القرار 2254 بين الدعاية والوقائع
مقدمة:
بداية، أود التأكيد على أن ما أقدمه من قراءات يأتي كما آمل في إطار المساهمة في حماية الطابع السلمي لحراك السوريين الديمقراطي من خلال كشف لا موضوعية ما بات أقرب إلى المسلمات في الوعي السياسي النخبوي المسيطر، لعل إدراك حقائق الواقع يساعد نخب الحراك وناشطيه الشرفاء على تجنب أخطاء ومخاطر تجارب الحراك الثوري السوري في موجاته المتتالية منذ ربيع 2011؛ خاصة على صعيد تجييره لصالح أجندات قوى خارجية.
لقد نجحت ماكينة الدعاية الأمريكية، وشركائها في فريق العمل الدولي من أجل سورية وأدواتهم في مجلس الأمن والمعارضات السورية، في صناعة رأي عام سوري، نخبوي وشعبي، باتت من مسلماته الراسخة الاعتقاد بأن تطبيق القرار 2254 هو الوصفة السحرية لتحقيق أهداف وآمال السوريين المشروعة في حصول انتقال سياسي وتحول ديمقراطي، وما زال بعضهم يطالب، وينتظر.
ولأن تطبيق القرار 2254، بات على رأس أولويات نخب الحراك السلمي في السويداء، اعتقادا منهم أنه الوسيلة الأفضل لتحقيق أهداف النضال الوطني الديمقراطي السوري، بما يتناقض مع الوقائع ويغيب المخاطر، أحاول في دراسة خاصة حول ما يسمى مسار جنيف السياسي كشف الحقائق التي تم تغييبها عن الرأي العام السوري، النخبوي والشعبي، وما ترتب على سيطرة الوعي البديل، الغير موضوعي، من مخاطر على صعيد الوعي السياسي والممارسات النخبوية وقضايا السوريين العادلة، على أمل أن تستطيع نخب السوريين الوطنية الشريفة تعلم الدرس، وأخذ العبر.
الجزء الأول:
في إطار هذا الهم الخاص، أحاول في هذا الجزء الاول توضيح الأسباب الكامنة في آليات التنفيذ التي تجعل من القرار 2254، لا قراراً، وتكشف لا موضوعية تعويل قوى ونخب قيادة الحراك على هدف وشعار تطبيقه، وقد بات يتصدر قائمة الأهداف؛ على أن أتناول في أجزاء أخرى طبيعة السياقات والحيثيات التي حددت حقيقة أهداف وآليات عمل مسار جنيف في جميع محطاته، بما فيها القرار 2254، وجعلت من التعويل عليه، هروباً إلى الأمام، ووَهْماً، يضلل الذات. والآخر.
الانطباع الأولي، المخيب للآمال، الذي يمثله مسارعة قيادة الانتفاضة الشعبية في السويداء لوضع تطبيق القرار 2254 على رأس الأولويات، وذلك، كما تأمل، لتحقيق السلام المستدام، كما ورد في البيان رقم ٣، هو عدم قدرة القوى والأحزاب والنخب التي تتنطح لقيادة حراك سياسي ثوري على الخروج عن إرث وعي سياسي وثقافي نخبوي معارض منفصل تماما عن حقائق الواقع، وبات عبئاً ثقيلاً.
من نافل القول أن تقييم فاعلية مشروع سياسي من وجهة نظر مصالح السوريين المشتركة في الانتقال السياسي والتحول الديمقراطي لا يعتمد فقط على الأهداف المُعلنة، مهما بدت ملبية لمصالح السوريين، بل يجب أن يأخذ بعين الاعتبار القصوى طبيعة آليات التنفيذ، ودرجات واقعيتها و قدرتها على فرض تحقيق الأهداف المُعلنة، التي قد لا تكون، وفقاً لمصالح القوى المعنية، أكثر من كلام حق، يُراد به عين الباطل! فما الفائدة العملية من طرح أهداف، لا ترتبط بآليات تنفيذ فعالة.
لن أقوم بسرد ما نتج عن إجراءات وجهود مسار جنيف منذ ربيع 2012 – وفي محطة القرار 2254 لعام 2015 وحتى آخر لقاء للجنته الدستورية وهيئته التفاوضية – من فشل ذريع، وخيبات، وتضييع لجهود النخب المعارضة، بل سأركز على توضيح أسباب التفشيل في آليات التنفيذ ذاتها التي اعتمدها عرابو العملية السياسية لمسار جنيف في جميع محطاته، وعلى رأسها القرار 2254.
إذا اتفقنا انه من السذاجة السياسية أن نقيم برنامج عملية سياسية، كما هو حال مسار جنيف، فقط من خلال الأهداف المُعلنة، دون ربطها بآليات تنفيذ فعالة وواقعية، تتوافق مع مصالح القوى التي تتبناها نظريا، ندرك طبيعة العيب البنيوي في مسار جنيف!.
مشكلة القرار 2254 ليست في أنه لم يدعُ الى انتقال سياسي وهيئة حكم، بل لأنه دعا إليهما نظريا، ولو بطريقة مواربة[1]، لكنه لم يُضَمن آليات تنفيذ فعالة (على غرار بيانات جنيف ونقاط أنان السابقة!)، يمكن أن تحقق الأهداف المُعلنة، التي يتطلع إليها السوريون؛ ولم يحصل هذا التجاهل لأهمية وضع آليات تنفيذ، قادرة على تحقيق الأهداف، سهوا بقدر كونه يلبي مصالح وسياسات الدولتين الراعيتين، الولايات المتحدة وروسيا، في عدم حصول انتقال سياسي، وبالتالي المحافظة على سلطة النظام وتفشيل مقومات الدولة السورية.
أين مكمن العطب في آليات التنفيذ، الذي يجعل من إمكانية تحقيق هدف الانتقال السياسي والتحول الديمقراطي مستحيلة؟
1- اشتراط موافقة حكومة النظام.
2- حصر وسائل فرض تنفيذ قرار وقف النار بأوراق الضغط (.. ويحث الدول الأعضاء، ولا سيما أعضاء الفريق الدولي لدعم سورية، على دعم وتسريع كل الجهود المبذولة لتحقيق وقف لإطلاق النار، بسبل منها الضغط على جميع الأطراف المعنية للموافقة على وقف إطلاق النار والتقيد به؛).
3- تحييد دور الأمم المتحدة، مجلس الأمن، وحصر دوره بالرعاية، عبر تعيين مندوب، يعمل على تيسير المفاوضات. (يطلب إلى الأمين العام أن يقوم، من خلال مساعيه الحميدة وجهود مبعوثه الخاص إلى سورية، بدعوة ممثلي الحكومة السورية والمعارضة إلى الدخول على وجه السرعة في مفاوضات رسمية بشأن عملية انتقال سياسي.. يطلب إلى الأمين العام أن يقود، من خلال مكتب مبعوثه الخاص وبالتشاور مع الأطراف المعنية، الجهود الرامية إلى تحديد طرائق وشروط وقف إطلاق النار..).
4- الاعتماد على وعود فريق العمل الدولي للمساعدة في تحقيق وقف إطلاق نار، ويحث الدول الأعضاء، ولا سيما أعضاء الفريق الدولي لدعم سورية، على دعم وتسريع كل الجهود المبذولة لتحقيق وقف لإطلاق النار، بسبل.
5- الأخطر من ذلك كله:
إذا لاحظنا التأكيد على ربط بدء العملية السياسية بوقف إطلاق النار:
(5- يسلم بالصلة الوثيقة بين وقف إطلاق النار وانطلاق عملية سياسية موازية.. )، وعلى أن وقف إطلاق النار لن يشمل مناطق الحرب ضد الإرهاب (ويلاحظ أن وقف إطلاق النار المذكور أعلاه لن يطبق على الأعمال الهجومية أو الدفاعية التي تنفذ ضد هؤلاء الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات)، وعدم الاتفاق على فهم مشترك، يحصر المجموعات الإرهابية بتنظيمي داعش والنصرة، (9- يرحب بالجهود التي بذلتها حكومة الأردن للمساعدة في إيجاد فهم مشترك داخل الفريق الدولي لدعم سورية للأفراد والجماعات الذين يمكن أن يحددوا بوصفهم إرهابيين وهو سينظر على وجه السرعة في التوصية التي قدمها الفريق لغرض تحديد الجماعات الإرهابية؛، ومن الطبيعي أن ينال الفهم موافقة روسيا!).
ندرك طبيعة الخديعة التي تعرض لها الرأي العام السوري:
فوفقاً لذاك الترابط:
حصول وقف إطلاق نار كخطوة أولى، (على أن يليها إطلاق العملية السياسية، كخطوة ثانية) مؤجل إلى أن تنتهي الحرب ضد الإرهاب، لأنها عمليا تشمل كامل الأراضي السورية، طالما تحديد الجمعات الإرهابية لا ينحصر بداعش والنصرة، بل بقي قضية معلقة، سيقوم الأردن بحلها بالتوافق مع فريق الدعم الدولي، خاصة روسيا، التي ستستخدمه كيافطة لتغطية حروبها الخاصة، (كما تفعل الولايات المتحدة في استخدامه كذريعة لاستمرار تواجدها العسكري المباشر) يجعل من النظام السوري إحدى شركاء القوى التي تحارب الإرهاب.[2]
[1]– مما جاء في مقدمة القرار 2254، والبنود 1-4-6، لا يتجاوز التأكيد على اهمية العملية السياسية، والطلب من الأمين العام أن يقوم، من خلال مساعيه الحميدة وجهود مبعوثه الخاص إلى سورية، بدعوة ممثلي الحكومة السورية والمعارضة إلى الدخول على وجه السرعة في مفاوضات رسمية بشأن عملية انتقال سياسي. جامعة، بقيادة سورية، بهدف التنفيذ الكامل لبيان جنيف. وذلك بسبل منها إنشاء هيئة حكم انتقالية جامعة تخوَل سلطات تنفيذية كاملة، وتعتمد في تشكيلها على الموافقة المتبادلة.. كما يطلب من الأمين العام أن يقود، من خلال مكتب مبعوثه الخاص وبالتشاور مع الأطراف المعنية، الجهود الرامية إلى تحديد طرائق وشروط وقف إطلاق النار، ومواصلة التخطيط لدعم تنفيذ وقف إطلاق النار، ويحث الدول الأعضاء، ولا سيما أعضاء الفريق الدولي لدعم سورية، على دعم وتسريع كل الجهود المبذولة لتحقيق وقف لإطلاق النار، بسبل منها الضغط على جميع الأطراف المعنية للموافقة على وقف إطلاق النار والتقيد به.
[2]– في إيجاز صحفي هاتفي مع الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية الأمريكية،
22 كانون الأول/ديسمبر 2022:
بينما تدهورت حالة داعش بشكل كبير في العراق وسوريا، فإن التنظيم لا يزال يحتفظ بالقدرة على القيام بعمليات في المنطقة، ونحن نعلم أن المجموعة لديها الرغبة في الضرب خارج المنطقة. ونرى داعش في ثلاث فئات:
أولاً: داعش بشكل عام. هذا هو الجيل الحالي من قادة ومقاتلي داعش الذين نحاربهم حالياً، وبينما استطعنا أن نحجم قدراتهم بشكل كبير، فإن الأيديولوجية الدنيئة لا تزال طليقة وغير مقيدة.
بعد ذلك، لدينا عناصر داعش المحتجزون، وهؤلاء يعدون قرابة 10000 مقاتل من داعش في معسكرات الاعتقال في جميع أنحاء سوريا، وحوالي 10000 في العراق في مراكز الاحتجاز. يقوم شركاؤنا من قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في سوريا بتأمين هذه المخيمات.
أخيرا، لدينا الجيل القادم من داعش. هؤلاء هم أكثر من 25000 طفل في مخيم الهول معرضون لخطر التلقين العقائدي، هؤلاء الأطفال في المخيم هم أهداف رئيسية لتطرف داعش.
هذا أمر بالغ الأهمية لتأمين الهزيمة الدائمة لداعش. نحن ملتزمون بمنع عودة ظهور المجموعة.
من جهته، صرح لافروف في مقابلة مع صحيفة ترود الروسية منتصف شهر سبتمبر/أيلول 2020 قائلاً:
إن الحرب انتهت فعلاً على الأراضي السورية، ولم يبق سوى منطقتين ساخنتين هما إدلب وشرق الفرات، وبالتالي ضرورة التركيز على الدفع بمسار عملية التسوية السياسية في البلاد. في تصريحات لاحقة، يوم الخميس 8 أكتوبر/تشرين الأول 2020، قال الرئيس بشار الأسد في مقابلة مع وكالة روسيا سيفودنيا الروسية، رداً على سؤال المحاور بشأن انتهاء الأعمال العسكرية في سوريا، لا بالتأكيد لا، موضحا أن العمليات العسكرية على الأراضي السورية لن تنتهي طالما يوجد إرهابيون يسيطرون على بعض المناطق من البلاد.