fbpx

اللواء الركن محمد الحاج علي في ندوة المعهد الاسكندنافي لحقوق الإنسان ولجنة مؤتمر القاهرة وملتقى حوران للمواطنة

0 280

نظّم كل من المعهد الاسكندنافي لحقوق الإنسان ولجنة مؤتمر القاهرة وملتقى حوران للمواطنة ندوة بتاريخ 18/2/2021 حول مواضيع مختلفة وهي:

المجلس العسكري الانتقالي وبناء الجيش الوطني السوري

قصة المجلس العسكري الانتقالي.. دكتاتورية النحن أو إعادة انتاج الأبارتايد

القوى السياسية والعسكرية والمدنية في سوريا بعد مصائب العسكرة.. قصة المجلس العسكري الانتقالي

وكانت محاضرة اللواء الركن محمد الحاج علي ضمن هذه الندوةمقدمة:مساء الخيربداية لابد من شكر المعهد الاسكندنافي لحقوق الإنسان ولجنة مؤتمر القاهرة وملتقى حوران للمواطنة على دعوتهم الكريمة لتسليط الضوء على طروحات المجلس العسكري متمنياً أن أقدم ما يفيد في ذلك.كانت مصيبة سورية الكبرى أن الجيش قد استولى على السياسية بعيد الاستقلال بقليل، حيث شهدت سورية سلسلة من الانقلابات العسكرية ابتدأت منذ 1949، وكان آخرها انقلاب حافظ أسد في تشرين الثاني 1970، حيث رسخ ديكتاتورية عسكرية تعتمد ما يسمى بجيش عقائدي وجهاز أمني وعسكرة للمجتمع، ما ألحق أكبر الأذى بنمو سورية ومجتمعها ومواطنيها على مدى خمسة عقود، ومنذ عام 2011 كان ذلك الجيش وأجهزة الأمن أداة النخبة الحاكمة، التي يقف على رأسها بشار الأسد في تدمير سورية ومجتمعها، محدثاً واحدة من أكبر كوارث القرن الحادي والعشرين ما بعد الحرب العالمية الثانية.جيش كبير غايته حماية النظام وليس الدفاع عن البلاد، حيث وقف عاجزاً عن مواجهة اعتداءات اسرائيل المستمرة، انهزم أمام اسرائيل في المواجهات كافة، في 1967 و1973، وفي لبنان 1982 واحتفظ ويحتفظ بحق الرد على اعتداءات إسرائيل المستمرة التي استباحت وتستبيح سماء سورية وبخاصة منذ 2011، في موقف عاجز وجبان، ولم يمتلك ذلك الجيش الجرأة إلا في مواجهة متظاهرين سلميين، واجههم بالرصاص منفذاً أوامر قياداته.فالجيش والأجهزة الأمنية كمؤسستين اشتغل عليهما النظام السوري لأكثر من خمسة عقود، وهندسهما وفقاً لإرادته، حتى أصبحتا القوة القادرة والساهرة على حمايته وضمان استمرارية سلطته، وتكريس استبداده وفساده، كما أصبحت سورية في عهد الأسد الأب رائدة في مجال عسكرة الدولة والمجتمع، بحيث ربط المجتمع بالسلطة من خلالهما، لقد كانتا مؤسستا الجيش والأجهزة الأمنية بتركيبتهما المعقدة، المسؤولتين عن عملية توريث السلطة اللاشرعية من الأب إلى الابن دون أحداث تذكر.مع وصول الابن للسلطة، لم تحدث تغييرات مهمة على صعيد تأليه القائد واستفراده في قيادة الدولة والمجتمع، كما أن تركيبة الجيش والأجهزة الأمنية لم تشهد أية متغيرات مهمة، بل زاد نفوذ المقربين من السلطة سواء في الجيش أو الأجهزة الأمنية والشبيحة المرتبطة بها، وفي ظل انعدام القيم الإنسانية وغياب الهوية الوطنية، أصبح هؤلاء عمالقة الفساد والمحسوبية، وزادوا من تمسكهم وارتباطهم بالسلطة، كما ازدادت الشريحة الاجتماعية المرتبطة بالفساد، لذلك كله أصبح من غير الممكن إحداث تغييرات بنيوية في هياكل السلطة الحاكمة، والوصول إلى دولة ديمقراطية تعددية عصرية، دون القيام بإجراء إصلاحات جذرية في هاتين المؤسستين، وإخضاعهما للمعايير الدولية في بنية وتنظيم ومهام الجيوش، التي تعنى بمهمة الدفاع عن الوطن وحمايته أرضاً وشعباً، وليس الدفاع عن الحاكم وتكريس سلطته.