المؤتمر الوطني السوري، وأبرز المهام السياسية والتشريعية والاقتصادية
يتطلّع السوريون بكثير من الأمل إلى المشاركة الفاعلة في جهود الحوار الوطني الذي تعتزم الإدارة الجديدة إطلاق مؤتمره الشامل والموسّع في دمشق، وقد أعطى قرار تأجيل انعقاده من مطلع ديسمبر، كما كان متوقّعا إلى منتصف فبراير القادم، مؤشّرات إضافية على حرص المسؤولين على الوصول إلى أفضل النتائج الممكنة.[1]
ضرورة مسار الحوار الوطني، ومؤتمره السوري العام، تأتي من كونه المرحلة الثانية الأكثر أهميّة في عملية التحوّل السياسي بعد مرحلة إسقاط سلطة الديكتاتور الأسدية، وتتجسّد في حقيقة أنّ نجاح جهود تحقيق أهدافه بمشاركة جميع السوريين لا يحمي سوريا من التقسيم ومن الحرب الأهلية والمزيد من التدخّل الخارجي فحسب، بل ويؤسس لمقوّمات بناء الدولة السورية الوطنية الحديثة.
إذ يشكّل مؤتمر الحوار الوطني عمليا المرحلة التأسيسية لهيئات ومؤسسات الحكم التنفيذية والتشريعية في المرحلة الانتقالية والدائمة، أحاول في هذا المقال رسم تصوراتنا لطبيعة المهام السياسية والتشريعية والاقتصادية التي من المتوقّع أن يناقشها المؤتمر الوطني السوري العام المزمع عقده في أوسط شباط القادم.
1- على الصعيد السياسي
أعتقد انّ النتيجة الرئيسية التي ستنبثق عن المؤتمر هي تشكيل حكومة وطنية، واسعة التمثيل السياسي الشعبي والوطني، وتحظى بدعم دولي!
أن تسعى القيادة إلى قيام حوار ومشاركة شاملة بين السوريين، يجمّع مختلف الأطراف في الداخل السوري والخارج حول مصالح السوريين المشتركة، هو علامة واضحة الدلالة على أنّهم يسعون إلى تشكيل حكومة وطنية، تستند على مشروعية وقاعدة شعبية واسعة، وبما يشجّع القوى الدولية على دعم مسا رات المرحلة الانتقالية، رغم عدم توافقها مع خطوات وإجراءات القرار الأممي 2254!.
يبدو لي أنّ القوى الدولية باتت مقتنعة أنّ المؤتمر هو مسألة سورية داخلية، ويرتبط بالحاجة لقيام حوار وطني شامل، وتوافقات بين السوريين، في إطار مسعى الإدارة الانتقالية لأن تستمد الحكومة المقبلة شرعيتها الدستورية من قاعدة شعبية واسعة، قدر الإمكان، وأنّ الولايات المتّحدة بشكل خاص تدعم هذا الجهد، وقد نصل إلى نقطة يصبح عندها من المفيد أن تُعلن الأمم المتحدة دعمها الصريح لجهود الإدارة الانتقالية بشكل خاص، والسوريين عموما، على تحقيق ما يصبون إليه من تشكيل حكومة واسعة تشمل جميع الشرائح الاجتماعية في سوريا، وتشكّل عملياً “هيئة حكم انتقالية”.
بناء عليه، من المتوقّع أن يشهد المؤتمر الإعلان عن حل مجلس الشعب، وجميع الفصائل المسلحة، من بينها، هيئة تحرير الشام التي يقودها السيد أحمد الشرع التي أطاحت بسلطة الأسد، وأعلنت انضواءها تحت مظلّة وزارة الدفاع.
2- على الصعيد التشريعي/ السياسي
إذا أخذنا بعين الاعتبار ما أكّد عليه رئيس الإدارة الانتقالية لتلفزيون “العربي”، السيد أحمد الشرع، موضّحا أبرز سمات المرحلة الانتقالية، نتوقّع تشكيل لجنة خاصة لصياغة “إعلان دستوري – دستور مؤقّت”، خاص بالمرحلة الانتقالية، وإقراره، بعد حل البرلمان، وسيقوم بدور الرقابة على أعمال الحكومة؛ وقد يكون نتيجة لتعديل أحد الدساتير السابقة.
علاوة على ذلك، ستكون هناك لجنة خاصة بصياغة دستور دائم، “يصلح لأطول مدة ممكنة“!
“…نحتاج إلى صياغة دستور، أو حل الدستور السابق، صياغة دستور جديد، أو تعديلات دستورية” فصياغة الدستور يجب ألا يكون وجبات سريعة، يجب أن يُصاغ بعناية شديدة، وعليه رقابة، وينبغي أن يُستشار به خبراء قانونيين وشرعيين دوليين بحيث يكون دستور يصلح لأطول مدة ممكنة.
هذا مفرق تاريخي، الدستور يجب أن يكون ناظماً لحياة المجتمع، بحيث لا تتكرر نفس التجربة السابقة، وتذهب سوريا إلى ما ذهبت إليه خلال الستون عام الماضية…”.
ربّما من باب التفاؤل الحذر، قد نتوقّع تشكيل ” يئة استشارية”، تُمنح الصفة الشرعية أو التشريعية لاختيار رئيس مؤقّت للبلاد من الأطياف كافة، دون توضيح كيفيّة اختيار هذا الرئيس المؤقّت، وكم هي المدّة التي سيشغل فيها هذا المنصب!.
بكل الأحوال، لن يكون من مهمّة هذا المؤتمر تحديد موعد للانتخابات العامة، البرلمانية والرئاسية، بعد تصريح السيد الشرع، الذي أشار فيه إلى أنّ إجراء الانتخابات قد يستغرق أربع سنوات، لأسباب تتعلّق بمشاكل داخلية، كعدم وجود تعداد حقيقي للسكان، في ظل ملايين المهجّرين والنازحين.
مما جاء في مقابلة السيد الشرع:
والانتخابات العامة..الرئاسية؟
وهذا أمر آخر، البنية العامة التحتية للانتخابات متعذّرة جداً، بحاجة إلى بناء من جديد.
وعن طبيعة هذا الدستور الدائم الموعود، يقول السيد وزير العدل شادي الويسي:
“.. نحن ننتظر الآن المؤتمر السوري العام الذي سيصدر عنه نتائج مهمّة جداً على مستوى التشريع القادم، وآليات عمل الدولة، والنظم التي تحكم الدولة.
ستأخذ لجنة إعداد الدستور القادم ما كان يصبو إليه الشعب السوري، دستور يشمل جميع السوريين بعنايته، دون أن يكون هناك مواد، تفرض على الشعب السوري ما يخالف تطلّعاته وتوجّهاته القادمة“.
3- على الصعيد الاقتصادي
لابدّ أن تأخذ اللجان الخاصة بوضع القاعدة التشريعية للاقتصاد السوري الجديد بعض الملامح التي بدأت تتبلور خلال الأسابيع القليلة الماضية، وقد تشكّل بعض سمات “النهج الاقتصادي الرأسمالي” الذي تعتزم الإدارة الجديدة تبنيه، ويأخذ طابع الاقتصاد الحر:
تنظيم وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة، وسياسات مالية ونقدية خاصة، ترتبط بدعم الدولة للقطاعات الرئيسية المرتبطة بالبنى التحتية، وتتوافق مع سياسات ربط الأجور بالأسعار، وسلّم الصادرات بآليات ضرائب مرنة، وتراعي حاجة السوق الاستهلاكية، إضافة إلى إعادة البنية القانونية الناظمة لمشاريع إعادة الإعمار.
“… هناك الكثير من الخراب في هذه الدولة التي حكمها النظام لأكثر من خمسين عاماً، وخلّف دماراً كثيراً من الهدم والدمار، هناك انقسام مجتمعي وتهديم للبنية التحتية، تعليمية وبنية اقتصادية ومنشئات وزراعة إلخ.. وهناك نحن بحاجة إلى قوانين ناظمة، تنظم العمل بما يتناسب مع تطلعات الشعب السوري في أن يكون بلداً متقدماً ومتطوّراً“.
“السيد أحمد الشرع”، المصدر السابق
[1]– أعلن وزير الخارجية السوري، السيد أحمد الشيباني، عن تريّث حكومته “بالمؤتمر الوطني لكي يتثنى تشكيل لجنة تحضيرية موسّعة، تستوعب التمثيل الشامل لسوريا، من جميع الشرائح والمحافظات، والتي ستكون الحجر الأساس في بناء الهوية السياسية لسوريا المستقبل”.