fbpx

العيد بعيون الأمهات السوريات

0 432

صدحت المآذن بالتكبير، واستيقظت الناس باكراً، استعدت العائلات السورية في شمالنا المحرر لزيارة المقابر مصطحبة معها أعواد الريحان، تسارع الخطا في لحظات الصباح الأولى بعد صلاة الفجر باتجاه قبر ابنها “الشهيد” لتجد أمامها أمهات الشهداء وهن يسرعن قبلها لزيارة قبور أبنائهن، تحتار أم عمر.. هل تلقي تحية العيد على النسوة أم تعزيهن، ينتهي بها القرار بأن تسرع لتلقى قبر ابنها ولكن الحزن جعل خطواتها متثاقلة ما جعلها تسرع، وحال وصولها تفيض دموعها عند وقوفها بالقرب من قبر ابنها، تلمس الحجرة الكبيرة التي وضعت عند رأسه، وحُفِر عليها اسمه، تلامس الحجرة بيديها المتعبتين بلطف وحنان؛ وكأنها تضع يدها على رأس ابنها، تدعو لابنها بالمغفرة، وأن يكرم الله نزله بعد تلاوة آيات من القرآن الكريم، وتبدأ أم عمر بإخبار ابنها الشهيد عن أحوال حياتهم، وما ألم بهم من أحداث ومناسبات، وتستمر أم عمر في السرد وكأنها في جلسة عائلية في البيت، لتنتقل بعد ذلك إلى عتابه بسبب رحيله المبكر وهو في ريعان شبابه، وكأنه يملك قرار رحيله، أو يملك من أمره شيئاً.

تصمت بعد ذلك، وتمرر يدها على التراب الممدد على جسده الطاهر، تبلل دموعها الثرى ثم تتمالك نفسها، وبعد ذلك تنصرف كل السيدات من مكان وجودهن بالمقبرة؛ لأن الوقت حان لزيارة رجال القرية إليها.

ما باليد حيلة، ياريت راح من عمري لعمرك، يا ويل قلبي على الشباب أكثر أهل القبور من زينة شباب القرية، رحلوا وتركونا نتجرع المر لفراقهم، وبعبارات كثيرة تتردد على ألسنة السيدات بعد مغادرة المقبرة.

ثلاث سنوات مرت على استشهاد عمر، مرت وكأنه استشهد بالأمس، تقول أم عمر؛ إلى الآن لم يدخل الفرح قلبي، لا يعرف العيد طريقه إلينا، لم نحضر الحلوى، ولم نلبس الجديد، ولم نزر أحداً، وإذا اضطررنا لزيارة الأقارب، وقدّموا لنا الضيافة من حلوى وغيرها، نرفضها وبشدة، ونقول في قرارة أنفسنا؛ كيف تدخل بهجة العيد إليهم حتى إنهم يحضرون الحلوى، ثم أتدارك نفسي بالاعتذار عن تناولها بالقول؛ بأنني محمية لسبب مرضي.

أم عمر؛ لم تكن السيدة الوحيدة التي عشّش الحزن في قلبها، فالسيدة أم عامر من سكان قرية مرعيان بجبل الزاوية؛ تغالي في حزنها أكثر من ذلك، حسب قولها إنها خطبت لابنها الثاني دون فرح؛ لأن قلبها لن يفرح أبداً بعد ابنها الشهيد، وتضيف أيضاً؛ إنه مضى على استشهاد ابنها خمس سنوات وإلى الآن لم تغير اللباس الأسود كمداً على ابنها الذي تصفه بـ “زين الشباب”.

بالمقابل؛ نجد السيدة أم علي التي استشهد ابنها في معركة أريحا عام 2013، تأتي يوم وقفة العيد إلى المقبرة، وتزيل العشب اليابس عن جميع قبور الشهداء، ثم تقوم بسقاية الورود المزروعة عليها، ثم تأتي في صباح العيد في اليوم التالي وتحضر معها إلى المقبرة أعواد الريحان بكثرة، وتضع الأعواد على جميع قبور الشهداء، ثم تقدم الحلوى لكل أمهات الشهداء على أن يتوقفن عن الحزن، ويسارعن بالدعاء لأولادهن.

ما بين حزن أم عمر والسيدة أم علي أحزان دفينة؛ تناوبت على الاغتراف منها أمهات سوريات اكتوت قلوبها بآلام كثيرة لا يكفيها حزن العمر بأكمله على فقدان فلذات أكبادهن حسب قول مراسلتنا. 

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني