياً؟