العقوبات الناعمة
منذ يومين قامت الولايات المتحدة الأمريكية بفرض مزيد من العقوبات على (شخصيات) أخرى مقربة من النظام أبرزهم ابن رئيس العصابة حافظ الثاني وغيرها من شخصيات أخرى تأتي كلها في سياق سلسلة من العقوبات الاقتصادية العالمية على كيانات وشركات وأشخاص مقربين من نظام الأسد.. والتي لم تتوقف منذ عام 2013 حتى الآن وكان أبرزها قانون قيصر… وهذا ما ينعش آمال السوريين بقرب أوان سقوط نظام العصابة في دمشق وعودة المهجرين والنازحين إلى ديارهم….
لكن في الحقيقة وعلى الرغم من الفرح الذي يبديه الناس لتلك العقوبات إلا أن هنالك يأس بدأ يتسلل إلى عقول وقلوب الشعب من جدوى تلك العقوبات وتأثيرها على النظام.. وأصبح بعضهم يعتقد أنها مجرد أداة واهية فقط لتجميل صورة الولايات المتحدة وحفظ ماء وجهها أمام العالم.. فحتى الآن لم نشاهد أي تأثير فعلي على النظام وأزلامه وداعميه بل على العكس كانت تلك العقوبات شماعة لتستمر العصابة بعملية النهب المنظم لما تبقى من مقدرات سوريا وإفقار الشعب وتجويعه تحت ذريعة الحصار والحرب من قوى العالم الكبرى. فتجد بعض رموز النظام يطلبون من الشعب شد الأحزمة على بطونهم الخاوية ويطلقون شعارات الصمود والتصدي أمام الهجمة الإمبريالية على سوريا المقاومة والممانعة. بينما أبناؤهم وأقصد أزلام النظام يعيشون في رفاهية في سوريا وخارجها ويتمتعون بأموال الشعب المنهوبة…
ولو استعرضنا تاريخ الولايات المتحدة في استخدامها نظام العقاب الاقتصادي على الأنظمة الشمولية والاستبدادية ومدى فعاليتها بإسقاط تلك الأنظمة فإننا نجد الفشل الذريع لهذا الأسلوب في ردع الأنظمة أو تغييرها.
هاي هي كوريا الشمالية ترزح تحت عقوبات مشددة ومحاصرة من كل العالم تقريباً منذ 30 عاماً لكن النظام الكوري الشمالي يزداد قوة وبطشاً وتمكناً..
كذلك إيران التي فرضت عليها عقوبات متفاوتة منذ بداية قيام الثورة الخمينية، والآن تعاني أشدها لكن النظام الحاكم لم يتأثر فعلياً ولم يغير من سلوكياته تجاه شعبة أو تجاه المنطقة، بل على العكس، ازداد التمدد الإيراني في المنطقة واتخذ أشكالاً متعددة في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
لم تستطع العقوبات والحصار الجائر الذي فرض علي العراق في ظل نظام الراحل صدام حسين تغيير النظام الى أن جاءت الدبابات الأمريكية لتحتل العراق بالقوة..
فنزويلا وكوبا وليبيا والسودان… لا تختلف كثير عما ذكرته سابقا والأمثلة كثيرة… وكلها تثبت بالدليل القاطع أن الولايات المتحدة والعالم من خلفها يعرفون جيداً أن هذه أنظمة لا تتأثر بالعقوبات ولا يمكن إزاحتها إلا بالقوة لأن غالبيتها أنظمة غير وطنية تعتبر الوطن مزرعة والشعوب عبيداً. لذلك هي لن تتأثر بموت أو تشرد الملايين ما دامت قادرة على الحفاظ على دائرتها الضيقة من الانهيار وقادرة على إطعام مرتزقتها وجلاديها.
بالعودة إلى سوريا، ولو استعرضنا بشكل عام ماهية العقوبات الاقتصادية على سوريا نجد أن الحركة التجارية لم تتوقف مع كثير من دول العالم والنظام السوري ومنذ بداية الأزمة، ولم يفرض حصار بحري أو جوي عليه واستمرت التبادلات التجارية بينه وبين كثير من الدول لاسيما الصين وروسيا وإيران ولبنان. وفي أحسن الأحوال فإن العقوبات طالت شخصيات وشركات مصرفية ومالية، أي أنها لم تعد قادرة على استخدام الجهاز المصرفي العالمي في تحريك الأموال أو التنقل بحرية أو البيع والشراء مع أي كيان أو شركة تتعامل مع الولايات المتحدة.. لكن بوجود شبكة مافيوية عالمية عرابها حزب الله اللبناني وبعض رجال الأعمال السوريين والعراقيين الموالين لإيران وروسيا استطاع النظام السوري من الهروب ولو بشكل أقل من العقوبات المفروضة عليه بالإضافة لعمليات التحايل التي يقوم بها النظام بتزوير أوراق الشحن وشهادات المنشأ. وغيرها والبقاء في السلطة..
في النهاية لابدّ من الإشادة بأي تحرك ضد هذه العصابة على أن يكون هذا التحرك يتناسب مع حجم الإجرام الأسدي وحجم الكارثة التي يعاني منها السوريون في الداخل والخارج ويجب أن تتحول تلك التحركات الى أفعال أكثر قسوة وإيلاماً للنظام. وليس الاعتماد على ثورة جياع قد يقوم بها من هم في الداخل. فقد تبين للأسف أن هؤلاء قد يموتون جوعاً في بيوتهم قبل أن يفكروا في الثورة أو الخروج على جلاديهم…
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”