
القانون والخوض في حقل الألغام
في القانون الدولي، يُعتبر الاعتراف السياسي فعلاً ذا بعد مزدوج؛ فهو ليس مجرد تصريح لفظي، بل يُقاس بسلوكيات الدولة وتصرفاتها العملية التي تُظهر قبولها للجهة الأخرى كفاعل سياسي. وفي حالة الاتفاق المبرم بين حكومة تصريف الأعمال في دمشق والقوى المتواجدة في منطقة الجزيرة (قسد)، يتمثل أثر هذه الصفقة في النقاط التالية:
- يُفرق القانون الدولي بين الاعتراف الدبلوماسي (الرسمي) والاعتراف العملي (الفعلي). الاعتراف العملي يظهر في سلوك الدولة عبر تفاعلاتها الاقتصادية والسياسية، حيث يُعتبر الدخول في معاملات اقتصادية أو تجارية مع جهة معينة بمثابة اعتراف ضمني بوجودها ونفوذها السياسي في الإقليم. وفي هذه الحالة، يُفسر شراء مشتقات النفط كعمل عملي يُقرّ بأن الجهة التي تملك القدرة على تسيير أعمالها (سواء كانت حكومة كاملة أو كياناً يمتلك سلطة فعالة) هي شريك جاد في العلاقات الاقتصادية والسياسية.
- تستند إحدى النظريات في الاعتراف السياسي إلى مدى سيطرة الكيان على الإقليم وقدرته على ممارسة الوظائف الحكومية (نظرية الفعالية). وبإبرام صفقة تجارية كبرى مثل شراء مشتقات النفط، تُظهر حكومة تصريف الأعمال في دمشق أنها تتعامل مع كيان يُعتبر جهةً مستقلة تتمتع بكفاءة إدارية واقتصادية على الأقل في المنطقة التي يسيطر عليها. ومن هنا، فإن التعامل التجاري يُعد مؤشراً على اعتراف الدولة بفعالية هذا الكيان وسيادته في الإقليم.
- تُعد المعاملات الاقتصادية جزءاً لا يتجزأ من العلاقات الدولية، وغالباً ما تحمل دلالات سياسية أعمق من كونها مجرد تبادل تجاري. إذ أن توقيع مثل هذه الاتفاقيات يساهم في ترسيخ مواقف سياسية، فهو يُعزز من شرعية الطرف الآخر أمام المجتمع الدولي، سواء كان ذلك اعترافاً ضمنياً أو حتى ظاهرياً على قدم المساواة مع الفاعلين السياسيين الآخرين. وبالتالي، فإن شراء مشتقات النفط من قوات قسد في الجزيرة يُشكّل خطوة تؤدي إلى ترسيخ مكانتها كفاعل سياسي يُعترف به من قبل حكومة تصريف الأعمال مستقبلاً.
- البعد القانوني: تُمثل الصفقة عقداً يتم من خلاله نقل سلطة اقتصادية وسياسية ضمن نطاق العلاقة الثنائية، مما يستلزم التزاماً قانونياً يُقرّ بدور الطرف المتعاقد معه في تسيير بعض شؤون القطاع الاقتصادي (النفطي) في المنطقة.
- البعد السياسي: تُظهر الصفقة قبولاً ضمنياً لواقع سياسي قائم على سيطرة القوات المتعاقد معها في منطقة الجزيرة، مما يضفي عليها طابع الاعتراف السياسي غير المباشر بأن الجهة التي تمارس هذه السيطرة تُعتبر شريكاً ذا أهمية استراتيجية ومؤثرة.
نستنتج:
من الناحية القانونية، يُمكن اعتبار الاتفاق التجاري مع القوات في الجزيرة بمثابة اعتراف سياسي عملي. فهذا الفعل لا يُقتصر على جانب اقتصادي بحت، بل يحمل دلالات سياسية تؤكد قبول حكومة تصريف الأعمال لوجود جهة فاعلة تتمتع بسيادة فعلية في منطقة معينة. ومن ثم، يُظهر هذا الاتفاق أن الاعتراف السياسي لا يقتصر على البيانات الرسمية فقط، بل يمتد إلى الأفعال التي تُظهر انسجام الدولة مع واقع القوة والسيطرة على الأرض.
بذلك، فإن الصفقة بين حكومة تصريف الأعمال وقوات قسد في الجزيرة السورية تُمثل بمأخذ قانوني وسلوكي اعترافاً عملياً، إذ تُبرِز مدى قبول الدولة للواقع السياسي المتمثل في تلك القوات كجهة ذات سلطة فعالة، مما يتعدى حدود المعاملات التجارية إلى اعتراف سياسي ضمني.
يجب إعادة النظر في طريقة التعامل مع هذا الملف، ولا ضير بالاستعانة بشخصيات وطنية سورية مشهود لها بحنكتها في حل مثل هذه القضايا.