استطاع الأسد الأب أن يتحكم بالجيش بعد إجراء عمليات تطهير للضباط المختلفين معه فكرياً، منذ توليه منصب وزارة الدفاع عام /1966/، واعتمد على مجموعة من الضباط المقربين في تولي المناصب الحساسة والمؤثرة، حيث كان هؤلاء على استعداد تام لتنفيذ ما كان يخطط له في الاستيلاء على السلطة، وبناء نظام رئاسي مطلق مستدام له ولعائلته من بعده، ومع جلوس الأسد الأب على كرسي الحكم، كان يدرك تماماً عدم شرعية نظامه لأنه استولى على السلطة من خلال انقلاب بواسطة المؤسسة العسكرية والأمنية، كما كان يستشعر خطر المؤسستين على حكمه، لذا لم يكتف بضمان ولاء ضباط الجيش، إنما عمد إلى تشكيل شبكة معقدة من الأجهزة الأمنية التي امتدت أذرعها وسلطاتها المباشرة إلى جميع مناحي الحياة في سورية، بما في ذلك الجيش نفسه، كما تم تكييف الجيش وتحديد مهامه، بحيث يستحيل على أي مجموعة من الضباط أن تشكل خطراً حقيقياً على الرئيس ونظام حكمه.وإذا أمعنا النظر في مجريات الأحداث، يمكننا الجزم بأن حافظ الأسد مستعيناً بخبرات خارجية ومحلية استطاع، أن يدفع المؤسسات العسكرية والأمنية والمدنية كافة للعمل الأمني بعقلية التنافس فيما بينها لإظهار الولاء، وعبر نظام مركزي يرتبط بمكتب رئيس الجمهورية الذي كان يتابع يومياً عن كثب مئات التقارير الأمنية، هكذا دخلت سورية حقبة جديدة من النظام السياسي الديكتاتوري – العسكري الذي يعتمد مبدأ عبادة الفرد.لقد أطلت في هذه المقدمة، لكي أوضح خطورة أن يستلم العسكر شؤون الدولة، وأن تكون مهمة الجيش حماية الحاكم وليس حماية الوطن.ولتناول موضوع المجلس العسكري الذي كثرت تساؤلات السوريين عنه، وشغل قطاعات واسعة من الشعب السوري هذه الفترة، من دعوات لتشكيل مجلس عسكري وفرص نجاحه، وهل هناك توجه لدى بعض الدول المتحكمة بالشأن السوري لتشكيله، حيث لانعرف شيئاً عن هذا المجلس إلا اسمه، ولم يظهر علينا أصحاب هذه الدعوة ليشرحوا لنا ماهية هذا المجلس، وهل سيتشكل من الضباط المنشقين فقط، أو هو مشترك مع ضباط النظام وجماعة قسد، وماهي غايات هذا المجلس وأهدافه ومدة سلطته، وهل سيكون صاحب السلطة السياسية والعسكرية في سورية، أم سيكون تحت سلطة سياسية، ومن هي هذه السلطة وكيفية تركيبتها إن وجدت، أم هو شعار طرح خلبياً على وسائط التواصل الاجتماعي لجمع الضباط في غرفة واحدة على الواتس أو غيره من وسائط التواصل، هذا ما سنناقشه بموضوعية ودون تحيز.إن فكرة تشكيل مجلس عسكري سوري جاءت بعد وصول (اللجنة الدستورية وهيئة التفاوض) إلى طريق مسدود، وبعد (تخبيصات) مؤتمرات أستانه وغيرها، وفقدان الثقة بمؤسسات الثورة السورية (الائتلاف والحكومة المؤقتة)، بالتأكيد هي فكرة ليست خاطئة في طرحها بعد كل هذا الفشل، ألا أن المشكلة تكمن في محاولات التجريب بعد فشل المسار السياسي، فلنجرب المجال العسكري، والمشكلة أننا نتعامل مع الأفكار والمسارات وكأن كلاً منها منفصل عن الآخر، ويطرد أفكار المسارات الأخرى، مع أن الأفكار والمسارات كلها يجب أن تتعايش معاً، بل وتتكامل أيضاً.إن غياب هذا المسار كل المدة الماضية التي تقترب من عشر سنوات يشير فعلاً إلى وجود مشكلة، أو إلى عدم جدية الدول في إيجاد حل للوضع السوري، وبحكم تجربتي الشخصية ومن خلال تواصلي مع ممثلي الدول منذ منتصف عام 2012، وقفت الدول حائلاً أمام تشكيل مجلس عسكري وجيش وطني يضاف إلى ذلك وقوف الكثير من السوريين ضد تشكيل مؤسسة عسكرية منظمة ومنضبطة وواضحة الأهداف والانتماء طبعاً لكل منهم غاياته والجميع سواء أكانوا دولاً أو تنظيمات ساعدوا على منطق الفصائلية ودعمها في الوقت الذي تم إبعاد الضباط عن العمل العسكري الذي هو مهنتهم واختصاصهم ووضعوهم في مخيمات وبقي العمل المسلح يقوده المدنيون بغض النظر عن مؤهلاتهم ومستوى وعيهم، وكم من الأخطاء والقرارات التي اتخذوها التي أودت بحياة الآلاف ممن حملوا السلاح في وجه نظام الأسد، وذهبت دماؤهم هدراً نتيجة هذه القرارات، نتيجة غياب مؤسسة عسكرية منظمة مهنية ومنضبطة تحقق أهداف الثورة، يقودها ضباط أكفاء مؤهلين كل منهم يعمل باختصاصه، لكن للأسف ذهب العمل المسلح باتجاهات أخرى وهذه هي النتيجة أمامنا، بعد عشر سنوات من المعاناة والقتل والتدمير وصلنا إلى الطريق المسدود، وأصبحت الفصائل تعمل تحت إمرة من يدفع ومن يتحكم بها خدمة لمصالحه، حتى وصلنا إلى مرحلة استخدامهم كمرتزقة، لا أريد أن أطيل في ذلك لأنكم تعرفون الواقع.والآن وبعد كل هذا الواقع المرير والكارثة التي حلت بالسوريين، تذكر بعضهم أن هناك ضباط لابد من الاستثمار بهم، وأعتقد أننا تأخرنا كثيراً في ذلك، وفرص النجاح قد تكون شبه معدومة، لكن لا يمنعنا ذلك من فعل الصحيح حتى لو كان متأخراً، والآن أتساءل كضابط منشق مع كل السوريين عن أسئلة لازالت غير معلومة لي، وأتمنى أن تتم الإجابة عليها ممن يروجون لهذا المجلس حتى نقف وبقوة لإنجاز هذه المهمة.السؤال الذي له الأوليّة في الاستفسار من سيشكل هذا المجلس؟ بالتأكيد وبشكل منطقي وموضوعي لابد من التوافق بين الأطراف الدولية والإقليمية والسورية المتحكمة في الشأن السوري على هذا المجلس، وفي حال تم التوافق على الأسماء التي ستتولى المسؤولية في هذا المجلس ربما لا نجد إلا قلة من الأسماء التي ستحظى بالتوافق، وقد تكون غير مؤثرة أو فاعلة في أداء دورها، وإذا ما وضع شرط عدم ارتكاب جرائم وفساد في شخوص أعضاء المجلس ستضيق الدائرة علينا أكثر.- ما هو المجلس العسكري الواجب تشكيله والمناسب للحالة السورية القائمة وتعقيداتها؟- هل هناك موافقة دولية من الدول المتدخلة في الشأن السوري على تشكيل هذا المجلس وهل سيلبي مصالحها ويتوافق مع استراتيجيتها؟- إذا كانت الدول المحتلة كلها أو بعضها موافقة على إنشاء هذا المجلس كمخلص للسوريين وقادرة على فرضه، لماذا لا تعمل هذه الدول على إقامة هيئة حكم انتقالي حسب قرارات الأمم المتحدة؟- هل لدى هذا المجلس قوة عسكرية في الداخل السوري يمكن الاستناد إليها والاعتماد عليها لفرض وجود هذا المجلس بشكل عملي وواقعي؟- ثم ماهي وظيفة هذا المجلس هل سيحكم البلاد أم سيكون مرؤوساً لهيئة حكم انتقالي، أم سيكون تحت سلطة الأسد كأداة لإعادة تدويره من منظور جديد؟- وماهي الضمانات أو الآليات التي تحدد إمكانية إعادة السلطة إلى الهيئات المدنية في حال تسلم العسكر للسلطة، أم سنبدأ دكتاتورية من نوع جديد خاصة أننا أدمنا عبادة الأشخاص؟- وما هو موقف رأس النظام من هذا المجلس، وهل يقبل بالتخلي عن أهم عنصر من عناصر بقائه ويسلم الجيش والأجهزة الأمنية إلى مجلس عسكري إلا في حال كان مسيطراً عليه، أو تحت ضغط دولي لايزال غائباً حتى الآن؟- ثم إذا كانت نسبة الضباط في جيش النظام وأجهزته الأمنية أصبحت أكثر من 95% من طائفة واحدة، وتعدادهم بعشرات الآلاف مقابل بضع مئات من الضباط المنشقين، كيف يمكن أن يضمن السوريون انتقالاً للسلطة السياسية في ظل هذا الجيش الذي حمى النظام من السقوط ودمر الوطن وقتل أكثر من مليون سوري وهجر أكثر من عشرة ملايين من السكان؟ وهناك أسئلة كثيرة لا أريد أن أطيل عليكم فيها وأتمنى أخذها في الحسبان أثناء تأييدنا أو رفضنا لهذا المجلس.إخوتي الأعزاء:أنا أرى ان هناك عوامل عديدة تقف حائلاً أمام تشكيل مجلس عسكري انتقالي، لكن في حال تشكل بتدخلات دولية ستعترض عليه دول أخرى وتفشله، والسبب وراء ذلك تضارب المصالح والغايات خاصة إيران وميليشياتها، حيث لا ترى مصلحتها إلا من خلال بقاء هذا النظام وعلى وجه الخصوص رأس النظام، كما أن هناك قوى من المعارضة السورية تساندها دولة لا يروق لها تشكيل هذا المجلس وستحاول إفشاله، وهناك قوى داخل النظام ستعمل على إفشال هذه الفكرة ومحاربتها، ومع وجود قوى داخل الجيش وعلى هوامشه من ميليشيات ستتضرر مصالحهم، في حال إعادة بناء الجيش على أسس مهنية ووطنية .لكن بالمقابل يتساءل بعضهم وأنا منهم، ما هو المخرج للحالة السورية إذا كانت كل هذه المصاعب ستواجه تشكيل هذا المجلس؟أنا أرى أن المخرج الوحيد هو اتفاق الدول المتحكمة في سورية، على تطبيق القرارات الدولية حزمة واحدة دون اجتزاء، وأي أمور أخرى لا أرى أنها ستخلصنا من هذا النظام، فالدولة أو الدول التي عجزت أو عطلت فرض القرارات الدولية التي هي واجبة التنفيذ، فما السر هنا أن يوافقوا على مجلس عسكري ولا يوافقوا على هيئة حكم انتقالي، والتي أقروها هم ذاتهم وبالإجماع، فأنا لا أعتقد أنهم سيفرضون مجلساً عسكرياً، لأن تشكيل المجلس العسكري لا وجود له في القرارات الدولية، ولا في تفكير الدول كمخرج للحالة السورية إلا إذا كانت روسيا ترى أن هذا المجلس يخدم النظام ويخدم مصالحها في سورية وبحسب تصريح مبعوث بوتين إلى سورية ألكسندر لافرنتيف لموقع روسيا اليوم أول أمس حيث قال (الحديث عن تشكيل مجلس عسكري هو تضليل متعمد يهدف لنسف المحادثات والعملية السياسية) يفهم من ذلك أن روسيا ل اتفكر في ذلك، ولكن حتى لو أرادت تشكيل هذا المجلس فبدون التشاور أو التوافق مع الولايات المتحدة ومع بقية الدول (إسرائيل وإيران وتركيا) سيبقى هذا المجلس مشلولاً ولن ينجح هذا المشروع.لكن من خلال تحليل وقراءة الواقع أرى أنه لن ترى فكرة تشكيل مجلس عسكري النور ولن يُشكَّل أصلاً إلا بعد التوافق على حل شامل للقضية السورية، وكما قال الدكتور حازم نهار (كل الطرق السياسية والعسكرية، تبدأ وتنتهي بعقدة رأس النظام، لقد توهّم بعضنا أن “اللجنة الدستورية” ستحل هذه العقدة أو تقفز فوقها، واليوم يتوهم بعضنا أيضاً أن “المجلس العسكري” سيحلها بعد جمود الدستورية، كل الطرق تؤدي إلى روما، وروما هنا هي رأس النظام. ما دامت هذه النقطة من دون حلٍّ أو توافق دولي وداخلي حولها، ستكون الطرق الأخرى كلها مغلقة، ولن تكون أكثر من لعبة يتسلّى بها الدبلوماسيون والمعارضون والعاملون في أروقة الأمم المتحدة، حل هذه العقدة أو التوافق حولها شرط لازم، لكنه غير كافٍ بالطبع فلابد من الانتقال السياسي بعد إزاحته عن السلطة).أنا لست مع تسلم الجيش للسلطة لأن الجيش كما تعلمون هو أداة لتنفيذ السياسة وتأمين تنفيذها، لكن أن يكون الجيش ماسكاً بالسياسة ومسيراً لها فهنا تكمن الخطورة، خاصة والسوريون يحكمون بالقوة العسكرية منذ عقود طويلة، وقاموا بثورتهم لأنهم يحكمون بالقوة والقهر، وكل الدول العربية التي حكمت بالقوة أو بالعسكر، حدثت بها ثورات على طغيان القوة في الحكم وطغيان الظلم الذي مورس عليها، وأجبروا هذه الشعوب على قبول الانقلابات العسكرية بكل مآسيها وويلاتها، التي أعاقت تطورها من خلال الفساد وسوء الإدارة وتهجير العقول وغيرها من الإجراءات التعسفية، وهذا لا يعني تبرئة حكام الدول العربية الأخرى من الظلم والفساد.ولابد من الإدراك أن هذه الأنظمة التي تعتمد في حكمها على القوة المسلحة وأجهزتها الاستخباراتية، لم يعد لها مكان في قواميس السياسة، وأصبحت الشعوب أكثر وعياً، ولن تعود إلى حظيرة هؤلاء الذين حولوا الأوطان إلى مزارع خاصة لهم ولعائلاتهم، واعتبروا الشعوب وممتلكاتها جزءاً من ممتلكاتهم، والشعب السوري أدرك ذلك ولن يعود لحظيرة الأسد مرة أخرى، ولن يستطيع الأسد أن يحكم سورية مستقبلاً بعد كل هذا الإجرام والقتل والتهجير للشعب السوري، الذي دفع ويدفع الكثير للتخلص من هذا النظام وظلمه.وعلى هذا الأساس أنا أرى أن يكون المجلس العسكري من ضمن هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، يكون المجلس العسكري تابعاً لها ومنفذاً لسياستها وحامياً لها ومدافعاً عن مشروعيتها، أو ضمن وجود هيئة سياسية يكون تابعاً لها، لذا أرى من خلال ذلك أن تنحصر مهمة الجيش والأجهزة الأمنية في الدفاع عن حدود الدولة وحفظ الأمن وإخراج القوى الأجنبية أفراداً وجماعات ودولاً من التراب الوطني، وجمع الأسلحة والقضاء على المجموعات التي لا تنصاع للحل السياسي وفق القرارات الدولية 2254 وبيان جنيف، عندها تكون أولى مهام المجلس العسكري هو إصلاح الجيش والأجهزة الأمنية كأفضلية أولى حيث لا يمكن أن تمارس أي سلطة سياسية في سورية وتنفذ سياستها قبل أن يتم إصلاح الجيش والأجهزة الأمنية، وبالتوازي مع ذلك تتم بقية الإجراءات الأخرى، لكن إصلاح الجيش سيواجه عقبات كثيرة جداً سأقدمها لكم مكتوبة.حيث تشكل عملية إعادة بناء الجيش والأجهزة الأمنية جزءاً أساسياً من إعادة بناء الدولة، وأي حل لا تكون فيه إعادة بناء الجيش والأجهزة الأمنية في أساسه وضمن جوهره لا يعتد به، وسيبقى حبراً على ورق، لذلك فإن المجلس العسكري وفق الصيغة النظرية المطروحة، لابد أن يكون أداة عملية لضمان تنفيذ القرار 2254 والسهر على تطبيقه.من أولى مهام المجلس العسكري في حال تشكله هو إصلاح الجيش والقوات المسلحة بما فيها الأجهزة الامنية:استناداً للمعايير اللازمة للتسوية السياسية للأزمة، وبناءً على دراسة الواقع الميداني القائم، وبهدف تلبية الاحتياجات الأمنية للمواطنين السوريين على المدى المنظور، والتي تؤسس إلى بناء سلام مستدام لاحقاً، ووفقاً لمضمون القرار الأممي رقم /2254/ تاريخ /18/12/2015م الصادر عن مجلس الأمن الدولي تحتاج سورية إلى تغييرات وإصلاحات جوهرية في الهيكل التنظيمي للجيش وتركيبته ودوره ومهامه. غير أن البدء بتنفيذ هذه التغييرات والإصلاحات مرتبط كلياً بعملية الانتقال السياسي للسلطة.على الرغم من ذلك يمكن تنفيذ بعض التدابير العملية قبل عملية الانتقال السياسي للسلطة بهدف تحسين الظروف وتهيئة المناخ للحل السياسي كمقدمة لعملية الإصلاح.لكن في جميع الأحوال، لابد من وضع الأسس والقواعد التي تنهي حالة الحرب، وتوفر الأمن والاستقرار وتقود إلى عملية إصلاح وبناء مؤسسات الدولة وفي مقدمتها الجيش والقوات المسلحة على أسس وطنية سليمة لكي تتناسق عملية إصلاح وإعادة بناء الجيش، مع متطلبات المرحلة القادمة، ويخضع للحوكمة الديمقراطية، ويلتزم بمبادئ حقوق الإنسان والمعايير الدولية يجب أن تعتمد عملية الإصلاح على مجموعة من العوامل: فكرية – مادية – معنوية – بشرية.وهنا يجب أن تشارك أجهزة الدولة العليا في عملية الاصلاح وإعادة البناء من خلال الاختصاصيين وأصحاب الخبرة من (عسكريين – سياسيين – اقتصاديين – حقوقيين) من أجل:وضع الخطط والبرامج الملائمة لإصلاح الوضع القائم في سورية.وضع التصورات المستقبلية لبنية ومهام ودور المؤسسة العسكرية.حصر الإمكانيات المتوفرة والمتوقعة وبرمجة طرق ومراحل تأمينها.بهدف إنجاز عملية الإصلاح وإعادة البناء، يجب أن يعمل المجلس العسكري المقترح تشكيله بالتنسيق مع الحكومة الجديدة على تشكيل لجنة اختصاصية تضم خبراء عسكريين – اقتصاديين – سياسيين وفي علم الاجتماع من أجل:دراسة السياسة الدفاعية المستقبلية للدولة.تحديد احتياجات الدولة من القوات المسلحة من حيث تعداد القوى البشرية ونوعية وحجم التسليح.تحديد أماكن تمركز وانتشار القوات المسلحة.حصر الإمكانيات الاقتصادية التي يمكن أن توفرها الدولة لعملية الإصلاح وإعادة البناء.تحديد أوليات الإصلاح والمسائل الهامة في عملية إعادة البناء.إلا أننا في الظروف الراهنة من خلال تقدير الاحتياجات الأمنية الوطنية التي يرتبط مدى تطبيقها بالقدرات الاقتصادية المتاحة يمكننا القول بأن الحاجة الفعلية للجيش تنحصر في أداء المهام التالية:حماية الحدود البرية والبحرية والجوية السورية.محاربة الإرهاب والميليشيات والتنظيمات الإرهابية التي ترفض العملية السياسية.الاشتراك مع قوى الأمن الداخلي للحفاظ على الأمن والاستقرار في البلاد.بهدف إنجاز المهام المذكورة أعلاه من قبل الجيش يحتاج من القوى البشرية ما بين 125.000 – 150.000 عنصراً في القوى الثلاث (برية – بحرية – جوية)، يتطلب ذلك تسريح أعداد كبيرة من الضباط وصف الضباط وإحالتهم إلى التقاعد أو نقلهم إلى وظائف مدنية بعد إجراء دراسات دقيقة وإجراء عملية فرز للذين ارتكبوا جرائم بحق الشعب السوري وتقديمهم للعدالة.أهم العوامل المساعدة لإصلاح الجيش:مما لا شك فيه، قبل أن تبدأ عملية إصلاح الجيش والأجهزة الأمنية، لابد من تنفيذ مجموعة من التدابير من أهمها:تحقيق تقدم ملموس في المسار السياسي وفقاً للقرار رقم /2254/ تاريخ 18/12/2015م الصادر عن مجلس الأمن الدولي وباقي القرارات الأممية الخاصة بالقضية السورية بعد عام 2011م.وقف شامل لإطلاق النار في جميع الأراضي السورية.سيطرة المجلس العسكري على الميليشيات وضبطها وتفكيكها وتجميع أسلحتها.جدولة إخراج القوات الأجنبية من الأراضي السورية كافة خلال فترة زمنية محدودة.إخراج الميليشيات والعناصر الأجنبية كافة من الأراضي السورية خلال فترة زمنية محددة.إشراف الامم المتحدة على الخطوات المتعلقة بالتسوية السياسية وفقاً للقرارات الدولية ذات الصلة.الإفراج عن المعتقلين تعسفياً سواء من قبل النظام أو فصائل المعارضة وتبيان مصير المفقودين.الالتزام بتطبيق مبدأ العدالة الانتقالية ومحاسبة مرتكبي الجرائم الجسيمة بحق السوريين سواء من قبل النظام السوري أو المعارضة.الخطوات الواجب تنفيذها من أجل إصلاح الجيش وإعادة بنائه:من المؤكد تماماً بأن عملية إصلاح الجيش تبدأ بالحفاظ على ما تبقى منه بعد إعادة بنائه وفق المعايير الوطنية والدولية، على أن يكون ولاءه للوطن ويعتمد على مبدأي الكفاءة وحسن الأداء، ويمثل جميع فئات الشعب السوري على قدم المساواة، ومن الضروري جداً إعادة بناء الثقة المفقودة بين الشعب والجيش، كما يجب إخضاعه للحوكمة الديمقراطية وسيادة القانون والرقابة والشفافية والمهنية وعدم تدخله في الحياة السياسية.من أهم الخطوات الواجب تنفيذها لضمان عملية الإصلاح وإعادة البناء هي:تشكيل مجلس عسكري انتقالي يتألف من الضباط المنشقين والموالين ممن لم يرتكبوا الجرائم بحق الشعب السوري ومن أصحاب الكفاءات والخبرات القيادية والتنظيمية والمشهود لهم بالوطنية. يتصدى هذا المجلس لتنفيذ مجموعة من المهام سيتم تناولاها لاحقاً.إعادة التوازن الديمغرافي للجيش بما يتناسب مع التركيبة السكانية للبلدإحالة جميع مرتكبي الجرائم سواء من فصائل المعارضة المسلحة أو الجيش السوري إلى محاكم عسكرية مختصة، وتطهير الجيش منهم.تحديد الهيكل التنظيمي للجيش وقوامه من القوى البشرية والوسائط المادية والعتاد القتالي وفقاً لدوره ومهامه في حماية الوطن وصيانة الدستور.تحديد أماكن تمركز وانتشار الوحدات والقطعات والتشكيلات ومختلف المنشآت العسكرية وفقاً لدور ومهام المؤسسة العسكرية التي تحددها القيادة العسكرية بإشراف القيادة السياسية للبلد.تحديد آليات وقواعد شغل المناصب العسكرية في الجيش على المستويات كافة استناداً إلى مبدأ الكفاءة وحسن الأداء ومستوى التأهيل المهني، واعتماد الشفافية وتجريم الطائفية والمحسوبية والفساد بما ينسجم مع التحول الديمقراطي للبلاد.إعادة صياغة أنظمة عمل مؤسسات الجيش كافة وأنظمة قتال مختلف أنواع القوات المسلحة الأساسية وصنوف القوات والقوات الاختصاصية بعيداً عن الحزبية والأيديولوجية، بحيث يبقى ولاء الجيش للوطن بعيداً عن الحياة السياسية.إعادة الضباط وصف الضباط المنشقين كافة للجيش والأجهزة الأمنية، واستبعاد من انحرف منهم عن السياق الوطني أو انتسب الى التنظيمات المتطرفة والإرهابية أو مارس الفساد.إعادة صياغة الأنظمة الداخلية للمنشآت التعليمية ومناهج التدريب المعتمدة فيها بما ينسجم مع بناء جيش حديث على أسس وطنية سليمة بعيداً عن الحزبية والأيديولوجية.- تحسين المستوى المعيشي لمنتسبي الجيش أسوة بباقي العاملين في الدولة، مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة عمل العسكريين من حيث الزمان والمكان ومنحهم التعويضات المناسبة الكفيلة باستئصال الأمراض السائدة في جيش الأسد.يمكن أن يشكل المجلس العسكري مع بدء التوافق على الحل السياسي قبل التوصل إلى اتفاق سياسي كامل، في جميع الأحوال يحتاج إلى دعم وتوافق دوليين مع ضمان عدم التدخل بأعماله.بناءً على طبيعة الاتفاق السياسي توجد حالتان لتشكيل المجلس العسكري:الحالة الأولى:في حال التوافق على الانتقال السياسي للسلطة من خلال هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات تقوم الهيئة بتشكيل مجلس عسكري انتقالي يخضع لسلطتها، في هذه الحالة يتألف المجلس العسكري الانتقالي من: وزير الدفاع ووزير الداخلية ورئيس الأركان وقادة القوى الرئيسية ورؤساء الهيئات ومدراء إدارات شؤون الضباط والاستطلاع وشعبة التنظيم والإدارة ورئيس شعبة المخابرات ورئيس جهاز الأمن العام في وزارة الداخليةالحالة الثانية:إذا تم التوافق على استمرار النظام الحالي لفترة انتقالية محددة وقبل التوصل إلى اتفاق سياسي نهائي يمكن أن يشكل مجلس عسكري مستقل يتمتع بالصلاحيات المذكورة أعلاه في قيادة الجيش والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية ويشرف على عملية إصلاحهما وإصلاح وإعادة بناء وزارة الداخلية بحيث يضم ضباطاً من المنشقين والموالين ممن لم يرتكبوا أية جرائم بحق الشعب السوري في الداخل والخارج أو يمارسوا الفساد على أن يغطي الضباط من حيث العدد (15) الوظائف المذكورة في الحالة الأولى.للأسف كل المسارات المطروحة علينا مسدودة، سواء أكانت دستورية أو سياسية أو عسكرية، ولا يمكن فعل شيء بشأنها إلى حين حدوث اتفاق دولي إقليمي. هل نستسلم؟ بالطبع لا، لنتعامل مع هذه المسارات بوصفها لعبة لا أكثر، تماماً كما يتعامل النظام معها، لكن في المقابل ينبغي عدم وضع البيض كله في سلة هذه المسارات. البيض، كل البيض، ينبغي أن يوضع في سلة بناء قوى سياسية جديدة، فهذا وحده الأجدى والأبقى، من أجل سورية ومن أجل الأجيال القادمة.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني