fbpx

المؤتمر الوطني السوري للإنقاذ.. ضرورته وغياب العمل الجمعي له

0 16

من يتابع المشهد السياسي للقوى السورية المختلفة والمعارضة لنظام الأسد سيصاب بالدهشة والعجب، فهناك حركة بين حين وآخر من هذه الجماعة أو تلك تحت مسميات مختلفة، فمنذ حين عُقد مؤتمر أطلق على نفسه مسمّى “المسار الديمقراطي” والذي رتّبت عقده قوى عابرة للوطنية هي ما يسمّى “مجلس سورية الديمقراطية” أي “مسد”، التي تنتمي لحزب PYD ذراع حزب العمال الكردستاني التركي الأصل والمصنّف بالإرهابي.

 وقبل ذلك عقد مؤتمر تحت مسمّى “مؤتمر السيادة والقرار”، وعقد مؤتمر تحت مسمى التحالف الديمقراطي السوري الذي لعب دوراً في التحضير له المحامي حسان الأسود… الخ

هذه المؤتمرات، وبصورة موضوعية، تكشف عن حراكٍ سياسي سوري، تنهض به قوىً معارضة لنظام الأسد، تختلف درجة معارضتها له تبعاً لبنيتها السياسية ولطبيعة أهدافها.

 هذه المؤتمرات تكشف في الآن ذاته عدم قدرة الطيف الواسع من قوى المعارضة على إيجاد مربع تفاهمات وتحالفت سياسية فيما بينها، تؤدي إلى الدفع الداخلي والإقليمي والدولي لعملية الانتقال السياسي في البلاد من نظام الاستبداد الأسدي إلى نظام دولة المؤسسات والمواطنة والحريّات ولو بحدّها الأدنى مرحلياً.

تكشف هذه المؤتمرات أيضاً هشاشة قوى المعارضة وتناقضاتها، مما يمنح النظام الأسدي قوة إضافية في ممانعته لتنفيذ القرارات الدولية الخاصة بالصراع السوري، وفي مقدمة هذه القرارات القرار الصادر عن مجلس الأمن رقم 2254 تاريخ 18/12/2015.

ولوضع اليد على الجرح، فإن الائتلاف الوطني السوري هو المؤسسة المعارضة الوحيدة التي يعترف بها المجتمع الدولي وهيئة الأمم المتحدة، بالتالي هي الندّ المعارض المقابل لنظام الأسد، سواء قبل بعضٌ من المعارضين ذلك أو رفض بعضٌ آخر هذه الحقيقة. وهذا الرأي لا يعني سوى تقرير حقيقة واقعة نعيشها، وبالتالي لا يمكن اعتباره تحيّزاً لمؤسسة الائتلاف الوطني السوري، رغم إني من الذين لا يقبلون أي دعوة تدعو إلى حلّ مؤسسات قوى الثورة والمعارضة، لسبب بسيط هو من سيقابل نظام أسد في التفاوض وتمثيل السوريين الثائرين على هذا النظام؟

ولكن، ينبغي بيان وجعنا نحن السوريين من وضعنا القائم، هذا الوضع الذي تتقاذفه مصالح إقليمية ودولية تتناقض وتتصارع على أرضنا وشعبنا وقضيتنا، في وقت نحن لا نزال في حالة عجز عن فرض مصالحنا الوطنية على هؤلاء المتدخلين المتصارعين.

لعلّ بعض القوى السياسية المعارضة وعت أهمية الخروج من مأزق هشاشتنا الوطنية، لبلوغ الصلابة وتشكيل إطارٍ واحدٍ جامع، يمكن إطلاق تسمية “مؤتمر وطني سوري للإنقاذ” عليه. هذا الوعي يجب أن يترجم إلى برنامج عملٍ، ولا يبقى مجرد شعار سياسي، ننظر إليه بعين الإعجاب والكشف المبكر للحقيقة.

ولكن، وكي لا نقع في فخّ تضخيم الذات، وعدم قيامنا بتحليل علمي ملموس لواقعنا السوري الحالي، بكل ما فيه من “عجرٍ وبجرٍ” كما يقول المثل. ينبغي معرفة هل “عقد هكذا مؤتمر للإنقاذ هو ضرورة وطنية سورية؟ أم إنه شكلّ دعوي للاستقطاب السياسي دون تشخيص بنية الواقع ومعرفة كيفية تغييره.

المؤسسة الرئيسية القادرة على الدعوة الملموسة لعقد مؤتمر وطني سوري للإنقاذ هي مؤسسة الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة. هذه حقيقة للأسباب التالية:

الائتلاف هو مؤسسة سورية معارضة لنظام الأسد معترفٌ بها من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، ودليلنا على ذلك هو رسوخ عمل هذه المؤسسة والعودة لمراجعتها من قبل المبعوثين الدوليين أو مبعوثي الدول الخاصين بالملف السوري.

والائتلاف هو الجهة الرئيسية التي ترتكز عليها هيئة التفاوض السورية، واللجنة الدستورية، وهذا يعني أنها تقود التفاوض مع نظام الأسد بموجب معرّفات وجودها كهيئة سياسية وحيدة معارضة.

ولكن ينبغي وضع الإصبع على الجرح الوطني، والقول هل ذلك كافٍ لتحقيق اختراق لتقاذف قضيتنا الوطنية بالخلاص من نظام الاستبداد على قاعدة القرارات الدولية الخاصة بالصراع السوري؟

أعتقد أن ذلك غير كاف، وقد أثبتت سنوات الثورة عدم القدرة على اختراق هذه الحالة السيّئة التي يحاصرنا بها الآخرون المتدخلون بالصراع في بلادنا، بغض النظر من هم هؤلاء الآخرون؟

إذا الائتلاف الوطني السوري وفق هذا التشخيص الموضوعي هو الجهة الأكثر قدرة على تنظيم عقد مؤتمر وطني سوري للإنقاذ، فالائتلاف يستطيع من تبنّي عقد هذا المؤتمر الخروج بدعم وطني شعبي وثوري ليس لوضعه الحالي، بل لقدرته على بناء إطار عمل وطني أوسع، يمثّل كل السوريين، بما فيهم الذين يخضعون لتسلّط النظام أو غيرها من سلطات الأمر الواقع.

عقد مؤتمر وطني سوري للإنقاذ يعني بالضرورة لجم حالات التشتت السياسي لقوى الثورة والمعارضة، والتي ينبغي أن يجمعها دون تردد مربع الوطنية السورية، القائم على بناء دولة المواطنة ووحدة الأرض دولة المؤسسات الديمقراطية ولو بحدّها الأدنى مرحلياً.

عقد مؤتمر وطني سوري للإنقاذ ينبغي أن ينتج عنه “مرجعية وطنية وسياسية عليا” لكل السوريين في الداخل السوري وفي مناطق اللجوء. هذه المرجعية هي من يحشد السوريين خلف الإطار الوطني الجديد، والذي سيغنيه الائتلاف الوطني السوري بما راكمه من قدرات على التمسك بتنفيذ القرار الدولي 2254 وبالتالي هو من سيمنح الائتلاف بصيغته الجديدة القدرة على الضغط على متقاذفي كرة قضيتنا السورية من أجل تنفيذ القرارات الدولية الخاصة بسورية والتي تركّز على انتقال سياسي حقيقي، يحفظ حقوق السوريين ويفتح لهم طريق بناء دولتهم الجديدة التي تريد أن تكون شريكاً في منع انتهاكات حقوق الانسان وتكون مساهمة في ترسيخ السلام الإقليمي والدولي.

وفق هذه الرؤية. ربما يكون من الأنجع أن تقوم التيارات والحركات والأحزاب والجماعات السياسية المختلفة بالعمل على تشكيل لجان علاقات خارجية لها، مهمتها التواصل فيما بينها، ومع المجتمع الدولي، بهدف حشد التأييد لعقد مؤتمر إنقاذ وطني سوري شامل.

عقد هذا المؤتمر سيمنع عربة التطبيع المجاني على حساب الدم السوري من المرور باتجاه إعادة إنتاج نظام الأسد بأي طريقة، كما إن عقد هذا المؤتمر سيفرض احترام القوى الإقليمية والدولية لمصالح الشعب السوري الذي يريد الحرية والكرامة وبناء دولة مؤسسات ديمقراطية.

إن بقاء كل التيارات والأحزاب والحركات والتجمعات السياسية السورية أسيرة تضخيم ذاتها ودورها وشرعيتها وما إلى هنالك من ادعاءات، لن يخدم سوى إعادة الحياة لنظام خاض حتى أذنيه بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ولا يريد التفاوض مع شعبه من أجل خلق الاستقرار ومنع انتهاك حقوق الإنسان.

الخطوة التالية هي التعجيل بعقد مؤتمر وطني لإنقاذ سورية قبل فوات اللعبة الإسرائيلية التي تريد أن تكون سيدة المنطقة العربية بدلاً من إيران التي احتلت بلداننا بدون احترام لشعوبنا وتاريخ حضاراتها.

فهل سنشهد مثل هذه الخطوة قريباً جداً؟ سؤال برسم كل السوريين.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني