المجلس الوطني الكوردي بين مطرقة ” قسد” وسندان المعارضة
لا شك أن المجلس الوطني الكوردي الذي
يتألف من أحد عشر حزباً كوردياً سورياً يقود معركتين “سياستين” في
جبهتين متناقضتين في التصور والتوجه والعقيدة، وداخل حقل من الألغام المعروفة
اليوم بمنطقة شرق الفرات بالإضافة إلى منبج التي تسيطر عليها قسد بدعم من التحالف
الدولي، وتعتبر منطقة مفتوحة ومكشوفة على مصراعيها وتحيط بها مجموعة قوى فاعلة على
الأرض من جميع الاتجاهات.
لعبة الخداع مع النظام
استلم حزب “الاتحاد الديموقراطي”
الذي يشكل الواجهة السياسية لقوات سوريا الديموقراطية المناطق الكوردية في سوريا
من النظام السوري بعقد استلام وتسليم، وكأمانة يمكن إعادتها في حال أعاد النظام
بسط سيطرته على كل تراب سوريا مقابل امتيازات ومكتسبات مالية يمكن أن يحصل عليها
“الاتحاد الديموقراطي” من النظام مقابل الدور الذي منح له بعد 2012 م،
أما في حال استمرت الأزمة وأدت بمنظومة (الأسد) الأمنية والسياسية إلى الانهيار
حينها سيقود حزب “الاتحاد الديموقراطي” المناطق التي استلمها نحو
التقسيم وإنشاء أمر واقع جديد كما حصل في إقليم كوردستان العراق، وذلك لمنح المكون
العلوي في سوريا التبرير لإنشاء إقليم مشابه وخاص بهم لرفضهم التعايش مع المكون (السنّي)
الذي يشكل نسبة سبعين بالمئة من السكان في سوريا.
المواجهة الغربية مع النظام
إن الدول الغربية وتحديداً (أمريكا، فرنسا،
بريطانيا) تاريخياً لديها مصلحة مشتركة في إدارة الأزمة في سوريا وتحديداً في
المناطق الكوردية، وفق ما تتطلبه مصلحة الطفلة المدللة “إسرائيل” في
المنطقة، وجاءت الأزمة السورية لتكرس هذه الرغبات على طبق من ذهب ووجدت أضعف نقطة
لدى النظام وهي منطقة “شرق الفرات” التي تمتاز بــ:
1- أكثرية سكانية معارضة للحكم وبالتالي تشكل
بيئة ملائمة (خاصة) لتمرير المشاريع الغربية فيها.
2- منطقة غنية بالنفط والغاز والمياه
والزراعة والثروات الطبيعية والمعدنية وبالتالي تشكل قاعدة أساسية لبناء أي مشروع
أو (دويلة) في هذه المنطقة، وبناءً على ذلك تتقاطر الوفود الأمريكية والفرنسية
والبريطانية إلى القامشلي بشكل شبه يومي ليس بدافع المحبة وإنما لمحاولة
“تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ” وجعل الكورد في سوريا وقوداً لهذا المشروع
تحت عناوين “محاربة داعش وإعادة النازحين والمهجرين إلى قراهم ومدنهم وإعادة
الأمن والاستقرار إلى هذه المنطقة”.
الجبهات المتناقضة:
هذه الجبهة متناقضة تماماً لما تحدثنا عنه
سابقاً والتي تتمثل بوجود طرف كوردي يقود معركة التفاوض مع قيادات “قسد”
في جبهة شرق الفرات، في الائتلاف السوري المعارض للنظام والذي حصل على اعتراف
/112/ دولة بُعيد تشكيله وبالتالي استطاع (الوطني الكوردي) من خلاله المشاركة في
مفاوضات جنيف وآستانة، وانضم بفضله إلى “هيئة التفاوض السورية” كما حصل
على اعتراف سياسي من وزير الخارجية التركي (جاويش أوغلو) عندما وصف المجلس الوطني
الكوردي بأنه ممثل شرعي للشعب الكوردي في سوريا.
جبهة المعارضة التي وجد المجلس الوطني
الكوردي نفسه فيها مرغماً نتيجة فشل الاتفاقات السابقة (هولير 1-2، ودهوك)، وعاد
لينخرط مجدداً في المفاوضات مع “قسد” برعاية أمريكية وفرنسية، لا شك أنه
سيجد نفسه في مأزق لا يحسد عليه في الضفة الأخرى (المتناقضة) إن لم يشارك أو يطلع الائتلاف
السوري المعارض على النقاشات التي تجرى حالياً في الكواليس برعاية أمريكية.
أي ربما يتخذ الائتلاف السوري المعارض
إجراءات قانونية ضد المجلس الوطني الكوردي كونه يصنف الاتحاد الديموقراطي كمنظمة
إرهابية ساهمت في تقويض عمل الثورة وتكريس سلطة الأسد وإطالة أمده “إن لم يكن
جزءاً من المعادلة وربما قد يساهم في شق صفوف المجلس الكوردي وإيجاد بديل كوردي (سياسي)
له في هيئة التفاوض (وما أكثرها) إن سلك طريقه نحو الاتفاق مع قسد، وهذا تماماً ما
تريد قيادات قسد الوصول إليه، وهو عزل المجلس عن محيطه السياسي كأول مرحلة من
أوراقه السياسية، ومن ثم استدراجه إلى الداخل ومنحه مكتسبات مادية لمرحلة مؤقتة،
ومن ثم التضييق عليه ومطاردته وإن صح التعبير “ضرب جميع الاتفاقات بعرض
الحائط”.
ومن جهة أخرى هناك من يقول لطالما كان
المجلس الوطني الكوردي جزءاً هاماً وفعالاً وعضواً في الائتلاف السوري المعارض
فلماذا لا يقود المفاوضات مع قسد باسم الائتلاف، ربما يعتقد بعضهم أن هذا السؤال
محقٌ نوعاً ما، طبعاً هذا غير ممكن لأن (النظام وإيران) لن يقبلا بذلك وبالتالي
الهدف ليس تجميع المعارضة في منطقة وجبهة موحدة بالاشتراك مع “قسد” ضد
النظام وإنما الهدف هو إعادة القضية الكوردية التي يقود لوائها المجلس الوطني
الكوردي إلى المحافل الدولية وجعلها قضية محلية تتمثل بإدارة البلديات مقابل مكاسب
مالية قد يحصل عليها من “قسد” في المرحلة اللاحقة، وأيضاً الهدف البعيد
هو عزل المعارضة وتقسيمها عمودياً بجميع مكوناتها وأطيافها لانتزاع الشرعية منها.
الخلاصة: إن المجلس الوطني الكوردي يجد
نفسه اليوم بين نارين وأمام مفترق طرق، وخياراته محدودة جداً، نار “الائتلاف”
والضغوطات الإقليمية والنظام من جهة، وأتون الأمريكيين ومعهم التحالف الذي لم يعد
هناك مكان للثقة به بعد تسليم كركوك إلى الحشد الشعبي في 2017 م.
يتطلع المجلس الوطني الكوردي اليوم إلى الاتفاق
مع “قسد” بعد استيائه من ممارسات فصائل المعارضة السورية في (عفرين ورأس
العين) وعدم مبادرة الأتراك الى مشاركة المجالس المحلية التابعة له في إدارة هاتين
المنطقتين ما شكّل حالة استياء لدى قيادات المجلس من التهميش التركي (غير المفهوم)
لهم مع عدم وجود رغبة تركية حتى اللحظة في إدارة الملف الكوردي في سوريا بالشكل
الصحيح من خلال إيجاد شريك سياسي فعال لها في سوريا يحول دون استغلال الغرب هذه
المعادلة وتحويله نحو جبهة أخرى ربما تتعارض مع المصالح التركية الجيوسياسية الاستراتيجية
بعيدة المدى.
الخيارات المحدودة
وأخيراً وليس آخراً، انخراط المجلس الوطني
الكوردي في مفاوضات مباشرة مع “قسد” هو رد فعل طبيعي على ما يحدث في
عفرين ورأس العين، وعدم إشراكهم في إدارة هذه المناطق، وبالتالي لا خيار أمام
المجلس إلا الاستمرار في التفاوض مع “قسد” بضمانات أمريكية (لا رعاية)
وحتى لو أدى ذلك إلى قطع العلاقات السياسية مع الائتلاف السوري المعارض وضرب عرض
الحائط بجميع الاتفاقات الموقعة معه طالما لا يستطيع “الائتلاف” ضبط
إيقاع فصائل المعارضة في عفرين ووقف الانتهاكات بحق المدنيين وإيجاد استراتيجية
جديدة لإدارة هذا الملف، وهذا يتلاقى بشكل مباشر مع مصلحة النظامين السوري والإيراني
الاستراتيجية، وبالتالي سحب الكورد من هذا الإطار لعزلهم وإبراز الأمر وتصويره
أمام القوى الدولية على أنه تكتل (سنّي) يتمثل بالإخوان المسلمين فقط.
ومشروع المجلس مع “قسد” لن يعود
إلى الخلف بمجرد تقدم أي خطوة نحو الأمام، إلا إذا غيّر الأتراك سياستهم تجاه
المجلس الوطني الكوردي وساهم في الوقت بدل الضائع في إشراكهم في إدارة (عفرين ورأس
العين) وباقي المناطق ضمن تفاهم (متفق عليه) بحيث لا يتعارض مع مصالح شعوب المنطقة
جميعاً بما فيها مصالح تركيا الاستراتيجية، وإعادة البيشمركة إلى المناطق المذكورة،
عندها سيجد المجلس الوطني الكوردي مصلحة شعبه مع “الائتلاف” واحتمال الاتفاق
مع “قسد” سينتهي تماماً مهما كانت حجم الضغوطات الأمريكية كبيرة.
عندها ستكون “قسد” أمام
سيناريوهات وتحديات جديدة، واحتمال عودة شبح الحرب مجدداً إلى (كوباني والدرباسية)
وبالتالي يصبح مشروع “قسد” السياسي والعسكري في سوريا في خبر كان نتيجة
غرورها وفشلها في عقد اتفاق مشترك مع المجلس الوطني الكوردي، مع العلم أن وجود
الأخير في مشروع مشترك مع “قسد” هو صمام أمان لاستمرار ونجاح مشروعها والمحافظة
على ما تبقى من المناطق تحت سيطرتها إلى حين إيجاد حل شامل في سوريا.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”