fbpx

المجرم الذي أكل لحم ضيفته نيئاً

0 390

كثُرت الجرائم الغريبة عن المجتمع المحلي في محافظة الحسكة. سلباً وقتلاً لأتفه الأسباب، عمليات التزوير ومحاولة التلاعب بثبوتيات العقارات أصبحت جزءاً من الموروث اليومي. لكننا أمام حالة جديدة، فريدة، شاذة وغريبة عن مجتمعنا وثقافتنا وأرواحنا وحيواتنا. وحشٌ بشري يغتصب طفلة لم تتم نطق كامل أحرفها. هكذا ببساطة: هذه هي الجناية والجريمة. هي أولاً هرطقة شاذة، وثانياً نسف لقيم الأمانة والعُهدة.

هو لحمنا الذي احترق. جاءت الحرائق على كل سوريا، ولم يكن لنا منها نصيب كحال باقي المحافظات إلا ما ندر. وجاء الحريق على المحاصيل الزراعية لموسمين متتاليين. لكن لا حريق يضاهي حرقة أرواحنا التي روّعها الوحش، فصنع في ذواتنا رعباً وهوساً من إيجاد أشقاء لفعلته، خاصة وأن التغيرات التي طالت القواعد الاجتماعية تعود إلى أسباب مركبة، على رأسها ضياع ونسف الطبقة الوسطى، وتشكيل طبقة أخرى رُبما كان هذا المجرم ينتمي إليها. وضياع القيم ونسف العادات التي كانت تحرم مثل هذه الأفعال سابقاً، ولكن أهمها فقدان الواعز النفسي والشخصي والوجداني والأخلاقي لدى هذا العاهر. هذه الطفلة كانت تبحث عن مأوى فقط، مكان للإيواء. يُخيل إليَّ أنه لامسها وحاول القيام بفعلته وهي تنظر إليه ببراءة وابتسامة، قبل أن تستفيق من وهم الرجولة التي ظنت أنها في كنفها، ويُخيل إلي أنها حاولت أن تُقاوم، لكن الذئب المختبئ داخله دفعه لمنحها جرعة مُخدر. ويُخيل إلي أيضاً أنها حين استفاقت من النوم، ابتسمت في وجهه، ظناً منها أن بقائه إلى جانبها إنما لحمايتها. 

عبد الأحد الذي اغتصب طفلة لم يتجاوز عمرها الــ/4/ أعوام، هو من جيل هذا الحرب، لكنه ليس بمراهق ولا مختل عقلياً ولا يعاني من أيَّ مرض نفسي. هو باختصار يشرح التركيبة النفسية التي يحملها، والتي ساهمت الحرب في تأجيج مشاعره كي يُظهرها. تربسبي/القحطانية، بلدةٌ ينصرف أهلها لأعمالهم الخاصة، يقتنصون الوقت للقيام بمناسباتهم الاجتماعية، ولم تشهد سابقاً حادثة من هذا القبيل، كما لم تشهد غيرها من مدن وبلدات محافظة الحسكة. إلى أن كانت الواقعة والفاجعة. تلك الطفلة ما كانت تبحث سوى عن رضاعة حليب أو تفاحة تأكلها حيناً وتلهو بها حيناً أخر، أطلق عليها النار، بل أطلق على مستقبلها وقادمات أيامها، كيف ستنظر للحياة حين تكبر، وكيف ستعيش مراهقتها حين تعلم كيف استقبلت بدايات حياتها، وكيف ستجد حسابها مع ماضيها.

هذا الشيء – عبدالأحد – الذي لا يمثل سوى مرضه وحقيقته، ولا يعبر لا عن قومية ولا عن دين ولا ملةٍ، ما هو سوى تراكم لخوالج نفسه ومرضه. هو يستحق أن يُركل على خصيتيه حتى يفقد الرجولة التي اختصرها بين فخذيه فحسب، وظن أن لا بطولة ولا شجاعة سوى بفعلته تلك. هذا الكلب يستحق أن يُبصق عليه حتى الموت. وإن لم يمت ستكون كمية البصاق على وجهه ولسانه وعينيه كافية له، وهو باقٍ في المنفردة ما تبقى من حياته. وإن مات فليُدفن دون أن يعلم أحد به، فلا حاجة للحديث عن رواية دفنه، حتى لا يقول أحد شيئاً عنه بعد أن ينفق. فهو لم يحص عدد الرصاصات التي أطلقها على الطفلة، ووالديها، ونحن كلنا، بحيواتنا وأرواحنا. ولم يبال بوابل الرصاص الذي أطلقه على أهالي تلك البلدة وكل من سمع بالفاجعة، فهو الذي قتلنا كلنا دون أن نسمع نحن صوت صراخنا. في صمتنا وهدوئنا، ليس هناك سوى التفكير بما حل وسيحل بمجتمعنا جراء هذه النفسيات. كم طفلة نجت بأعجوبة لأن المجرم لم يتمكن من إتمام جريمته. هذا ليس سوى آكل لحوم بشر.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني