اللامركزية الإدارية الموسعة
لا يمكن تأسيس الهوية الوطنية الجامعة بالخطابات البعثية الجماهيرية والتي صارت تسري في السوريين موالاة ومعارضة مسرى الدم في الأوردة، بل عبر شعور الفرد بعمق امتنانه للدولة التي منحته الحقوق والحريات.
وليس هناك أنجع من اللامركزية الإدارية الموسعة حلاً لشفاء الجراح التاريخية لمكونات سوريا الأهلية، سواء على صعيد كل محافظة أو عبر اتفاق السوريين على اجتماع أكثر من محافظة في (تكتل/إقليم/ولاية) إداري/ة واحد/ة.
اللامركزية الإدارية الموسعة (1):
ليس هناك أروع من نماذج اللامركزية الإدارية في العالم الحديث، بحيث تكون هناك ولايات لها إدارات تنفيذية ومؤسسات تشريعية مصغّرة مع احتفاظ كل وحدة إدارية (مدينة/ناحية/بلدة) داخل الولاية بحريتها في سنّ قوانينها الإدارية المناسبة، مع ترك القضايا السيادية لحكومة المركز كالأمن والدفاع والمالية وسياسات النقد والسياسات الخارجية واحتكار التمثيل الدبلوماسي.
ولا حل لمعضلة المشاركة السياسية في سوريا في مسائل السلطة والإدارة والثروة سوى بنموذج اللامركزية الإدارية الموسعة.
وهنا أقترح (أي لا أقرر حتى لا يساء الفهم) أن يُلغى نموذج المحافظات القديم ليتم استبداله باستحداث خمس ولايات في سوريا الجديدة بحيث يكون لكل ولاية إدارتها التنفيذية ومؤسستها التشريعية المنتخبتين من أبناء الولاية ذاتها:
– ولاية الجزيرة وتضم (الرقة ودير الزور والحسكة).
– ولاية تضم (حلب وإدلب وحماة).
– ولاية تضم (اللاذقية وطرطوس وحمص).
– ولاية تضم (دمشق وريف دمشق).
– ولاية تضم (درعا والسويداء والقنيطرة).
اللامركزية الإدارية الموسعة (2):
من أجل ألا تسيطر على البلاد نخبة معينة تتداور الحكم بينها كما في العراق ولبنان وإسرائيل، لابد من إشراك الشرائح المجتمعية كافة في السلطة والإدارة، كي تستطيع أن تؤثر في تغيير النخب الحاكمة في المركز وتساهم في صناعة مستقبلها ومصيرها.
لكن على أي أساس يتم انتخاب إدارات ومؤسسات تشريع الولايات؟
بالطبع عن طريق قانون أحزاب وطني عصري تتنافس فيه كل الأحزاب السورية على الانتخابات المحلية أي يحق للأحزاب العلمانية والإسلامية والليبرالية واليسارية والقومية أن تتنافس في يوم موعود على انتخابات الولايات، وأي حزب يفوز في أي ولاية أي يحظى بأعلى عدد من مقاعد المؤسسات التشريعية داخل الولاية يحق له أن يشكل إدارتها التنفيذية ولكن شريطة أن يكون الأعضاء كلهم من أبناء الولاية ذاتها.
اللامركزية الإدارية الموسعة (3):
يحق لمدينة سلمية مثلاً أو مدينة تلكلخ أو مصياف أو مدينة اليعربية أو تل حميس أو منبج أو عامودا أو الدرباسية أو محردة أو القرداحة أن يكون لها مجلس إدارتها المنتخب، على أن تلتزم بقوانين ولايتها العامة مع هامش خاص باستحداث قوانين إدارية خاصة بها وتستلم اعتماداتها المالية من الولاية.
اللامركزية الإدارية الموسعة (4):
انتخابات البرلمان العام للدولة تكون في موعد مختلف عن موعد الانتخابات المحلية، ولكنه يجري بذات الآلية بحيث تتنافس كل الأحزاب الوطنية والحزب الفائز يحق له وفق الدستور أن يشكل الحكومة السيادية للبلاد وحده أو عبر ائتلاف مع أحزاب أخرى إن لم ينجح في تجاوز العتبة القانونية.
اللامركزية الإدارية الموسعة (5):
يتم الاتفاق بين السوريين جميعاً خلال مرحلة صياغة الدستور الجديد على نصيب كل ولاية من الناتج القومي للبلاد و/أو من ثروات الولاية ذاتها ويتم توزيع الاعتمادات المالية سنوياً من وزارة الخزانة السورية السيادية، ويحق للحكومة المركزية أن تمارس الرقابة على عمل الإدارات التنفيذية للولايات، بالإضافة للتفتيش القضائي السيادي، ولا حصانة لأي عضو أو فريق ينتمي لإدارة تنفيذية حاكمة في ولاية في قضايا الفساد أو الاستبداد أو القمع أو النهب العام.
اللامركزية الإدارية الموسعة (6):
إن قامت ولاية الجزيرة بمحافظاتها الثلاث، فسوف تحل أكبر معضلة سورية وهي المشكلة الكردية، بحيث يتفق العرب والكرد والسريان والآشوريين والأرمن والشاشان واليزيديين والجركس على إدارة مناطقهم بأنفسهم، وحتى الأحزاب التي لا تتمكن من حكم الولاية يمكنها أن تفوز في مدينتها التي لها فيها قواعد شعبية واسعة.
اللامركزية الإدارية الموسعة (7):
لا يمكن بناء الثقافة الديمقراطية إن بقيت فقط محصورة في النخب أي في القمة مع ترك القاع الشعبي مجوّفاً ومحروماً من الشراكة السياسية، بحيث يعمل كخادم لدى الأحزاب السياسية الكبرى وأساطين المال والعلاقات الدولية. بل يجب إشباع الحالة الديمقراطية لدى كل شرائح المجتمع حتى تشمل القرى والبلدات والنواحي والولايات، لكي نستطيع أن نصل إلى الفرد الديمقراطي النموذجي الذي لن يقبل بعودة الاستبداد.
اللامركزية الإدارية الموسعة (8):
توفّر هذه الآلية من الإدارة تطمين أهالي المدن والولايات لجهة عدم استئثار جهات سياسية معينة بالسلطة والمال العام، كما أنها تمنحهم الطمأنينة لجهة عدم فرض قوانين لا تتناسب وثقافاتهم المحلية. فثقافة موحسن في دير الزور حتما تختلف عن ثقافة مدينة شطحا في حماة.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”