اللاذقية.. غلاء إيجارات المنازل واستغلال حاجات النازحين
تركت أم سعيد منزلها في مدينة اللاذقية منذ سنوات وغادرت إلى تركيا هاربة مع أسرتها، خافت كثيراً من استيلاء الأمن عليه بسبب إغلاقه لفترة طويلة وملاحظة الجيران ذلك، ما دفعها لتأجيره عن طريق إحدى قريباتها في المدينة.
تتحدث لـ “نينار برس”: إن الكثير من العروض قدمت لها وبأسعار كبيرة جداً واختارت إحدى الأسر التي تدرك بأنها قادرة على المحافظة على منزلها وأثاثها، مؤكدة أن المدينة كونها تعتبر آمنة بشكل نسبي تحولت إلى ملجئ للنازحين من باقي المحافظات خصوصاً من الموالين للنظام الراغبين بالبقاء في مناطق سيطرته وهذا ما جعل الطلب على المنازل كبيراً جداً.
تابعت: إن الإيجارات مرتفعة جداً وتزداد بشكل دائم بسبب وضع العملة السورية وانهيارها الدائم، وتبدأ من عشرة آلاف ليرة سورية، حسب موقع المنزل ومساحته وتجهيزه، وهي تتقاضى حالياً 75 ألف ليرة سورية شهرياً كإيجار لمنزلها وهو مبلغ بسيط جداً عندما تقوم بتحويله إلى العملة التركية.
عبء كبير:
تشكل إيجارات المنازل في المدينة عبئاً كبيراً على الأسر النازحة – التي تركت كل ما تملك في أماكن حياتها الأصلية – ومن خسر عمله أو أرضه التي كانت مصدر دخله الوحيد ويعتبر هذا المبلغ عبئاً إضافياً زائداً على مصاريف الحياة اليومية.
فضلاً عما يتعرضون له من استغلال كبير، فقد حول أصحاب الأملاك في اللاذقية أي مكان كان سابقاً لا يصلح للعيش إلى غرف يقومون بتأجيرها لكسب المال، في ظل الغلاء الشديد وغياب فرص العمل، لكن هذا الحال يعتبر استغلالاً للفقراء غير القادرين على تأمين المال.
تشرح (و.ع)، إحدى النازحات من مدينة حلب وتقيم في اللاذقية لـ “نينار برس”: إن إيجار المنزل يشكل الضغط الأكبر عليهم، لذا يتوجب على جميع أفراد الأسرة العمل لتأمينه وتأمين مستلزمات الحياة، شارحة أنهم يتعرضون للكثير من الاستغلال خلال عملية البحث عن منزل من خلال ما يعرف بالسماسرة الذين يقومون بتأمين المنازل، وهي مهنة جديدة عرفت في المدينة بعد توافد النازحين إليها، مضيفة أن هذا يتزامن مع الارتفاع الدائم في الإيجار فمثلاً، كانت تدفع 20 ألف ليرة سورية بدل إيجار لمنزلها الذي تسكنه حالياً، واليوم أصبح بدل الإيجار 50 ألف ليرة سورية، فمطالبات أصحابه تكرر لرفع الإيجار متذرعين بوضع الليرة السورية والغلاء الشديد.
إعادة ترميم:
عملت الكثير من الأسر على ترميم منازلها القديمة أو منازل ذويهم ممن تركوا المدينة وحولوها إلى منازل للإيجار نظراً للطلب الكبير عليها، فهناك الكثير من مصادر الدخل الجديد التي وجدها السكان في اللاذقية بعد وصول النازحين إلها ومنها تأجير البيوت.
يتحدث (خ.ب)، صاحب عدة منازل ومحلات في المدينة، قام بتأجيرها مع بداية توافد النازحين إليها لـ “نينار برس”: إن الأهالي مجبرون على تأجير منازلهم حتى ولو لم تكن مناسبة للعيش كثيراً فاليوم لا يوجد أية غرفة حتى ولو كانت قبواً ولا تدخلها الشمس أو الهواء إلا وقد سكنتها إحدى الأسر وذلك لعدة أسباب أبرزها، بقاء المنازل فارغة يجعلها عرضة للمداهمة والاستيلاء عليها من قبل عناصر الشبيحة والأمن، فضلاً عن العامل المادي وتحويلها لمصدر للعيش، معتبراً أن كل بيت يقيّم إيجاره بحسب ما يناسبه فسابقاً كانت الإيجارات منخفضة جداً، والليرة السورية غير منهارة كما اليوم، أما حالياً فإن أي مبلغ يعتبر ضئيلاً ولا يتناسب مع متطلبات الحياة.
تابع: إن هذا لا يعني غياب الاستغلال بل يوجد الكثيرين ممن تاجروا بحاجات الناس ومنهم من استغل الأسر النازحة وحاجتهم للمأوى وعمل على أخذ مبالغ مالية لمساعدتهم بإيجاد منزل، خصوصاً أنهم قادمون من مناطق أخرى خارج المدينة ولا يعرفون عنها، وبعضهم ليس لديه أي معارف أو أقارب لتقديم العون والمساعدة.
إيجارات غير مناسبة:
منذ عدة أشهر تعاني أم حسن من دفع إيجار الغرفة التي تعيش فيها مع أطفالها في حي قنينيص داخل المدينة وتبحث عن غرفة بإيجار أقل لكن دون فائدة تروي أن إيجارها حالياً 12 ألف ليرة سورية وهو مبلغ يصعب تأمينه بالنسبة لها، فهي أم لثلاثة أطفال وزوجها معتقل لدى النظام وليس لديها أي دخل سوى ما يحصل عليه ابنها الذي يعمل في أحد معامل الأحذية ويتقاضى خمسة آلاف ليرة أسبوعياً وبذلك يكون دخلها الشهري 20 ألف ليرة سورية تدفع منها 12 ألف للإيجار وما تبقى منه لتأمين الطعام ومستلزمات المدرسة وفواتير الكهرباء والماء، ما يجبرها على الاقتراض كل شهر.
تضيف أنها تعيش في غرفة غير صحية والرطوبة تملؤها، لكن لا يمكن أن تجد غرفة ببدل إيجار أقل في هذه الأوضاع وارتفاع الأسعار، مؤكدة أن هذه الأسعار لا تتناسب مع وضع المستأجر ومع حالات الكثير من الأسر لكن ليس لديهم أي حلول بديلة، وتحمّل النظام المسؤولية الأساسية عما وصلت إليه أحوال الناس، الذي يفترض به أن يؤمن المساعدة للنازحين ويقدم لهم المأوى المجاني لكن هذا الأمر مقتصر على أصحاب الوساطات والموالين.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”