المرأة السّوريّة في عيون الإعلام
يعتبر الإعلام في عصرنا بوسائله المختلفة الرّائد
والمكمّل لجميع الأدوار الّتي تقوم بها الجهات
السّاعية إلى نهضة المجتمع؛ فوسائل الإعلام تشكّل صلة وصل بين النّاس وواقعهم
المُعاش.
شاركت السّوريّات في المظاهرات التي شهدتها قرى
ومدن سوريا رغم العنف المفرط الذي واجه به النّظام السّوريّ المتظاهرين، فنظّمنَ
مسيراتٍ نسائيّة، واعتصاماتٍ أسبوعيّة، وأصدرنَ بياناتِ تضامن مع المعتقلين، كما
انضمّت أخرياتٌ منهنّ إلى صفوف الجيش الحرّ، ومازلنَ يناضلنَ لإثبات وجودهنّ.
كيف انعكستْ تلك المشاركة في المشهد الإعلاميّ؟ و
كيف صوّر الإعلام الحراك الثّوريّ للمرأة السّوريّة منذ عام 2011
ولغاية اليوم؟
صورة المرأة في إعلام النّظام:
كرّس الإعلام الحكوميّ المسيطر على الخطاب العام الصّورَ
النّمطيّة للمرأة السّوريّة، فاستخدم جسدها وسيلة للتّرويج، وأقام لها مسابقات للجمال، وحصرالتّغطية المتعلّقة بها بأمور الصّحة
والإعلانات، والأسرة…..، فأظهرها بصورة سلبيّة لايهمّها الشأن العامّ. تأتي
مواضيع النّساء عنده في مستوى ثانٍ؛ فهي مجرّد امّ أو أخت أو زوجة، وعندما حاول أن
يظهرها بمظهر المرأة الحضريّة تمارس مهناً معيّنة ركّز على مهنة التّمثيل كرمزيّة
لذلك الدّور، وربط وجودها في المجال العامّ بالأعمال الخيريّة كنشاط سيّدات
الأعمال.
إنّ جُلّ العاملات عنده في المجال الإعلاميّ
والصّحافيّ يعملن في المجالات الإداريّة، أمّا التّحقيق الصّحفيّ والاقتصاديّ
والتّحليل السّياسيّ؛ فالعاملات فيه أعدادهنّ لاتتعدّى أصابع اليد الواحدة. ولعلّ
صورة الصّحفيّة الموالية له، وهي تأخذ (سيلفي)، وخلفها مجموعة من الجثث، دليل واضح
على إبقاء صورة المرأة كتابعة؛ وإلّا أين المهنيّة في تصوير صحفيّة لمشهد كهذا يحتوي
على خرق واضح لأخلاقيّات الصّحافة؟!
أدرك النّظام منذ بداية الثّورة أهميّة الإعلام
وضرورة تسييسه، كما أدرك خطر تواجد النّساء في ساحات الاحتجاج، فعمل جاهداً على
تشويه دورهنّ في الحراك الثوريّ ؛ فاتّهمهنّ تارة بالعمالة وتارة بالخيانة الوطنيّة،
وأجبر العديدات منهنّ على الاعتراف بوجود العناصر الإرهابيّة، وقام بتلفيق قصص حولهنّ
من نسج خيال أجهزته الأمنيّة، كنكاح الجهاد مثلاً.
بقيت الصّورة النّمطيّة للمرأة حاضرة وبقوّة في
إعلامه؛ فهنّ كائنات مستضعفات تابعات للرّجال، وتفتفرن إلى الثقافة المجتمعيّة،
لامساحة لهنّ سوى المساحة التي يرسمها هو. لنتأمّل صورة المراسلات الحربيّات
التّابعات للعسكر، يدخلن على ظهر الدّبابة ليوثقن الجريمة بعد وقوعها …. تلك
الصّورة قادرة على أن تختزل المشهد برمّته.
صورة المرأة في الإعلام النّاشىء:
هي وسائل إعلاميّة ظهرت بعد الثّورة وتتمركز في
المناطق الخارجة عن سيطرة النّظام، وعند تأمّل صورة المرأة فيها لابدّ من مراعاة
أمرين: عمليات الإنتاج والنّصّ.
صوّر هذا الإعلام المرأة السّوريّة في عمليات
إنتاجه عبر منهجين: الأول أظهرها ضعيفة، عاجزة، وضحيّة للعنف الذي مُورس عليها
(الاغتصاب والتّعذيب)، واستخدمها كأداة لزيادة التّعاطف، وأبرزها بصورة تحتاج فيها
إلى التّضحية والمساعدة. والثّاني تحدّى الصّورة النّمطيّة لها، فعمل على تمكينها
عن طريق إظهار التّغيّر في أدوارها الاجتماعيّة بوصفها قياديّة، ومبادرة.
لقد لعب الصّراع في سوريا وتسليح الثّورة وسيطرة
الفصائل الإسلاميّة دوراً أساسيّاً في إعاقة ظهور نهج بنّاء يعبّر عن حقيقة
النّساء السّوريّات في الإعلام الذي ركّزعلى تصويرهنّ بأدوار نمطيّة كعاملات في
الإغاثة، أو ضعيفات، أوحزينات لاجئات وأرامل …. كما أثّرت رقابة الجماعات
المسّلحة واستبدادها بتغطية قضايا النّساء؛ فهم يراقبون تلك الوسائل الإعلاميّة على
الأرض؛ الأمر الذي دفع العديد منها إلى تغطية قضايا النّساء عبر المواقع
الإلكترونيّة (مثل مواضيع الزواج المبكّر) على سبيل المثال.
يعتمد الخطاب المتعلّق بالنّساء في وسائل الإعلام
النّاشئة على عدّة اتّجاهات من حيث النّصّ والصّورة؛ فهنّ إمّا فاعلات في الفضاء
العامّ، – ولاسيّما عندما يكنّ مشهورات – مثل مجد شربجي وسمر يزبك ومنتهى الأطرش
أو سهير الأتاسي. عندها يكون خطابه إيجابيّاً، أومحصورات ضمن المجال الخاصّ غير
قادرات على العمل السّياسيّ، أوهنّ ضحايا من أجل ترويج قضايا لاتتعلّق بهنّ.
تعتبر اللّغة البصريّة في وسائل الإعلام المطبوع
والرّقميّ عنصراً أساسيّاً ومهمّاً في مجال التّواصل، وهذا ما عجزت عنه وسائل
الإعلام النّاشئة، حيث فشلت الصّور الفوتوغرافيّة المعروضة بإظهارفعاليّة المرأة
السّوريّة في الحراك الشّعبيّ، حين ركّزت على صور لنّساء ينتمين إلى الطّائفة
السّنيّة المحافظة ومن طبقة اجتماعيّة واقتصاديّة وجغرافيّة واحدة.
إنّ التّغطية المنخفضة في وسائل الإعلام النّاشئة
لقضايا المرأة، والتي ترتفع في المناسبات المحليّة والدّوليّة (عيد المرأة
العالميّ – عيد الأمّ ….) جعل الحاجة ملحّة لإعلام ينفرد بقضايا النّساء، ويركّز
على أدواهنّ كفاعلات إيجابيّات في المجتمع، فالنّساء أميل إلى سرد قصصهنّ لنساء
أخريات؛ فظهر الإعلام المتخصّص مثل (مجلّة ياسمين سوريّة وشبكة الصّحفيات
السّوريّات) الحريص على رفع الوعي المجتمعيّ بقضايا النّساء، وتحسين صورتهنّ في الوسائل الإعلاميّة وصولاً إلى مجتمع عادل
للنساء والرجال على حدّ سواء.
يبدوالاتّجاهان الأيديولوجيّان لوسائل الإعلام
الناشىء اللّذان يؤثّران في صورة المرأة هما، إمّا ليبرالي / علمانيّ، أو دينيّ،
وفي كلا الاتّجاهين كثيراً ماتتشابك فيهما الخطابات القوميّة – كما في الإعلام
الكرديّ – الذي ضخّم صورة المرأة المقاتلة في صفوف (وحدات حماية المرأة) وهمّش
صورتهنّ خارج هذا التّنظيم. واعتمد الاتّجاهان في تصوير النّساء على مواقف
اجتماعيّة وقناعات شائعة حول قدرة النّساء على العمل السّياسيّ أو القياديّ.
يبقى القول إنّ هذه الوسائل الإعلاميّة ينقصها
الفهم الصّحيح للمساواة الجندريّة، والتّرويج لها في عملها، وليس فقط زيادة عدد
العاملات لديها.
صورة المرأة في الإعلام المحايد:
صوّر الإعلام المُحايد المرأة السّوريّة منذ
بداية الثّورة كفاعلة أساسيّة في ذلك الحراك الثّوريّ، حيث أظهرمشاركتها في
المظاهرات، وتنظيمها للاعتصامات، واعتبر أنّ التّواجد الفعّال لها فرضَ على
المعارضين المتشدّدين، وغيرهم إفساح المجال لها. وهذا ماأشارت إليه الصحافة
الأمريكيّة على سبيل المثال.
إنّ المرأة في الإعلام المحايد شكّلت نصف الثّورة
– كما عبّرت عن ذلك الجزيرة نت – فتحدّثت عن تواجدها خلف المقاتلين تُخلي الجرحى
وتضمّدهم، تجهّز الطّعام وتوصله إلى الثّوار، وفي بعض الأماكن تجاوز الدّعم
اللّوجستيّ لها إلى حمل السّلاح، ومرافقة المقاتلين كالمقاتلة (ثويبة كنفاني)، إضافة
إلى تطوعها في العمل الإغاثيّ، والجمعيّات الخيريّة، والمشافي الميدانيّة، والمشاركة
في تدريس التّلاميذ.
لم يحصر الإعلام المحايد دور المرأة السّوريّة في
أنماط محدّدة؛ إنّما ذكرالأدوارالمتعدّدة التي قامت بها، من دعم للثّوار، إلى التّغطية
الإعلاميّة، كما أبرز دورها في المجالات السّلميّة، وتوثيق الانتهاكات (رزان
زيتونة مثالاً).
رأى الإعلام المحايد أنّ المرأة السّوريّة حقّقت وجوداً
أكبر بكثير ممّا كانت تمثّله في عهد نظام الأسد، ولم يغفل الحديث عن تراجع هذا
الدّور بسبب الخوف من تنامي انتشار الفصائل الإسلاميّة المتشدّدة، فـ(سعاد نوفل)
الثائرة على نظام الأسد في الرّقة، اضطّرت إلى المغادرة عندما أهدر داعش دمها.
إنّ وجود المرأة بات ضروريّاً لنجاح أيّ عمل؛
لذلك يتوّجب على الإعلام تناول قضيّة المرأة السّوريّة بمزيد من العمق من قبل
الرّجال والنّساء معاً.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”