الفقد المؤلم.. واضمحلال الروح
إلى روح شقيقتي الراحلة خولة محمود آغي
بدا أن في الموت الذي حدث مغافلةً لأرواحنا، فنحن يا أختاه لم نغادر أحزاننا الأخرى، فقد سبقكِ على رسم طريقها أبوانا وأختانا وأخٌ كبيرٌ فقدناه. وسبق أيضاً فقدنا لوطنٍ لم نعتد فقدانه.
غافلنا الموت بكِ يا أختاه، اقتص من وجودنا المنهك بفعل ما يحدث للوطن المذبوح من آخر حبة تراب إلى تخوم غيمة أردات أن ترسم الفيء في ظل هذه الهجيرة القاتلة.
غافلنا الموت بكِ يا أم حازم، التي وضع الله دورين لوجودها في هذه الدنيا، فكنت أمّاً ومربية حقيقية لنا ولأجيال حنوت عليها فعلمت حب الخير والصبر وقبل ذلك حب العلم.
كنتِ صبورةً وحنونةً ومليئةً بثقة النجاح في الغد القريب.
غافلنا الموت بكِ يا أم حين امتدت كفّا الموت إلى ابنك الأوسط، إذ باغته وطفلته في حضنه برميلٌ حاقدٌ حمل الموت من طائرة كريهة قاتلة.
أتذكرين يا أختاه كيف تختلط الأسماء في وعيك فتنادين عليّ وأنت ترومين في النداء كبيرك حازم، أتذكرين كيف كنت تقاسمين الأحبة أوجاعهم قبل أفراحهم، فلا يفعل ذلك غير امرأة تحتشد النبالة في كيانها.
غافلنا الموت وأطاح بحضورك الضروري في حياتنا، ومنذ لحظة قرعَ نبأ رحيلك إلى رب العالمين راضية مرضية، أحسسنا يا أختاه أن أرواحنا بدأت تنكمش على نفسها، فتسدل السماء ستائر عتمتها ونغيب في ضياع الأزمنة والأمكنة.
غافلنا الموت بكِ حين لم يترك لنا فرصة وداعكِ كما تستحقين، فالموت يا أختاه لا يمهل روحاً، بل أنه يسلبها بكل برود ويمضي.
غافلنا الموت بكِ يا أختاه، وهذا الزمن الموجع الذي فرقنا لم يُتح لعيوننا نظرة الوداع، فسامحينا يا اخت، كنا عجزة في الوقوف معكِ في محنة مرضكِ الذي غيّبكِ عنا
أسألك الآن وأنت في عالمكِ الجديد: لمن تركتِ كل هذا الوجع الكبير والصغير؟ لماذا متِِّ ببساطة وجعلتني يتيماً لن تجد روحي مأوى لها غيركِ؟
سأخبركِ يا أمنا وأختنا أن هذه الدنيا مجرد زمن عابر لأجسادنا والتي تعبت من وطأة هذه الدنيا وحروبها وبغضائها والقتل والدمار فيها، لذا سأعترف لكِ أنك لم ترحلي وحيدة إلى عالمكِ الآخر، لقد رحل بعض وبعض منّا معك. ولعلنا في رحيل بعضنا معك نستعيد حضورنا جميعا وإن كان في العالم البعيد البعيد الآخر.