1- مفهوم المراهقة
ترجع كلمة “المراهقة” إلى الفعل العربي “راهق” الذي يعني الاقتراب من الشيء، فراهق الغلام فهو مراهق، أي: قارب الاحتلام، ورهقت الشيء رهقاً، أي: قربت منه. والمعنى هنا يشير إلى الاقتراب من النضج والرشد.
أما المراهقة في علم النفس فتعني: “الاقتراب من النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي”، ولكنه ليس النضج نفسه؛ لأن الفرد في هذه المرحلة يبدأ بالنضج العقلي والجسمي والنفسي والاجتماعي، ولكنه لا يصل إلى اكتمال النضج إلا بعد سنوات عديدة قد تصل إلى 10 سنوات.
وهناك فرق بين المراهقة والبلوغ، فالبلوغ يعني “بلوغ المراهق القدرة على الإنسال، أي: اكتمال الوظائف الجنسية عنده، وذلك بنمو الغدد الجنسية، وقدرتها على أداء وظيفتها”، أما المراهقة فتشير إلى “التدرج نحو النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي”. وعلى ذلك فالبلوغ ما هو إلا جانب واحد من جوانب المراهقة، كما أنه من الناحية الزمنية يسبقها، فهو أول دلائل دخول الطفل مرحلة المراهقة.
ويشير ذلك إلى حقيقة مهمة، وهي أن النمو لا ينتقل من مرحلة إلى أخرى فجأة، ولكنه تدريجي ومستمر ومتصل، فالمراهق لا يترك عالم الطفولة ويصبح مراهقاً بين عشية وضحاها، ولكنه ينتقل انتقالاً تدريجياً، ويتخذ هذا الانتقال شكل نمو وتغير في جسمه وعقله ووجدانه.
وجدير بالذكر أن وصول الفرد إلى النضج الجنسي لا يعني بالضرورة أنه قد وصل إلى النضج العقلي، وإنما عليه أن يتعلم الكثير والكثير ليصبح راشداً ناضجاً.
ولكلٍ من المراهِقة والمراهق نموه المتفجر في عقله وفكره وجسمه وإدراكه وانفعالاته، مما يمكن أن نلخصه بأنه نوع من النمو البركاني، حيث ينمو الجسم من الداخل فسيولوجياً وهرمونياً وكيماوياً وذهنياً وانفعالياً، ومن الخارج والداخل معاً ,لذلك تعد المراهقة من أخطر المراحل التي يمر بها الإنسان ضمن أطواره المختلفة التي تتسم بالتجدد المستمر، والترقي في معارج الصعود نحو الكمال الإنساني الصحيح والمرغوب فيه والذي ينم عن شخصية متكاملة منسجمة متوافقة قادرة على النمو والإبداع، ومكمن الخطر في هذه المرحلة التي تنتقل بالإنسان من الطفولة إلى الرشد، هي (1 )التغيرات في مظاهر النمو المختلفة (الجسمية والفسيولوجية والعقلية والاجتماعية والانفعالية والدينية والخلقية( 2) وما يتعرض الإنسان فيها إلى صراعات متعددة، داخلية وخارجية
علامات بداية مرحلة المراهقة وأبرز خصائصها وصورها الجسدية والنفسية
بوجه عام تطرأ ثلاث علامات أو تحولات بيولوجية على المراهق، إشارة لبداية هذه المرحلة عنده، وهي:
1- النمو الجسدي: حيث تظهر قفزة سريعة في النمو، طولاً ووزناً، تختلف بين الذكور والإناث، فتبدو الفتاة أطول وأثقل من الشاب خلال مرحلة المراهقة الأولى، وعند الذكور يتسع الكتفان بالنسبة إلى الوركين، وعند الإناث يتسع الوركان بالنسبة للكتفين والخصر، وعند الذكور تكون الساقان طويلتين بالنسبة لبقية الجسد، وتنمو العضلات2-ً النضوج الجنسي: أي ما نعرفه بمرحلة البلوغ.3-ً التغير النفسي: إن للتحولات الهرمونية والتغيرات الجسدية في مرحلة المراهقة تأثيراً قوياً على الصورة الذاتية والمزاج والعلاقات الاجتماعية، فظهور العلامات الثانوية والتي تميز الذكر عن الأنثى أي الصفات الذكورية والصفات الأنثوية ,وتختلط بمزيج من المشاعر السلبية والإيجابية.
وقد تبين أن أهم ما يعاني الآباء منه خلال هذه المرحلة مع أبنائهم الخوف الزائد على الأبناء من أصدقاء السوء، عدم قدرتهم على التميز بين الخطأ والصواب باعتبارهم قليلو الخبرة في الحياة ومتهورون، أنهم متمردون ويرفضون أي نوع من الوصايا أو حتى النصح، أنهم يطالبون بمزيد من الحرية والاستقلال.، أنهم يعيشون في عالمهم الخاص، ويحاولون الانفصال عن الآباء بشتى الطرق.
المراهقة بشكل عام نستطيع أن نرى فيها المراحل التالية:
مراحل المراهقة:
1- مرحلة المراهقة المبكرة:
تمتد فترة المراهقة المبكّرة بين السنة الحادية عشرة والرابعة عشرة من العمر تقريباً، ورغم الاعتقاد بأن الطفل لا يزال صغيراً، فإنه يمر بتغييرات كبيرة ومهمة جداً، ففي هذا العمر يتأرجح المراهق بين رغبته في أن يُعامل كراشد وبين رغبته في أن يهتم به الأهل، وهذا يجعل الأمر صعباً ومُربكاً للوالدين، يمكننا إطلاق اسم مرحلة “حَبّ الشباب” على هذه الفترة من المراهقة، ففي هذه الفترة يشعر المراهق بضعف الثقة فيما يتعلق بمظهره الخارجي والتغييرات التي تطرأ عليه. ويعتقد بأن الجميع ينظر إليه، ويصعب على الأهل إقناعه بغير ذلك. وتنعكس حاجة المراهق لمزيد من الحرية في العديد من الأمور، فيبدأ برفض جميع أفكار ومعتقدات الأهل ويشعر بالإحراج إن وجد في مكان واحد مع أهله. وقد يبدو أكثر عصبية وتوتراً. كما يبدأ المراهق في هذه المرحلة باكتشاف نفسه جنسياً، وتزداد حاجته للخصوصية والانفراد بنفسه.
2- مرحلة المراهقة الوسطى:
تمتد مرحلة المراهقة الوسطى بين السنة الخامسة عشرة والسابعة عشرة من العمر تقريبا. أهم ما يميز هذه المرحلة، شعور المراهق بالاستقلال وفرض شخصيته الخاصة، وبسبب حاجته الماسة لإثبات نفسه، يصبح المراهق أكثر صداميه ونزاعا ضمن العائلة، فيرفض الانصياع لأفكار وقيم وقوانين الأهل ويصّر على فعل ما يحلو له. ويجرّب الكثير من المراهقين الأمور الممنوعة أو غير المحبذة عند الأهل، كالتدخين وشرب الكحول والسهر خارج المنزل لساعات متأخرة، ومصادقة الأشخاص المشبوهين، كنوع من التحدي للأهل ولفرض رأيهم الخاص.
ويصبح المراهق أكثر مجازفة ومخاطرة، ويعتمد على الأصدقاء للحصول على النصيحة والدعم، وليس على الأهل، (والمطلوب من الأهل في هذه المرحلة إظهار تفهم شديد لأطفالهم لكي لا يخسروا ثقتهم، وبنفس الوقت يضعوا قوانين واضحة لتصرفاتهم وتعاملاتهم، مع الآخرين ومع العائلة) وبما أن معظم التغييرات الجسدية قد حدثت في مرحلة المراهقة المبكرة، يصبح المراهق اقل اهتماما بمظهره الخارجي وأكثر اهتماما بجاذبيته للجنس الآخر، يستمرّ النّموّ الفكريّ للمراهق في هذه المرحلة، ويصبح أكثر قدرة على التفكير بشكل موضوعي والتخطيط للمستقبل، كما بإمكان المراهق أن يضع نفسه مكان الآخر، فيصبح لديه القدرة على أن يتعاطف مع الآخرين في هذه المرحلة.
3- مرحلة المراهقة المتأخّرة:
تمتد هذه المرحلة تقريبًا بين السنة الثامنة عشرة والحادية والعشرين من العمر وفي مجتمعنا قد تمتد هذه المرحلة فترة أطول، نظرا لاعتماد الأولاد على الأهل في الشؤون المادية والدراسية إلى ما بعد التخرج وفي بداية مرحلة العمل أيضاً.
يستطيع معظم الشباب في هذه المرحلة أن يعملوا بطريقة مستقلة، رغم انهماكهم بقضية هامة تتعلق برسم معالم هويتهم وشخصيتهم. ولأنّهم يشعرون بثقة أكبر اتجاه قراراتهم وشخصياتّهم، يعود الكثير منهم لطلب النصيحة والإرشاد من الأهل. ويأتي هذا التغيير في التصرف مفاجأة سارة للأهل، إذ يعتقد الكثير منهم أي الأهل أن النزاع والصراع أمر محتّم، قد لا ينتهي أبدا. ولذلك يتنفسون الصعداء.
من الهام جداً القول (فبالرغم من أن الأولاد اكتسبوا شخصيات مستقلة خلال مراهقتهم، تبقى القيم والأساليب التربوية للأهل واضحة وظاهرة في هذه الشخصيات الجديدة إن أحسن الأهل التصرف وتفهم هذه المرحلة الحرجة في حياة أولادهم).
أبرز المشكلات والتحديات السلوكية في حياة المراهق:
إن المراهقة تختلف من فرد إلى آخر، ومن بيئة جغرافية إلى أخرى، ومن سلالة إلى أخرى، كذلك تختلف باختلاف الأنماط الحضارية التي يتربّى في وسطها المراهق، فهي في المجتمع البدائي تختلف عنها في المجتمع المتحضر، وكذلك تختلف في مجتمع المدينة عنها في المجتمع الريفي، كما تختلف من المجتمع المتزمت الذي يفرض كثيراً من القيود والأغلال على نشاط المراهق، عنها في المجتمع الحر الذي يتيح للمراهق فرص العمل والنشاط، وفرص إشباع الحاجات والدوافع المختلفة.
كذلك فإن مرحلة المراهقة ليست مستقلة بذاتها استقلالاً تاماً، وإنما هي تتأثر بما مرَّ به الطفل من خبرات في المراحل السابقة، لأن نموا لشخصية عملية مستمرة ومتصلة.
ولأن النمو الجنسي الذي يحدث في المراهقة ليس من شأنه أن يؤدي بالضرورة إلى حدوث أزمات للمراهقين، فقد دلت التجارب على أن النظم الاجتماعية الحديثة التي يعيش فيها المراهق هي المسئولة عن حدوث أزمة المراهقة، فالمجتمعات القديمة لها مشاكلها الخاصة والمجتمعات الحديثة لها مشاكلها الخاصة والمجتمعات الشرقية مشاكلها تختلف عن المجتمعات الغربية بل لكل طبقة أو شريحة اجتماعية مشاكلها الخاصة ولكل نظام اجتماعي سياسي مشاكله الخاص التي يتعرض لها المراهق فالمجتمعات الضيقة المحدودة الحرية تختلف مشاكلها عن مشاكل المجتمعات المنفتحة.أي الديمقراطية، وهناك أشكال مختلفة للمراهقة، منها:
- مراهقة سوية خالية من المشكلات والصعوبات.
- مراهقة انسحابية، حيث ينسحب المراهق من مجتمع الأسرة، ومن مجتمع الأقران، ويفضل الانعزال والانفراد بنفسه، حيث يتأمل ذاته ومشكلاته.
- مراهقة عدوانية، حيث يتسم سلوك المراهق فيها بالعدوان على نفسه وعلى غيره من الناس والأشياء.
لنستعرض أبرز المشكلات والتحديات السلوكية التي تواجه المراهق وهي:
- الصراع الداخلي: حيث يعاني المراهق من وجود عدة صراعات داخلية، ومنها: صراع بين الاستقلال عن الأسرة والاعتماد عليها، وصراع بين مخلفات الطفولة ومتطلبات الرجولة والأنوثة، وصراع بين طموحات المراهق الزائدة وبين تقصيره الواضح في التزاماته، وصراع بين غرائزه الداخلية وبين التقاليد الاجتماعية، والصراع الديني بين ما تعلمه من شعائر ومبادئ ومسلمات وهو صغير وبين تفكيره الناقد الجديد وفلسفته الخاصة للحياة، وصراعه الثقافي بين جيله الذي يعيش فيه بما له من آراء وأفكار والجيل السابق له.
- الاغتراب والتمرد: فالمراهق يشكو من أن والديه لا يفهمانه، ولذلك يحاول الانسلاخ عن مواقف وثوابت ورغبات الوالدين كوسيلة لتأكيد وإثبات تفرده وتمايزه، وهذا يستلزم معارضة سلطة الأهل؛ لأنه يعد أي سلطة فوقية أو أي توجيه إنما هو استخفاف لا يطاق بقدراته العقلية التي أصبحت موازية جوهرياً لقدرات الراشد، واستهانة بالروح النقدية المتيقظة لديه، والتي تدفعه إلى تمحيص الأمور كافة، وفقا لمقاييس المنطق، وبالتالي تظهر لديه سلوكيات التمرد والمكابرة والعناد والتعصب والعدوانية.
- الخجل والانطواء: فالتدليل الزائد والقسوة الزائدة يؤديان إلى شعور المراهق بالاعتماد على الآخرين في حل مشكلاته، لكن طبيعة المرحلة تتطلب منه أن يستقل عن الأسرة ويعتمد على نفسه، فتزداد حدة الصراع لديه، ويلجأ إلى الانسحاب من العالم الاجتماعي والانطواء والخجل.
- العصبية وحدة الطباع: السلوك المزعج فالمراهق يتصرف من خلال عصبيته وعناده، يريد أن يحقق مطالبه بالقوة والعنف الزائد، ويكون متوتراً بشكل يسبب إزعاجاً كبيراً للمحيطين به.
وتجدر الإشارة إلى أن كثيراًَ من الدراسات العلمية تشير إلى وجود علاقة قوية بين وظيفة الهرمونات الجنسية والتفاعل العاطفي عند المراهقين، بمعنى أن المستويات الهرمونية المرتفعة خلال هذه المرحلة تؤدي إلى تفاعلات مزاجية كبيرة على شكل غضب وإثارة وحدة طبع عند الذكور، وغضب واكتئاب عند الإناث. والذي يسببه رغبة المراهق في تحقيق مقاصده الخاصة دون اعتبار للمصلحة العامة، وبالتالي قد يصرخ، يشتم، يسرق، يركل الصغار ويتصارع مع الكبار، يتلف الممتلكات، يجادل في أمور تافهة، يتورط في المشاكل، يخرق حق الاستئذان، ولا يهتم بمشاعر غيره.
ومن مظاهر وخصائص مرحلة المراهقة: “الغرق في الخيالات، وقراءة القصص الجنسية والروايات البوليسية وقصص العنف والإجرام، كما يميل إلى أحلام اليقظة، والحب من أول نظرة، كذلك يمتاز المراهق بحب المغامرات، وارتكاب الأخطار، والميل إلى التقليد، كما يكون عرضة للإصابة بأمراض النمو، مثل: فقر الدم، وتقوس الظهر، وقصر النظر”.
وهناك بعض المشاكل التي تظهر في مرحلة المراهقة، مثل: ” الانحرافات الجنسية، والميل الجنسي لأفراد من نفس الجنس، والجنوح، وعدم التوافق مع البيئة، والاعتداء، والسرقة، “، هذه الانحرافات تحدث نتيجة حرمان المراهق في المنزل والمدرسة من العطف والحنان والرعاية والإشراف، وعدم إشباع رغباته “أن مرحلة المراهقة بخصائصها ومعطياتها هي أخطر منعطف يمر به الشباب، وأكبر منزلق يمكن أن تزل فيه قدمه؛ إذا انعدم التوجيه والعناية.
ومن أبرز المخاطر التي يعيشها المراهقون في تلك المرحلة: “فقدان الهوية والانتماء، وافتقاد الهدف الذي يسعون إليه، وتناقض القيم التي يعيشونها، فضلاً عن مشكلة الفراغ”.
ملاحظة: اتفق خبراء الاجتماع وعلماء النفس والتربية على أهمية إشراك المراهق في المناقشات العلمية المنظمة التي تتناول علاج مشكلاته، وتعويده على طرح مشكلاته، ومناقشتها مع الكبار في ثقة وصراحة، وكذا إحاطته علماً بالأمور الجنسية عن طريق التدريس العلمي الموضوعي، حتى لا يقع فريسة للجهل والضياع أو الإغراء، كما أوصوا بأهمية تشجيع النشاط الترويحي الموجه والقيام بالرحلات والاشتراك في الأنشطة العامة والشعبية والأندية، كما يجب توجيههم نحو العمل بمعسكرات الكشافة، والمشاركة في مشروعات الخدمة العامة والعمل الصيفي كحماية البيئة والعمل الشعبي… إلخ.
كما أكدت الدراسات العلمية أن أكثر من 80% من مشكلات المراهقين في عالمنا العربي نتيجة مباشرة لمحاولة أولياء الأمور تسيير أولادهم بموجب آرائهم وعاداتهم وتقاليد مجتمعاتهم، ومن ثم يحجم الأبناء، عن الحوار مع أهلهم؛ لأنهم يعتقدون أن الآباء إمّا أنّهم لا يهتمون بأن يعرفوا مشكلاتهم، أو أنهم لا يستطيعون فهمها أو حلها.
وقد أجمعت الاتجاهات الحديثة في دراسة طب النفس أن الأذن المصغية في تلك السن هي الحل لمشكلاتها، كما أن إيجاد التوازن بين الاعتماد على النفس والخروج من دائرة الحاجة للنصح والتوجيه، إلى دائرة الصداقة والتواصي وتبادل الخواطر، و بناء جسر من الصداقة لنقل الخبرات بلغة الصديق والأخ لا بلغة ولي الأمر، هو السبيل الأمثل لتكوين علاقة حميمة بين الآباء وأبنائهم في سن المراهقة ,اذاً لنستمع لهم باهتمام ونحاورهم باحترام , ننتقد السلوك السيئ دون أن نجرح كبرياءهم أو نكسر شعورهم أو نحبطهم*وقد أثبتت الدراسات المتخصصة.أن المراهقين في الأسرة المتماسكة ذات الروابط القوية التي يحظى أفرادها بالترابط واتخاذ القرارات المصيرية في مجالس عائلية محببة يشارك فيها الجميع، ويهتم جميع أفرادها بشؤون بعضهم البعض، هم الأقل ضغوطًا، والأكثر إيجابية في النظرة للحياة وشؤونها ومشاكلها، في حين كان الآخرون أكثر عرضة للاكتئاب والضغوط النفسية.
لنقدم الآن نماذج محددة من مشكلات المراهقين والحلول الصحيحة لها، علنا نساهم في مساعدة الأهل على حسن التعامل مع المراهق ومشاكله.
المشكلة الأولى: وجود حالة من “الضدية” أو السباحة ضد تيار الأهل بين المراهق وأسرته، وشعور الأهل والمراهق بأن كل واحد منهما لا يفهم الآخر.
السبب في حدوث هذه المشكلة يكمن في اختلاف مفاهيم الآباء عن مفاهيم الأبناء، واختلاف البيئة التي نشأ فيها الأهل وتكونت شخصيتهم خلالها وبيئة الأبناء، وهذا طبيعي لاختلاف الأجيال والأزمان، فالوالدان يحاولان تسيير أبنائهم بموجب آرائهم وعاداتهم وتقاليد مجتمعاتهم، وبالتالي يحجم الأبناء عن الحوار مع أهلهم؛ لأنهم يعتقدون أن الآباء إما أنهم لا يهمهم أن يعرفوا مشكلاتهم، أو أنهم لا يستطيعون فهمها، أو أنهم – إن فهموها – ليسوا على استعداد لتعديل مواقفهم، الحل المقترح إحلال الحوار الحقيقي بدل التنافر والصراع والاغتراب المتبادل، ولا بد من تفهم وجهة نظر الأبناء فعلاً لا شكلاً بحيث يشعر المراهق أنه مأخوذ على محمل الجد ومُعترَف به وبتفرده – حتى لو لم يكن الأهل موافقين على كل آرائه ومواقفه – وأن له حقاً مشروعاً في أن يصرح بهذه الآراء. الأهم من ذلك أن يجد المراهق لدى الأهل آذاناً صاغية وقلوباً متفتحة من الأعماق، لا مجرد مجاملة، كما ينبغي أن نفسح له المجال ليشق طريقه بنفسه حتى لو أخطأ، فالأخطاء طريق للتعلم.
وليختر الأهل الوقت المناسب لبدء الحوار مع المراهق، بحيث يكونون غيرَ مشغوليَن، وأن يتحدثوا وهم جالسون جلسة أصدقاء متآلفين، يبتعدون فيها عن التكلف والتجمل، وليحذروا نبرة التوبيخ، والنهر، والتسفيه والابتعاد عن الأسئلة التي تكون إجاباتها “بنعم” أو “لا”، أو الأسئلة غير الواضحة وغير المباشرة، وأفسحا له مجالاً للتعبير عن نفسه، ولا تستخدما ألفاظاً قد تكون جارحة دون قصد، مثل: “كان هذا خطأ” أو “ألم أنبهك لهذا الأمر من قبل؟”.
المشكلة الثانية: شعور المراهق بالخجل والانطواء، الأمر الذي يعيقه عن تحقيق تفاعله الاجتماعي، وتظهر عليه هاتين الصفتين من خلال احمرار الوجه عند التحدث، والتلعثم في الكلام وعدم الطلاقة، وجفاف الحلق.
السبب: إن أسباب الخجل والانطواء عند المراهق متعددة، وأهمها: عجزه عن مواجهة مشكلات المرحلة، وأسلوب التنشئة الاجتماعية الذي ينشأ عليه، فالتدليل الزائد والقسوة الزائدة يؤديان إلى شعوره بالاعتماد على الآخرين في حل مشكلاته، لكن طبيعة المرحلة تتطلب منه أن يستقل عن الأسرة ويعتمد على نفسه، فيحدث صراع لديه، ويلجأ إلى الانسحاب من العالم الاجتماعي، والانطواء والخجل عند التحدث مع الآخرين. الحل المقترح: توجيه المراهق بصورة دائمة وغير مباشرة، وإعطاء مساحة كبيرة للنقاش والحوار معه، والتسامح معه في بعض المواقف الاجتماعية، وتشجيعه على التحدث والحوار بطلاقة مع الآخرين، وتعزيز ثقته بنفسه.
المشكلة الثالثة: عصبية المراهق واندفاعه، وحدة طباعه، وعناده، ورغبته في تحقيق مطالبه بالقوة والعنف الزائد، وتوتره الدائم بشكل يسبب إزعاجاً كبيراً للمحيطين به.
السبب: لعصبية المراهق أسباباً كثيرة، منها مرتبطة بالتكوين الموروث في الشخصية، في هذه الحالة يكون أحد الوالدين عصبياً فعلاً، ومنها بيئية، مثل، نشأة المراهق في جو تربوي مشحون بالعصبية والسلوك المشاكس الغضوب.
كما أن الحديث مع المراهقين بفظاظة وعدوانية، والتصرف معهم بعنف، يؤدي بهم إلى أن يتصرفوا ويتكلموا بالطريقة نفسها، بل قد يتمادون للأشد منها تأثيراً، فالمراهقون يتعلمون العصبية في معظم الحالات من الوالدين أو المحيطين بهم، كما أن تشدد الأهل معهم بشكل مفرط، ومطالبتهم بما يفوق طاقاتهم وقدراتهم من التصرفات والسلوكيات، يجعلهم عاجزين عن الاستجابة لتلك الطلبات، والنتيجة إحساس هؤلاء المراهقين بأن عدواناً يمارس عليهم، يؤدي إلى توترهم وعصبيتهم، ويدفعهم ذلك إلى عدوانية السلوك الذي يعبرون عنه في صورته الأولية بالعصبية، فالتشدد المفرط هذا يحولهم إلى عصبيين، ومتمردين. وهناك أسباب أخرى لعصبية المراهقين كضيق المنزل، وعدم توافر أماكن للهو، وممارسة أنشطة ذهنية أو جسدية، وإهمال حاجتهم الحقيقية للاسترخاء والراحة لبعض الوقت.
الحل المقترح الذي يخفف من عصبية المراهق الشعور بالأمان، والحب، والعدل، والاستقلالية، والحزم، فلا بد للمراهق من الشعور بالأمان في المنزل.. الأمان من مخاوف التفكك الأسري، والأمان من الفشل في الدراسة، والأمر الآخر هو الحب فكلما زاد الحب للأبناء زادت فرصة التفاهم معهم، فيجب ألا نركز في حديثنا معهم على التهديد والعقاب، والعدل في التعامل مع الأبناء ضروري؛ لأن السلوك التفاضلي نحوهم يوجد أرضاً خصبة للعصبية، فالعصبية ردة فعل لأمر آخر وليست المشكلة نفسها، والاستقلالية مهمة، فلا بد من تخفيف السلطة الأبوية عن الأبناء وإعطائهم الثقة بأنفسهم بدرجة أكبر مع المراقبة والمتابعة عن بعد، فالاستقلالية شعور محبب لدى الأبناء خصوصاً في هذه السن، ولابد من الحزم مع المراهق، فيجب ألا يترك لفعل ما يريد بالطريقة التي يريدها وفي الوقت الذي يريده ومع من يريد، وإنما يجب أن يعي أن مثل ما له من حقوق، فإن عليه واجبات يجب أن يؤديها، وأن مثل ما له من حرية فللآخرين حريات يجب أن يحترمها.
المشكلة الرابعة: ممارسة المراهق للسلوك المزعج، كعدم مراعاة الآداب العامة، والاعتداء على الناس، وتخريب الممتلكات والبيئة والطبيعة، وقد يكون الإزعاج لفظياً أو عملياً.
السبب: رغبته في تحقيق مقاصده الخاصة دون اعتبار للمصلحة العامة، والأفكار الخاطئة التي تصل لذهنه من أن المراهق هو الشخص القوي الشجاع، وهو الذي يصرع الآخرين ويأخذ حقوقه بيده لا بالحسنى، وأيضاً الإحباط والحرمان والقهر الذي يعيشه داخل الأسرة، وتقليد الآخرين والاقتداء بسلوكهم الفوضوي، والتعثر الدراسي، ومصاحبة أقران السوء.
أما مظاهر السلوك المزعج، فهي: نشاط حركي زائد يغلب عليه الاضطراب والسلوكيات المرتجلة، واشتداد نزعة الاستقلال والتطلع إلى القيادة، وتعبير المراهق عن نفسه وأحاسيسه ورغباته بطرق غير لائقة (الصراخ، الشتم، السرقة، القسوة، الجدل العقيم، التورط في المشاكل، والضجر السريع، والتأفف من الاحتكاك بالناس، وتبرير التصرفات بأسباب واهية، والنفور من النصح، والتمادي في العناد).
الحل المقترح: تبصير المراهق بعظمة المسؤوليات التي تقع على كاهله وكيفية الوفاء بالأمانات، وإشغاله بالخير والأعمال المثمرة البناءة، وتصويب المفاهيم الخاطئة في ذهنه، ونفي العلاقة المزعومة بين الاستقلالية والتعدي على الغير، وتشجيعه على مصاحبة الجيدين من الأصدقاء ممن لا يحبون أن يمدوا يد الإساءة للآخرين، وإرشاده لبعض الطرق لحل الأزمات ومواجهة عدوان الآخرين بحكمة، وتعزيز المبادرات الإيجابية إذا بادر إلى القيام بسلوك إيجابي يدل على احترامه للآخرين من خلال المدح والثناء، والابتعاد عن الألفاظ الاستفزازية والسلبية وتجنب التوبيخ قدر المستطاع.
المشكلة الخامسة: تعرض المراهق إلى سلسلة من الصراعات النفسية والاجتماعية المتعلقة بصعوبة تحديد الهوية ومعرفة النفس يقوده نحو التمرد السلبي على الأسرة وقيم المجتمع، ويظهر ذلك في شعوره بضعف الانتماء الأسري، وعدم التقيد بتوجيهات الوالدين، والمعارضة والتصلب في المواقف، والتكبر، والغرور، وحب الظهور، وإلقاء اللوم على الآخرين، التلفظ بألفاظ نابية.
السبب: غياب التوجيه السليم، والمتابعة اليقظة المتزنة، والقدوة الصحيحة يقود المراهق نحو التمرد، ومن أسباب التمرد أيضاً: عيش المراهق في حالة صراع بين الحنين إلى مرحلة الطفولة المليئة باللعب وبين التطلع إلى مرحلة الشباب التي تكثر فيها المسؤوليات، وكثرة القيود الاجتماعية التي تحد من حركته، وضعف الاهتمام الأسري بمواهبه وعدم توجيهها الوجهة الصحيحة، وتأنيب الوالدين له أمام إخوته أو أقربائه أو أصدقائه، ومتابعته للأفلام والبرامج التي تدعو إلى التمرد على القيم الدينية والاجتماعية والعنف.
الحل المقترح: السماح للمراهق بالتعبير عن أفكاره الشخصية، وتوجيهه نحو البرامج الفعالة لتكريس وممارسة مفهوم التسامح والتعايش في محيط الأندية الرياضية والثقافية والاشتراك مع المراهق في عمل أنشطة يفضلها، وذلك لتقليص مساحات الاختلاف وتوسيع حقول التوافق وبناء جسور التفاهم، وتشجيع وضع أهداف عائلية مشتركة واتخاذ القرارات بصورة جماعية مقنعة، والسماح للمراهق باستضافة أصدقائه في البيت مع الحرص على التعرف إليهم والجلوس معهم لبعض الوقت، وتجنب عبارات: أنت فاشل، عنيد، متمرد، اسكت يا سليط اللسان، أنت دائماً تجادل وتنتقد، أنت لا تفهم أبداً…إلخ؛ لأن هذه الكلمات والعبارات تستفز المراهق وتجلب المزيد من المشاكل والمتاعب ولا تحقق المراد من العلاج.
إن التعامل مع المراهق علم وفن معاً، لذلك لابد من الانتباه لما يلي:
معرفة كيف نهيئ الطفل للدخول في مرحلة المراهقة وذلك انسجاماً مع تحقيق واجبات النمو السليم، وبناء شخصية منسجمة ومتكيفة، ويتم ذلك بخطوات كثيرة، منها:
- إعلام المراهق أنه ينتقل من مرحلة إلى أخرى، فهو يخرج من مرحلة الطفولة إلى مرحلة جديدة، تعني أنه كبر وأصبح مسؤولاً عن تصرفاته، لأنه وصل إلى النضج العقلي والنفسي الذي يجعله قادراً على تحمل نتيجة أفعاله واختياراته، وأنه مثلما زادت مسؤولياته فقد زادت حقوقه، وأصبح عضواً كاملاً في الأسرة يشارك في القرارات، ويؤخذ رأيه، وتوكل له مهام يؤديها للثقة فيه وفي قدراته.
- وأن التغيرات الجسدية، والعاطفية، والعقلية، والاجتماعية، التي تحدث في شخصيته هي نتيجة لثورة لا بد منها فهو لم يعد طفلاً يلعب ويلهو، بل أصبح له دور في الحياة، لذا فإن إحساسه العاطفي نحو الجنس الآخر أو شعوره بالرغبة يجب أن يوظف لأداء هذا الدور، فالمشاعر العاطفية والجنسية ليست من الأمور التي يجب أن نخجل منها أو نتنكر لها بل لها دوراً في بناء الشخصية والتواصل الإنساني، وهي مشاعر سامية إذا أحسن توظيفها وتوجيهها الاتجاه الصحيح.بما يحقق سعادة الفرد والمجتمع.
- التفهم الكامل لما يعاني منه المراهق من قلق وعصبية وتمرد، وامتصاص غضبه؛ لأن هذه المرحلة هي مرحلة الإحساس المرهف، مما يجعل المراهق شخصاً سهل الاستثارة والغضب، ولذلك على الأهل بث الأمان والاطمئنان في نفس ابنهم.
- إشاعة روح الشورى والديمقراطية في الأسرة؛ لأن تطبيقها يجعل المراهق يدرك أن هناك رأياً ورأياً آخر معتبراً لا بد أن يحترم، ويعلمه ذلك أيضاً كيفية عرض رأيه بصورة عقلانية منطقية، ويجعله يدرك أن هناك أموراً إستراتيجية لا يمكن المساس بها، منها على سبيل المثال النظام العام، والتماسك الأسري، والأخلاق والقيم.
ملاحظة: “إياكم أن تنتقدوهم أمام الآخرين، وأنصتوا لهم باهتمام شديد عندما يحدثونكم، ولا تقاطعوهم، ولا تسفهوا آراءهم” وقد أثبتت الدراسات أن عبارات المديح لها أثر إيجابي في تحسين مستوى التحصيل الدراسي لدى أطفال كانوا يعانون من صعوبات التعلم ونقص التركيز. وهذه العبارات محببة إلى قلوب الأبناء والبنات من المراهقين، واحرصوا على استعمال أساليب التشجيع والثناء الجسدية، مثل (الابتسامة، الاحتضان، مسك الأيدي، اربت على كتفه، المسح على الرأس).
وقبل الختام من المفيد أن نذكر بأنه يجب على الأهل استثمار هذه المرحلة إيجابياً، وذلك بتوظيف وتوجيه طاقات المراهق لصالحه شخصياً، ولصالح أهله، وبلده، والمجتمع ككل. وهذا لن يتأتى دون منح المراهق الدعم العاطفي، والحرية ضمن ضوابط المجتمع، والثقة، وتنمية تفكيره الإبداعي، وتشجيعه على القراءة والاطلاع، وممارسة الرياضة والهوايات المفيدة، وتدريبه على مواجهة التحديات وتحمل المسؤوليات، واستثمار وقت فراغه بما يعود عليه بالنفع. الشباب هم أمل الحاضر وكل المستقبل، والشباب هم مستقبل الأسرة وهم أملها في مستقبل أفضل.
المراهقة مرحلة التغير من الطفولة إلى الرجولة أو الأنوثة ومقاربة البلوغ فيجب على الأب والأم تغيير معاملتهما لأبنائهما وبناتهما، والقاعدة تقول: إذا كان الطفل يتغير فلابد أن يتغير الأب والأم في أسلوب تعاملهما معه، فالمراهق يجب أن يعامل كرجل والبنت يجب أن تعامل معاملة امرأة وبهذه المعاملة الجيدة يخف الصراع الذي يحدث بين الأب والأم من جهة وبين الابن والبنت من جهة أخرى.
ولابدّ من التركيز على الملاحظات الآتية:
الطفل الخلوق لا يصبح سيئاً فجأة، كل الأمور السيئة التي قد تصدر عن المراهق مثل التدخين أو الكذب أو الهروب من المنزل بعد مشادة كلامية، كلها تصرفات ممكن منع حدوثها قبل أن تحدث. أمثلة:
المثال الأول: الضغط من الأصدقاء هو أكثر ما يكون خلال مرحلة المراهقة!.
الضغط والتأثير من الأصدقاء قد أعطي أكثر مما يستحق من الناحية السلبية، رغم أنه قد يكون إيجابياً في بعض الأحيان! بشكل عام، المراهق يتخذ أصحاباً يبادلونه نفس القيم والأفكار والأذواق؛ ومع هذا، فإن الوالدين هما المؤثر الأكبر في حياة أطفالهم. الأبحاث تشير إلى أن الآباء الذين يتابعون كل أمور أولادهم عن قرب حتماً سيمنعون أي تصرف خاطئ قبل حدوثه. كما أن المتابعة الدائمة ومعرفة كل ما يدور حول المراهق يعطي هذا الطفل رسالة هامة وهي (مع كل امتياز جديد يمنح له، تزيد المسؤولية). فإن أعطي مثلاً زيادة في الوقت لزيارته صديقه، يجب أن يتحمل المسؤولية ويأتي حسب الموعد المحدد له بلا تأخر حتى يحافظ على هذا الامتياز.
المتابعة والمراقبة هنا ليست تقييداً لحريته بل تعني وضع قوانين وإرشادات وحدود عامة على المراهق أن يتقيد بها، ويتطلب ذلك متابعة الوالدين الدائمة لأولادهم والتواجد الدائم لإرشادهم إلى بعض الحلول للمشاكل التي قد يتعرضون لها في حالة حاجتهم؛ مثل: ماذا يفعل في حالة الطوارئ؟ ولكن المتابعة الدائمة لا تعني شلّ حركته، وعمل القرارات نيابة عنه والتحكم في كل تصرف أو التدخل في كل الحالات سواء احتاجت لرأي الوالدين أم لا. يجب أن يعرف الوالدان حدود التدخل بلا مبالغة., وحدود الحرية دون تسيب قد يشتكي المراهق من أن والديه “لا يثقان به” ويبالغان في الاهتمام، ولكن هناك شعور خفي بالأمان داخل الطفل لمعرفته أن والديه مهتمان به ولهذا يسألانه دائماً. يجب أن يدرك الأهل أن متابعة أمور أطفالهم هو حقهم ومسؤوليتهم التربوية.. ولكن نتذكر أن المراهق قد يحتاج إلى إعطائه بعضاً من الحريات أكثر من الطفل الصغير ليبدأ مرحلة الاعتماد على النفس، وسيكون المراهق بحاجة إلى متابعة تصرفاته من قبل الوالدين بطريقة عقلانية لا تثير توتره. بما أننا كأمهات وآباء لا يمكننا متابعة أطفالنا على مدار الساعة، إلا أن وضع القوانين العائلية الواضحة ستساعد الأهل متابعة أطفالهم حتى وهم بعيدون عنهم.
المثال الثاني: المراهقون يفضلون أصدقاءهم أكثر من والديهم!
في فترة المراهقة يضيق الزمن المخصص للأهل ويصبح الصديق أهم. ويبدأ بتحديد شخصية خاصة به من خلال ما يقوم به، المكان الذي يذهب إليه، والمعلومات التي يعرفها. ولكن يجب الحذر من أن المراهقين الضعفاء الشخصية أو من لديهم قلق دائم من المستقبل، يبحثون دوماً عن طرق لإرضاء “الأصدقاء لكي تساعد ابنك على اتخاذ القرارات السليمة عليك: أن تبقى على علاقة بابنك. تكلم معه، استمع إليه، اعرف أصدقاءه، ما يدور في المدرسة، وما يدور حولهم بشكل عام. بالطبع الأهل مشغولون بأعمالهم، والمراهقون مشغولون بالنشاطات المدرسية، وليس لديهم الوقت للتعامل، ولهذا السبب هذا الأمر يحتاج إلى جهد حقيقي – عرف ابنك المراهق أنك دائماً على استعداد للاستماع إليه.
استغل كل الأنشطة اليومية والمنزلية لتجعلك أقرب إليه.
هند (16عاماً) قالت: ربما الخوف من العقاب هو السبب فمنذ صغري وأنا أسمع كلمات النهي، فهذا عيب وهذا حرام، وهذا ممنوع، وذلك لا يجوز، فبقي الخوف لدي منذ الصغر بأن ما أقوله لأهلي يحرجني فاضطر لأقول كل شي لأصدقائي.
ويبدو بأن الفتى علاء (17عاماً) كأنه ينتظر من زمن هذا السؤال: لماذا لا يبوح الأبناء بأسرارهم؟ قال بكل غضب أين هم الأهل أصلاً؟ همهم توفير الشراب والطعام واللباس والاحتياجات الأخرى أما حاجاتنا النفسية فهي آخر ما يفكرون بها أو لا يفكرون فيها على الإطلاق.
ووافقته الرأي الفتاة نجلاء شاهين (16 عاماً) باتهام الأهل إذ تقول: إن أهلي لم يقوموا ولو لمرة واحدة بفتح الحوار معي وأشعر أنهم يحاولون التهرب من الاستماع إلي، وحاولت مراراً عدة أن أتحدث مع أمي لكتها تتهرب مني. أما الشخص الذي تبوح هبة بأسرارها فهو دفتر مذكراتها، فقالت: أسجل كل ما يخص حياتي في مذكرات يومية وبشكل تفصيلي وأعتبره بيت سري الوحيد.
المثال الثالث: بعضكم الآن يقول:
ابني المراهق لا يكلمني، لا أتمكن من كسب ثقته ليفتح قلبه لي.
المراهق يحب الكلام! ولكن يحب أكثر أن يجد أذناً مستمعة. بمجرد سؤالك له: “كيف كان يومك؟” سيبدأ بالكلام، انظر إليه باهتمام ليعرف أنك بالفعل تصغي، سيقوم بإخبارك بكل شيء تريد معرفته. ولكن إن كان كل كلامك مثل: “نظف غرفتك” أو “انظر إلي عندما أكلمك” وكأنه موجود للتأنيب فقط، فإنه سيبدأ بالابتعاد وتقليل الكلام. يجب أن يكون هناك توازن ما بين الكلام الروتيني والحوار العميق.
المراهقون يتمنون مناقشته القضايا التالية مع والديهم
– الأمور العائلية مثل العطلات، القرارات، القوانين، وقت العودة للمنزل مساء، وقت النوم، الأمراض، المشاكل المالية/ المواضيع الحساسة مثل العلاقات الجنسية، الحياة، التدخين.
– المواضيع العاطفية مثل مشاعر الوالدين تجاههم.
– أسئلة تتعلق بلماذا؟ مثل: لماذا يجوع بعض الناس؟ لماذا وجدت الحروب؟ والعديد من المواضيع الفلسفية – المستقبل – مثل العمل، الجامعة، الحياة المستقبلية بعد الخروج من المنزل.
– الأوضاع الراهنة – ماذا يحدث في العالم والجالية، اهتمامات شخصية – مثل الهوايات، الرياضة، الأصدقاء – الوالدين – يحب المراهق أن يتحدث مع والديه، عنهما؛ مثل العمر، قصص من الحياة تثبت أنهما ليسا مجرد والدين يوجهان، بل كانا مراهقين ويفهمان ما يدور بعقل هذا الطفل.
إذن المراهق ليس مجرد طفل يمر بفترة عناد ومقاومة، بل إنسان يشعر ويهتم بأمور كثيرة قد لا تخطر ببال الوالدين.
ومن خلال وجود النت والتلفاز بمحطاته الفضائية المتنوعة، فإنه يحصل على الكثير من المعلومات التي قد يمنعها الوالدان، وهنا أصبح عمل الوالدين أصعب للقيام بتصحيح وتوظيف كل هذه المؤثرات الخارجية ليعرف الخطأ والصواب، من تبرز من جديد أهمية الحوار لأنه سينمي في المراهق كيف يحاور ويناقش بهدوء وبإقناع، وحثهم دوماً أن يميزوا ما بين ماذا “يحتاجون” وماذا “يريدون”. هذا تدريب جيد بالنسبة لهم حيث يشغل العقل ويوعيه ويجعل النقاش بفكر لا بعاطفة. ثم استمع إليه وحلل الموقف وفكر قبل إصدار القرار، هذا سيعلمه أن يتصرف بالمثل.
بعضهم يقول: ابني المراهق يقول: أتمنى لو كان أبي هو أبو صديقي فلان وكذلك عن الأم هذا يعني أن ابنك فعلاً لديه حدود ممنوع أن يتخطاها. من المهم جداً أن نعرف بأننا بالنسبة لأبنائنا قدوة ويجب أن نحرص على أن نكون قدوة حسنة بالفعل والسلوك وبطرق التفكير، فافعل ما تريد طفلك أن يفعل دون أن تحتاج لتأنيبه أو محاسبته. إن كنت تتوقع أن يخبرك ابنك أين يذهب وماذا يفعل ومتى يعود، يجب أن تكون قدوة وتعطيه نفس المعلومات عن نفسك، ليعرف أن كل شخص في المنزل يهمه الشخص الآخر وأن كل شخص محاسب. إن أردتِ أن يكون لبقاً في ألفاظه ولا يستخدم ألفاظاً سيئة، فيجب أن تمارس نفس العادة.
المراهق مزاجي، عنيد، وغير جاد المراهق لا يهمه إلا نفسه (أناني) المراهق مهتم بالمعرفة، خيالي، ولديه الكثير من الأفكار الجديدة التي يتعلق بالعالم حوله. هذه المرحلة هي الفترة الهامة جداً للنمو الاجتماعي والعقلي. يمر خلالها المراهق بالكثير من التغيرات البدنية، ولكن تأثير هذه التغيرات يعتمد على حياته الاجتماعية، شخصيته وانفعالياته. المراهق في هذا السن يستطيع التفكير بأمور معقدة ومحاولة حلها. وبالإرشادات المنطقية، سيتمكن هذا المراهق فعلاً من إصدار قرارات واعية.
حتى يكون مهتماً بغيره، يجب أن تهتم بأموره من خلال الحوار وإعطائه اهتماماً خلال الكلام. ماذا يعني أن تكون قدوة؟ القدوة أن تفعل ما تطلب فعله. فالمراهق مرآة تعكس تصرفاتنا علينا. ونرى أنفسنا فيها على حقيقتها. حوارك مع ابنك المراهق فرصة جيدة للإجابة على أسئلة “لماذا”، هذه الأسئلة ستقرب الطرفين، يسألك فتجيب، تسأله سيجيبك. والأسئلة المفتوحة والتي تحتاج إلى إجابة بأكثر من لا ونعم، مثل (ما هو رأيك في كذا..؟)، (لماذا تعتقد أن هذا التصرف خاطئ من قبل فلان؟)، (ما هو الحل في رأيك؟). هذه أسئلة جيدة وتدريبات مناسبة لفهم الطرف الآخر والتعود على الإصغاء.
من المهم أن تؤكد له أنه مهم جداً ورأيه مهم. هذا يتم عن طريق إخباره بما تجده إيجابياً لديه، وهذا سيدعم إيجابياته وسيحاول أن يكون عند حسن الظن دوماً. الثقة مهمة، اثبت أنك تثق به وبعقله وهو دوماً سيحاول ألا يسيء استخدام هذه الثقة، ولكن كون يقظ فلا تفوتك شاردة ولا واردة إلا وتكون على علم بها. من خلا الحب والثقة والتفاهم الموزع ما بين كل أطفالك سيجعل الحياة أيسر وينمي أطفالك بشكل صحيح.
للحصول على ما تريد من ابنك المراهق يجب أن تخصص وقتاً له، الدراسات تؤكد أن المراهقين يريدون قضاء وقت أطول وليس أقصر مع أهلهم. لا تلاحق كل تطور وتجعل منه مشكلة، بل خوض فقط في الأمور الكبيرة، واترك الصغيرة كتجارب له، مثلاً ستجده مهتماً بوجهه والبثور التي ظهرت، سيكون مهتماً بشكل شعره، ملابسه، لا تدقق في الأمر كثيراً وتجعل من المشاكل الصغيرة كبيرة.
– لا تظن أنه أصبح كبيراً ولا يحتاج للكثير من الرعاية، بل هو لا يزال يحتاج إلى حنان وحب مهما كبر، ولا يزال معتمداً عليكِ، ولكن احتياجاته اختلفت عن الطفل الصغير، كلاهما يحتاج إلى الرعاية ولكن بطريقة مختلفة. – ابنك المراهق هو فرد ويجب احترامه، ولا يمكنك أن تشكل شخصية هذا المراهق كما تريد، ولكن بإمكانك أن ترشده للصواب وتكون له ناصحاً.
وقبل أن نشكركم لا بدّ من طرح الأسئلة المفتوح للنقاش والإجابة عليها ليس بالضرورة أن تكون دفعة واحدة ومرة واحدة وبزمن واحد؟.
هل المناخ الديمقراطي السائد في الأسرة له دور في بناء شخصية المراهق ايجابياً وهل نحن حقاً ديمقراطيين في أسرنا مع الزوجة والأولاد؟! هل لهذا علاقة بقبول ابننا لنا وهل رفضه لنا يتناقض مع الديمقراطية أو مع ما ربيناه عليه؟.
النظام الإداري المطبق في مدارسنا وبكل المراحل النظام النظري والتطبيق الحقيقي هل منسجمين وهل ساعد هذا وذاك على بناء جيل سوي وديمقراطي؟.
هل ما زلنا نميز بين الجنسين في المعاملة داخل وخارج الأسرة؟ وهل هذا له انعكاساته السلبية في بناء شخصية المراهق والمراهِقة؟.
هل عودناه على التفكير النقدي وكنا له قدوة حسنه في ذلك؟.