fbpx

الغزوة الشيشانية.. نعم لفصل الدين عن جنون الحرب

0 344

طرح القتال الشيشاني في الحرب الأوكرانية أسئلة كبيرة وصادمة، فمع أن المحاربين في أوكرانيا كثر، وينتمون لقوميات وعرقيات مختلفة يقاتلون تحت العلم الروسي، وبدوافع مفهومة وأبرزها التجنيد الإجباري المفروض على الجميع، ولكن الشيشاني وحده من بين الجميع أصر أن يقاتل تحت كتاب الله وسنة رسوله، وأصر أنه يخوض جهاداً إسلامياً صحيحاً، وأصر أن يجعل خطابه لمجاهديه رغائب الجنة والحور العين، وأن الله يأمركم بالتوجه إلى ماريوبول والانتقام من الكفرة والملحدين والإباحيين، وإعلاء كلمة الله وسنة رسوله.

ولا زالت صور المجاهدين الشيشان بلحاهم الكبيرة وهم يؤدون صلاة الجهاد خلف الإمام الغازي قاديروف ويلتهبون حماساً لغزوة جديدة تشبه يوم بدر وأحد طاعة لله وإرغاماً لأعداء الله!!.

ولكن كيف أمكن إقناع المحاربين بهذه المهازل، وكيف تم دفع المئات منهم إلى الموت بحماس وهم يهللون ويكبرون؟ وما علاقة التهليل والتكبير بالحرب الضارية بين بلدين علمانيين من أصول مسيحية أرثوذكسية لا علاقة لها بالإسلام لا من قريب ولا من بعيد؟؟.

الشيشان جزء من روسيا، ولكنها البلد الذي تم تدميره بالكامل على يد الروس وبالضبط على يد بوتين جزار الشيشان، ومن غير المعقول أن ينسى الشيشان المحرقة التاريخية في غروزني، وربما لهذا المعنى فقط، فإن المطلوب هو حشد أدلة الوحي الإلهي لإقناع هؤلاء المسحوقين بالدبابة الروسية أن ينخرطوا في حرب أخرى مع هذه الدبابة نفسها يمارسون فيها الظلم نفسه والقهر نفسه والعدوان نفسه، ولا شك أن أي محاكمة عقلية ستجعل الشيشاني يرفض هذه الحرب، وينأى بنفسه عنها، وكذلك أي وعي سياسي، ولكن الصيغة التي تم بها سوق هؤلاء الهائجين إلى الحرب المجنونة هي استدعاء النص الإلهي واستنفار رجال الدين لتقديم التفسير الصحيح للنص الإلهي الذي يأمر الشيشاني بالخروج إلى ماريوبول وتشريد أهلها الكافرين وقتل الملاحدة والزنادقة والمشركين، في غزوة جهادية تستأنف جهاد خالد وأبي عبيدة وتبسط سيف الإسلام في أعناق الروم ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون!!.

إنه في الواقع تسخير النص الديني لمآرب السياسة، وهو أمر لم يتوقف منذ فجر التاريخ ويبدو أننا محكومون أيضاً باستمرار المعاناة طالما أننا نعتقد العجائبية والسحر في النص القرآني الذي جاء فيه خبر من قبلكم ونبأ من بعدكم، وتفاصيل الحرب الأوكرانية الروسية وتوسع الناتو وتحالف البريكس والسلاح البيولوجي ويخلق ما لا تعلمون.

في مطلع الثورة السورية انقسم المشايخ إلى صفين متقابلين كلاهما يستخدم الكتاب والسنة، نفس الآيات ونفس الأحاديث ونفس التأصيل الفقهي، ولكن نصف المشايخ أفتوا بوجوب القتال المسلح مع الجيش ضد الثورة، ونصفهم أفتى بالقتال المسلح مع الثورة ضد الجيش، الأدلة نفسها والأصول الفقهية نفسها والخلاف فقط في اتجاه البندقية!!.

وبعد عشر سنوات من الصراع المرير لا يزال نصف المشايخ يتلون هذه الآيات والأحاديث على مذهب المفتي البوطي ونصفهم يتلونه على مذهب المفتي الرفاعي، وبين الطرفين ما صنع الحداد والجزار.

لا تزال الماكينة الفقهية في أوج نشاطها وهي تستخرج الأدلة كل يوم من النصوص ذاتها، ويعجب كل فريق من جحود الفريق الآخر وكفره بالآيات الظاهرة الواضحة التي تدل بشكل قاطع لا مرية فيه للموقف السياسي والعسكري الذي اختاروه!.

ولكن لم يسأل أحد السؤال الكبير: ما علاقة النصوص الدينية التي تنزلت على وفق الأحداث قبل أربعة عشر قرناً وفيها ذكر بدر وأحد وأبو لهب وزيد وحنين والعدوة القصوى والعدوة الدنيا وغير ذلك من التفاصيل المحلية المرتبطة بالأحداث، ما علاقة هذه النصوص الكريمة لتكون فيصلاً في الحرب الروسية الأوكرانية، أو نزاع الناتو والبريكس؟.

قناعتي أن هذا التوجه للاحتكام إلى النص الديني في أحداث معاصرة ملتبسة لا يمكن تفسيره إلا بأنه الغلو في الدين، والتفسير العجائبي الخرافي لنصوص تربوية وأدبية جاء بها الرسول الكريم قبل أربعة عشر قرناً في عصر مختلف وزمان مختلف ومكان مختلف، وهو ما قال عنه القرآن الكريم: يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق، وإذا كان المسيحيون قد مارسوا الغلو في شخص السيد المسيح فإن المسلمين مارسوا الغلو في نص القرآن الكريم نفسه.

أما حان الوقت أن نحيد الخطاب القرآني الكريم عن تجارة السياسة، وإكرامه أن يكون دليلاً لبوتين أو دليلاً لزيلينسكي، أو دليلاً للأسد أو الائتلاف؟ وأن نرقى بهذا النص الديني ليكون كتاب تربية وأخلاق ونور، وليس نصاً صالحاً لكل حرب، وفيصلاً في كل خصام، وعابراً للزمان والمكان؟؟.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني