المرأة والإرث
تعرضت الحضارة الإنسانية، لتبدلات وتقلبات، عبر الزمن، والاختلاف على وصفها قيمياً عائد لما يحمل كل واصف من قيم الحرية والعدالة والمساواة، حتى هذه القيم ليست من منظور ومستوى واحد لدى الشعوب، فما يراه شعب ما أنه عادل قد يكون لدى شعب آخر بعيداً عن العدالة، لكن هذه الاختلافات بدأت بالتناقص والتقلص بعد الكوارث الطبيعة والبشرية (الحروب) التي كان لها الدور الكبير في الالتقاء على قيم واحدة مشتركة لدى المجتمع الإنساني المعاصر وهي نوعاً ما ثابتة وتميل للتطور والرقي أكثر نحو القيم الفضلى (الحرية والعدالة والمساواة) كانت ثمارها “حقوق الإنسان” التي تسمى الإرث الإنساني المتراكم عبر الزمن في الضمير الإنساني ويجب أن يحصل عليها كل إنسان على هذا الكوكب.
الإرث الإنساني الذي انتقل إلينا منذ نشوء الإنسان أو حسب روايات الأديان من أمنا حواء وأبونا آدم، وللأسف هذه الصورة المتناقلة من وجهة نظر الأديان تنتقص من قيمة أمنا حواء ولا تعتبرها شريكة لأبونا آدم بل هي تابعة له وجزء منه ولا تساويه في الخلق ولا بالصفات الإنسانية وغالباً وصفت (باللعوب) وهذا الوصف الناقص انسحب على بقية الحقوق للمرأة دينياً كالحق بالحياة والحرية والتملك والقيادة، بالرغم من أن التاريخ الإنساني كانت المرأة فيه هي الإله الذي وهب الحياة للطبيعة ووهب الحب للبشر الإله (عشتار) وهي الحاكم (بلقيس اليمن وزنوبيا تدمر وحتشبسوت مصر). أما ما توصلت إليه الحضارة الإنسانية في هذا العصر من قيم توحد بين البشر بغض النظر عن الجنس أو العرق أو الدين أو الرأي أو الجغرافيا ومن هنا كانت المناداة بحقوق المرأة باعتبارها إنسان لها نفس حقوق الرجل وعليها نفس واجباته. فكيف يراها المشرع السوري؟
تضمن الدستور السوري في مبادئه الأساسية المادة الثالثة فقرة /3/ “الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع” أي أن الدولة دينها الإسلام وتشريعه تشريعها، وأخذت أبعد من ذلك بالتغول الديني إلى اعتبار الفقه الإسلامي مصدراً رئيسياً للتشريع أي أن أي تطور أو تحديث مرتبط بالإسلام ونظرة رجال الدين الإسلامي أو ما يسمى (بعلماء الفقه) هي المحددة لأي قانون أو تشريع سيصدر، لذلك لا نرى أي تحديث أو تطوير بحقوق المرأة المنتقصة والبعيدة كل البعد عن العدالة والمساواة كون هذه القيم يفترض أن يتضمنها أي تشريع إلهي أو بشري، فالقصد المفترض تحقيق العدالة، فهي الهدف والمبتغى والمبرر لوجود التشريعات والقوانين، فكيف هي الحال مع القاعدة الشرعية القانونية (للذكر حظ مثل حظ الأنثيين) وأين تصرف هذه القاعدة في مجال حقوق المرأة وحقوق الإنسان كونها مستمدة من النظرة الدونية للمرأة وعدم مساواتها للرجل قيمياً فهي تابع وهو الولي والسيد ورب الأسرة. تلك القاعدة القانونية المطبقة على الإرث الشرعي هي الصورة الأكثر سواداً في تمييزها للمرأة عن الرجل.
ناضلت المرأة السورية للحصول على حقوقها الكاملة باعتبارها إنساناً، لكن الحاجز الديني والعادات والتقاليد البالية، كانت العائق الأكبر أمامها، فأي تشريع ينتقص من حقوق المرأة يعتبر مخالفاً لمبادئ وحقوق الإنسان، والمجتمعات المغلقة تكمل على ما تبقى للمرأة من حقوق فتلغيها من قاموسها المريض، مع العلم أن المرأة في واقع هذه المجتمعات هي من يهتم بوالديها عند عجزهما وكبرهما في معظم الأحيان فهي المضحي بالوقت والجهد والمال في سبيلهما بالرغم من أن ملكيتهما تنصرف إلى أبنائهما الذكور في الغالب مع حرمان الإناث بشكل كامل من أي إرث وهنا العادات الظالمة زادت من ظلم المرأة وحتى طغت على الإرث الشرعي الذي هو بالأساس يفتقد للعدالة والمساواة في هذا الجانب كون الإرث القانوني يساوي بين الذكر والأنثى، لكنه مطبق على العقارات الأميرية فقط (العقارات خارج التنظيم والأموال المنقولة والأموال الغير منقولة التي لها سجل).
شهدنا في السنوات الأخيرة تطوراً للفكر الديني لدى بعض المفكرين الإسلاميين مثل الدكتور (محمد شحرور) وغيره من المفكرين الحداثيين، فكان علامة مضيئة في الفكر الديني الإسلامي ليكون أقرب إلى الحداثة ومتماشياً أكثر مع حقوق الإنسان، فنراه يفسر الآية القرآنية (للذكر مثل حظ الأنثيين) “إن الذكر يأخذ كما تأخذ الإناث وليس ضعفهما”، هذا المنحى يعطينا بصيص أمل لخرق الجمود في الفكر الديني، هذا التطور كما أراه هو الأقرب للعدل الكلي المقصود من أي تشريع سماوي، وإلا، لا يمكن الاستكانة، والتقديس لما يخالف العقل والمنطق الإنساني، فالإنسان أولاً وأخيراً هو الهدف من أي تشريع ومن لا يعتبر المرأة إنسانة تساوي الرجل بالحقوق والواجبات، غير مقدس ومن يضفي عليه صفة القداسة هي السلطة الذكورية لأنه محقق لمصالحها على حساب مصالح وحقوق المرأة الإنسانة، لذلك نرى هؤلاء يحاربون أي تطور وتحديث للقوانين وهذا ما أكدته تبريرات وأعذار الحكومات العربية لعدم تقيدها وتنفيذها لاتفاقية السيداو (إلغاء ومناهضة كل أشكال التمييز ضد المرأة) بحجة أن مجتمعاتها غير مهيئة لذلك وهي تخالف معتقداتها الدينية، من ضمن هذه الدول سورية التي تحفظت على أهم المواد في الاتفاقية /2و16و15و../ وهذا من قبيل التهرب من الالتزامات المفروضة على هذه الدول تجاه شعوبها بأن تأخذ المبادرة وتلتزم بالاتفاقية لتصل إلى المساواة التامة بين الرجل والمرأة وأهمها الإرث فهو الناتج لأي تطور حقيقي لهذه الدول وتعبير عن إرادة وطنية حقيقة لدى حكامها.