الكوتا النسائية.. أسئلة كبيرة وواقع صغير
يحق طرح سؤال: هل الكوتا GUOTA تلبي مبادئ تندرج تحت مفهوم “النسوية”؟. هل هي ضدّ مبادئهن؟. وهل تلبي طموحات النسويات العربيات والسوريات بشكل خاص؟.
أسئلة حان وقت طرحها في ظل حراك سياسي، وتفاعل على مستوى هيئات وتجمعات السياسيات السوريات، إذ لطالما قفزت الحركة النسوية في مطالبها إلى درجة الاتساع، من موقعها كحركة حقوقية، تطالب بالحرية والمساواة أسوة بالرجل، لفضاءٍ أعم وأشمل، يبدأ من صياغة المفاهيم والمصطلحات وترسيخها، ويشمل نقد الرؤية الثقافية والفكرية والاجتماعية والنفسية والأخلاقية السائدة، وصولاً إلى إعادة صياغة المفاهيم والتاريخ والفن والفلسفة والأدب.
من هذه الرؤية، يمكن أن نقول إن مصطلح الكوتا النسائية له حضور واسع وقوي ضمن خطط العمل والسياسات والمشاريع وكل البرامج التي تصدر عن الأمم المتحدة والخاصة بالمرأة.
إن مصطلح GUOTA هو مصطلح لاتيني الأصل، ويعني الحصة أو النصيب، واستخدم هذا المصطلح لتحديد عدد المقاعد في الهيئات المنتخبة، في البرلمانات والمجالس البلدية لتصل المرأة إلى مركز صنع القرار، ولتعزيز مشاركتها الفاعلة في الحياة العامة. ولكن هذه الحالة تمثّل حلاً مؤقتاً بالنسبة للمرأة المناضلة.
فالتمييز الإيجابي حسب ما أطلقته الولايات المتحدة، كان كسياسةٍ لتعويض الأقلية السوداء، الأقلية المحرومة في ستينيات القرن الماضي، من أجل قبول عددٍ من الطلاب في المؤسسات التعليمية، فهل هذا التمييز يعطي للمرأة شعوراً بالقوة والانتصار؟.
تحديد نسبة الكوتا ضرورة
تقول السياسية السورية هند قبوات عضو لجنة المفاوضات في المعارضة، والمديرة التنفيذية لمنظمة “تستقل”: “إننا عندما نقول كوتا 30% نقول إنها الحد الأدنى وليس الحد الأعلى، فنحن نبدأ بالقليل لنصل إلى نسبة 50% أو 70%، وعادة نتبع هذا الأسلوب في المفاوضات برقمٍ كحدٍ أدنى ثم نزيد النسبة، أما إذا تركنا الأمر لهم (الرجال) فلن يعطوا المرأة شيئاً”.
ولنتذكر ألمانيا وميركل، فلولا الكوتا لما كان هناك ميركل في الحياة السياسية، فالكوتا يجب تطبيقها في أي بلدٍ من أجل النساء، والتي عدّتها مكاناً ومساحةً جيدة لنا، من أجل أن نعمل ونزيد النسبة.
من هذا المفهوم نستنتج أن تحديد النسبة هو خطوة أولى لتحقيق الهدف الحقيقي من النضال النسوي، وهذا ما يجيب على سؤالنا التالي أيضاً: لماذا المرأة النسوية السياسية، ورغم كل نضالها تقبل بالكوتا؟. أليست المواطنة مساواةً وتكافؤاً؟.
الكوتا النسائية تمييز ولكنه إيجابي
خولة دنيا عضو الأمانة العامة بالحركة السياسية النسوية تقول: نحن في النهاية يهمنا تضمين ووصول الحقوق للأقليات، بمن فيهم النساء كأقلية، لأنهم يتعاملون مع المرأة بعدم تضمينها، ونسيانها، ويتم إزاحتها وإبعادها عن مواقع صنع القرار، أو تضمينها بمواقع هامشية، أو بصيغة غير مقررة.
وبالرغم من أن الكوتا تحمل في مضمونها نوعاً من التمييز، لكنه تمييز إيجابي، ونحن بحاجته حالياً. وفي حال عدم امتلاكها لهذا التمييز، فستكون الغلبة للمجموعات المسيطرة على حساب المجموعات الأكثر ضعفاً، والتي تشمل النساء والأقليات العرقية والجنسية وغيرها، نحن بحاجة الكوتا ولو لفترة محدودة، فلو قمنا الآن بانتخابات فحتماً بدون الكوتا سوف نرى أن النسبة لا تتجاوز 1% أو 2% أو 3%.
طبعاً بشرط ألا تقل النسبة عن 30% من وجود النساء، نحن في مرحلةٍ مقبلة ممكن أن نكون مثل السويد، أو غيرها من الدول، التي يكون فيها وجود ضخم للنساء في الانتخابات، وبمواقع صنع القرار، حينها لا حاجة لوجود الكوتا.
إذاً فالكوتا هي نوع من ضمان الحقوق بغية العمل على تدعيم تلك الحقوق مع استمرار الضغط لتحسينها. لكن هل أصبحت الكوتا محاصصة؟ والمحاصصة فساد؟ بينما التكنوقراط والكفاءات والأقدر هو الأحق، ذكراً كان أم أنثى.
وإذا بحثنا في أنواع الكوتا سوف نجد التعيينية، والتشريعية، أو (القانونية أو الترشيحية). ونجد الكوتا الطوعية وأخيراً التنظيمية، لو أمعنا النظر في تعريف كلٍ منها سوف نلاحظ ارتباطها بالإرادات السياسية وبالقرار السياسي حيناً، وحيناً آخر تكون ملزمةً وإجباراً ضمن القوانين. وربما تعطينا مفهوم الهبة والمنّة، فهل هي منحةٌ من الرجل؟.
وهل سقف طموح المرأة السياسية هي نسبة الـ 30%؟.
لم تناضل المرأة وتطلب المساواة من أجل أن يكون وجودها فرضاً دون كفاءة، أو لمجرد تمثيل شكلي غير فاعل، أو إعطائها مراكز ثانوية، غير رئيسية.
هنا تكون الكوتا انتقاص من قوة وكفاءة المرأة وليست انتصاراً لها، فلماذا تقبل المرأة العربية في الوقت الذي يجب أن تطبق فيه الكوتا بكل المواقع القيادية ومفاصل أجهزة الدولة التنفيذية والتشريعية والهيئات الاستشارية والقضاء واللجان، وفي الهيئات القيادية ولكل الأحزاب والتنظيمات.
وأن يسمح لها بالترشيح في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمجالس المحلية، ويمكن أن يخصص في الدول العربية عدد من المقاعد في المجالس البرلمانية لإشراكها في العملية السياسية، ففي مصر مثلاً وهي البلد الذي يعد أول بلد عربي استخدم الكوتا في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، بموجب نص دستوري عام 1964، إلا أن المحكمة الدستورية العليا قضت بعدم دستورية القانون عام 1979.
وتمّ إلغاء نظام الكوتا النسائية، رغم أن مصر تأخذ بنظام الكوتا العمالية. فهل هو منحة من الرجل؟ أم هو حق كوننا نطالب بالمساواة فيجب أن تكون النسبة هي النصف 50% وألا نكتفي بـ 30% ونشعر بالنصر.
الكوتا السياسية إنجاز للنسوية
وتقول الناشطة المدنية وعضو في شبكة حماية المرأة أمل السلامات: أنا سأنظر إلى الأمر هكذا: عبر سنوات عديدة، ومنذ انتهاء فترة الاستقلال الأول ومشاركة المرأة ثقافياً وسياسياً، بدأت سلسلة من التراجعات في دور المرأة بالرغم من أنه بدا ظاهرياً، بأن المرأة أفضل حالاً من وضعها بعد انطلاق الثورة من الناحية الإنسانية والاجتماعية، وخاصة بعد ظهور الانقسامات الحادة في المجتمع، وظهور تنظيمات متشددة تحت مسميات مختلفة.
وتضيف أمل السلامات: إلا أنني أعتقد أن هذا الأمر ليس دقيقاً تماماً. فالمرأة السورية تمّ تأطيرها بما يخدم النظام ومصلحته، ولم تأخذ المرأة دورها في أي مجال كان، حتى بعد اندلاع الأحداث في سوريا، طال التغيير المرأة بشكل مباشر، وكان من ضمن التغيير أن تتجه المرأة إلى ما سمي بساحات النضال، للحصول على حقوقها كاملة، ولتأخذ دورها خاصة في المجال السياسي، هذا المجال ليس من السهل خوض غماره، فهو جديد على المرأة السورية. ولذلك فإن وصول النساء إلى مرحلة الكوتا السياسية هو إنجاز بحد ذاته، وهو إنجاز مبدأ في ظل بلد كان قبل الثورة يسخر المرأة وفقاً لمصالح نظامه وبعد الثورة التي طال أمدها فأنتجت أجيالاً وتطرفاً اجتماعياً.
فهل الكوتا تعبير عن فشل المشروع النسوي، باعتبارها أتت على قاعدة ضغوط دولية؟. إن الحديث عن الكوتا (للمرأة السورية) وعن تمثيلها يشبه المشي في حقل ألغام في ظل صراع ثقافي وايديولوجي وانقسام اجتماعي واضح.