fbpx

الفخ الإيراني في محاولة إعادة تشكيل النظام السوري الجديد

0 23

في قلب المشهد السياسي السوري، تتجلى مؤامرة دقيقة يسهم فيها النفوذ الإيراني في إعادة تشكيل ملامح الدولة تحت قيادة الرئيس السوري بشار الأسد، حيث تُعد السياسات الإيرانية عنصراً استراتيجياً لتحريك “فلول” النظام السابق، ما يترك آثاراً عميقة في نسيج الأمن والسيادة الوطنية. يُظهر هذا التحرك بوضوح إصرار إيران على استغلال نقاط الضعف الداخلية في النظام السوري لتحقيق أهدافها الجيوسياسية، إذ تدرك تماماً أن صد قوات الأمن العام لمحاولات استئصال هذه الفلول سيترتب عليه اندلاع معارك داخل المدن، مما يفضي بشكل حتمي إلى سقوط أرواح المدنيين، وهو سيناريو مدروس يهدف إلى تشويه الصورة الدولية للنظام القائم حالياً في سوريا، وتأكيد أن المظاهر الرسمية قد لا تعكس في جوهرها مشروعية القوى الفاعلة على الأرض.

لقد لعبت إيران دوراً مركزياً في استغلال تلك الفجوات الناجمة عن إرث النظام السابق، حيث قامت بتحريك عناصره ودفعها إلى الواجهة في الساحل السوري. هذا الدور ليس مجرد تحريك عشوائي، بل هو حملة منظمة تستند إلى تحليل دقيق للتداعيات الأمنية والسياسية، إذ تَعي إيران تماماً أن رد الفعل الأمني ضد هذه الفلول سينطوي على تبعات كارثية على المستوى المدني، ما يخلق حالة من الفوضى النفسية والشرعية الدولية المتهدلة. وفي هذا السياق، تبرز قدرة إيران على استغلال “البدلة الرسمية” كقناع يخفي وراءه توجهات تخدم أجندتها الإقليمية، ممهدة الطريق لتوسيع نفوذها في قلب الدولة السورية مجدداً، وهذا ما صرح به عدة مسؤولين إيرانيين بعد خروجهم المخزي من سوريا.

واليوم، إن توقيع اتفاق الحكومة السورية مع قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في العاشر من مارس/آذار الجاري لم يكن إلا نتاجاً لإحراج مزدوج: إحراج الحكومة السورية التي وجدت نفسها مضطرة للتسوية مع قوى خارجية، وإحراج الحكومة التركية التي اضطرت للسماح بمساحة لسياسات خارجية متعارضة مع مصالحها. هنا، يتحقق الهدف الإيراني في إثارة الانقسامات عبر نص الاتفاق الذي يوحي بشكل واضح بمسار النظام الإداري المستقبلي في سوريا المبني على اللامركزية. هذا التحول المفاهيمي، بعيداً عن التجانس المركزي (الذي أتبناه كضامن لوحدة التراب السوري)، يفتح الباب أمام تدخلات خارجية مستمرة، حيث تصبح الثغرات الإدارية والجيوسياسية منابر لتأجيج التوترات الداخلية وتعزيز دور اللاعبين الخارجيين في تشكيل مستقبل الدولة.

وفي خضم هذا المشهد المعقد، يتبين فارق جلي بين تلك الأصوات التي طالبت بعدم الوقوع في فخ التجاوزات الأمنية (وأنا منهم)، وبين التي سعت لدعم الجهات التي تمارس انتهاكات بحق المدنيين (التي يجب محاسبتها). فقد جاء الرد من بعض الأصوات المتمردة بأن الدفاع عن المظلومية السورية يجب أن يكون منطلقاً من المبادئ الانتقامية التي أثبتت عدم جدواها في سلوك نظام الاستبداد نظام بشار الأسد الساقط، وليس من باب رفض الممارسات التي تنتهك حقوق الأبرياء وتفرّق الوحدة الوطنية. هنا يتجلى التباين بين ما يُسميه البعض “المروءة الوطنية” وبين مصالح القوى السياسية التي لا تتوانى عن استغلال معاناة الشعوب لخدمة أجنداتها (إيران – روسيا – إسرائيل كمثال).

إن كل هذه التطورات تفرض ضرورة الانطلاق نحو مرحلة جديدة في تاريخ سوريا، مرحلة تتطلب حكومة تكنوقراط حقيقية تكون قائمة على أسس الرخاء الوطني وإعادة بناء الثقة بين مؤسسات الدولة والمواطن السوري. حكومة تتخطى المظاهر الرمزية وتضع على رأس أولوياتها حل الملف الاقتصادي والأمني، إلى جانب معالجة القضايا السياسية التي أدت إلى تفكيك النسيج الوطني. إن تحقيق ذلك يستلزم توافقاً وطنياً شاملاً يرفض الانجرار خلف الفخ الإيراني، ويعيد إلى السوريين قدرتهم على تقرير مصيرهم بعيداً عن التدخلات الخارجية التي لا تسعى إلا إلى زعزعة استقرارهم.

هنا أود أن أنوه إلى أن القراءة السياسية للفخ الإيراني للدولة السورية تكشف عن شبكة معقدة من الحسابات الجيوسياسية التي تتقاطع مع مصالح القوى الخارجية والداخلية، مما يحتم على القادة السياسيين، وعلى رأسهم الرئيس السوري بشار الأسد، أن يتبنوا رؤية استراتيجية حاسمة تتجاوز الانقسامات وتعيد صياغة مستقبل سوريا على أسس الوحدة والتشاركية والتقدم. ففي زمن تتصاعد فيه التحديات الاقتصادية والأمنية، يصبح من الضروري العمل على ترسيخ مبادئ سيادة الشعب والحفاظ على سيادة الدولة بعيداً عن الفخاخ الاستعمارية التي تحاول أن تحول معاناة الشعب إلى أداة سياسية.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني