العنف الأسري في ظل الحجر الصحي
قبل الحديث عن الحجر الصحي وتداعياته على العلاقات الأسرية، ينبغي القول إن تمظهر العلاقة بين الرجل والمرأة لن يكون ذا دلالة إيجابية إلا في تحمل كليهما لشروط قاسية يمران بها نتيجة ظروف طبيعية، لا يمتلكان قراراً فيها. ولعل جائحة كورونا تمثّل أنموذجاً لهذا التحمل سواء بقيمه الإيجابية أو السلبية.
وكتعريف علمي نقول: الحجر الصحي هو تقييد النشاط اليومي الطبيعي، الذي يمارسه الأشخاص بغض النظر عن العمر، هذا التقييد يحدث تغييراً في نمط الحياة اليومية، ونقلها من حيّز العمل والنشاط خارج المنزل، (مدرسة – عمل – أندية – أماكن تنزه وتسلية – زيارات)، إلى نشاط يتصف بإحساس، يتكون من حجز الحرية، والخوف من الوباء، مترافقاً مع احتكاكات تحدث لأتفه الأسباب بين أعضاء الأسرة، وتحديداً بين الرجل وزوجته، أو بين الرجل/الأب أو المرأة/الأم وبين الأطفال.
الحجر المنزلي هو تضييق على النشاط الروحي والنفسي والجسدي، وجعله محصوراً بأمور هي ارتفاع التوجس من جائحة كورونا، والمبالغ فيه عموماً، من ناحية الاحتياط منها، وهذا يخلق توتراً نفسياً، هذا التوتر مع الاحتكاك، ومع عدم وجود برنامج مسبق لدى الرجل، فإنه سيجعله يلعب دور المراقب والمدقق لكل نشاطات البيت، هنا يبدأ تدخل الرجل، ليقوّم هذا السلوك وفق مقاييسه.
الحجر ليس فسحة زمنية للهدوء، بقدر توقع كثافة نشاط لا جدوى منه في مساحة محدودة،
التضييق يكشف قدرة التحمل، ما يجعل الشخص أكثر عرضة لضغوط نفسية وصحية، وخصوصاً الأم أو الأخت، ونقول بشكل عام المرأة، لأن معظم اعتماد الأسرة عليها، بحسب طبيعة المرأة العربية في العائلات، فتصبح أداةً لتفريغ المشاعر لديهم، فيتحوّل هذا الضغط
النفسي أحياناً إلى عنفٍ جسديٍ على المرأة، والأطفال أحياناً.
قرار جميع الدول بحظر التجوال لمنع انتشار كورونا، وضع آلاف من هؤلاء النساء في احتمالية تزايد العنف المنزلي الواقع عليهم، واحتمال ظهور حالات جديدة للعنف الأسري، حيث أثبتت الإحصائيات تسجيل ارتفاع كبير في حالات العنف في بعض الأماكن، وصلت إلى ثلاثة أضعاف المعدل السابق، وذلك بعد فترة أسابيع من الحظر.
كذلك تشير الوقائع إلى ازدياد العنف ضد النساء والأطفال، وخاصة في الدول العربية، فأسبابه كثيرة، وتحديداً الأسباب الاقتصادية والثقافية، فقلة الوعي، وعدم تحمل الأفراد أنفسهم للضجيج، وعدم قدرة الأسرة لوضع برنامج صحيح لنفسها داخل المنزل.
تحدثت إحدى السيدات، أن سبب العنف الذي تعرضت له من زوجها، كان يقف خلفه عدم وجود السجائر وشراب القهوة، هذان السببان يدفعان بالرجل المدخن إلى حد الجنون، فوعي هذا الشخص وإدراكه لما يدور حوله ضعيفٌ، وتقديره للأمور لا يرتكز على الواقع وظروفه، والوضع الذي هو فيه هو من لا يجعله ينظّم أدوار كل شخص في الأسرة، ولا يقوم بتوزيع المهام فيما بينهم، ما يساعد على الحد من تفاقم المشاكل الأسرية، ومشاركة كل شخص في الأسرة بنشاط معين، مع وضع ميزانية صحيحة وفق الوارد لهم.
وفي حال تأزم الوضع، وسمع أحد الأشخاص صراخاً من قبل طفلٍ، أو امرأة، والاستغاثة به، فعليه الاتصال بالشرطة، مع احتفاظ الشخص بالوثائق الرسمية الهوية/الكملك أو التأمين الصحي، في حال وجد.
بدورها تكون الحكومة قد وضعت خطة طوارئ من أجل إنقاذ الأسر، ورقم للاتصال بهم، حيث أطلق الامين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يوم الأحد الخامس من أبريل/نيسان 2020 نداءً عالمياً لحماية النساء والفتيات في المنازل، في الوقت الذي يتفاقم فيه العنف المنزلي بحقّ الأسر خلال الحجر الصحي الناجم عن فيروس كورونا المستجد كوفيد/19/.
كما أطلقت الكاتبة بروين حبيب رأياً يقول: )الزمن الكوروني الذي نعيشه، لا يكشف مقدار السخرية من المرأة على المستوى العالمي فقط، بل يكشف إلى مدى علاقة الرجل الهشة بأنثاه).
يمكننا القول إن جائحة كورونا التي أجبرت الحكومات على فرض الحجر الصحي، استطاعت إضاءة نسيج العلاقات الأسرية في دول العالم بشكل عام، هذه العلاقات تُظهر درجة متدنية من تطور السلوك الإنساني في ظل تطور العلم والتقانة.
وينبغي الإشارة إلى أن الهشاشة بين الرجل والمرأة ضمن العلاقة الزوجية، تتحكم بها شروط عديدة، ينبغي على المجتمعات الأخذ بها، ومن هذه الشروط العامل الاقتصادي المترافق مع نقص الوعي والثقافة، وهذا أمر ينبغي استدراكه في القوانين العامة التي تنظّم سلوك الأفراد وتحديداً النظرة نحو المرأة، هذه النظرة لا تزال بحاجة إلى جهود جبارة لتتقدم على طريق الإنسانية واحترام المرأة ورعاية الطفل ومنع الاعتداء عليه.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”