fbpx

العزلة أحد وجوه كورونا

0 1٬220

كُتب الكثير عن العزلة والحجر الصحي بسبب فيروس الكورونا المستجد (covid 19) وحفلت مواقع التواصل الاجتماعي بازدهار مجموعات بين السوريين، لعل أشهرها تلك التي تختص بمواضيع الطعام، والطبخ وقواميس اللهجات المحلية السورية،التي حفلت بالنستولوجيا، والكثير من الضحك ولعله – أي الضحك – حيلة دفاعية لتخفيف القلق في مواجهة خطر الموت المخيم على الكرة الأرضية، لقد غدا غسل اليدين شعار المرحلة الآن.
هناك وجوه عديدة لداء الكورونا (covid 19) صحية وسياسية واقتصادية ونفسية، كما ازدهرت نظرية المؤامرة وتوقعات تغيّر العالم واختلافه عما كان بعد الكورونا، لكن ما أنوي التحدث عنه هنا هو الجانب النفسي وأثر العزلة التي لم تختبرها البشرية بهذا الشكل من قبل.
ففي زمن العولمة والطائرات ووسائل المواصلات العالمية التي جعلت أي حدث في أي بقعة من العالم ينتقل إلى بقية مناطق العالم، لم يعد إقليم ووهان بعيداً عن دمشق أو اسطنبول نحن اليوم نعيش ما اختبروه هناك، وتطرح الأزمة الصحية الكثير من الأسئلة الوجودية، هل هناك ضوء في آخر النفق؟
تقدم هذه المحنة دروساً جديدة للبشرية، فهل تذهب المجتمعات إلى مزيد من التضامن الإنساني، أو مزيد من النفور والوحشة؟
ما هو جلي أن العالم يتغير، ونحن نتكيف مع المتغيرات لكن بأي اتجاه؟ وكيف نتعامل مع الخوف؟ صحيح أن السوريين اختبروا أشكالاً متنوعة للخوف، وتمرنوا على مواجهته، حدثتني صديقتي اللاجئة في برشلونة، أن الحكومة الإسبانية واجهت صعوبة في إقناع الناس بالبقاء بالمنزل، وأن البوليس يذهب للشواطئ لإعادة الناس إلى منازلهم، “لكنني كسورية عشت الحصار فقد تكيفت بسهولة مع البقاء في المنزل”، لكن هذا الوباء يجعلنا مرة أخرى في مواجهة مخاوف جديدة نحن اللاجئون الذي تعامل معنا العالم كفائض بشري.
اليوم تستنفر الكوادر الصحية في كل مكان من العالم، وصف الأطباء والممرضون بخط الدفاع الأول في الحرب على الوباء، وإذا كانت الصحة النفسية جزء من الصحة العامة ولا يمكن فصلها عن الصحة الجسدية فمن الأهمية بمكان العمل على تعزيز دور اختصاصيي الصحة النفسية من أطباء ومعالجين ومرشدين نفسيين واجتماعيين، لابد أن تتضافر وتتلازم جهود الداعمين النفسيين مع جهود الأطباء.
يقول علماء الاجتماع أنه في زمن الأوبئة وانتشار الهلع الجماعي والخوف والارتياب، الأمر الذي يؤدي إلى سقوط العقلانية الهشة استجابة للفزع، يتغير سلوك البشر الروتيني اليومي إلى سلوك لا عقلاني، تحركه الغرائز البدائية، وانتشار ظواهر مثل الإفراط في التسوق والتموين، وبروز مظاهر التنمر ووصم الأشخاص المصابين، تقول الصحفية سعاد جروس على صفحتها في الفيس بوك “الحضيض الذي وصلنا إليه إنسانياً بسبب انفجار عنجهية الجهل بلحظة هلع لحظة نشرت فيروس غياب العقل بسرعة أكبر من انتشار فيروس كورونا”.
في إشارة إلى الحديث الذي انتشر على مواقع التواصل، حيث اتهم رجل كبير بالسن يقطن في حي القصاع بمدينة دمشق، بأنه مسؤول عن نقل عدوى الكورونا عند قدومه من إسبانيا.
كيف نتعامل مع القلق والخوف والضغط النفسي الناجم عن الأحداث المفاجئة في هذه المحنة؟ ومن هم المحتاجون للدعم النفسي والاجتماعي؟
كيف نحافظ على السلامة والحماية النفسية؟
تتباين أعراض الضغط النفسي تبعاً لتغير وتنوع أنماط الشخصية، حيث تتجلى في القلق النفسي والمخاوف المرضية، والتوتر واضطرابات النوم، وتتراوح بين درجات شديدة أو خفيفة، هناك من يمنعه القلق النفسي من مواصلة حياته الطبيعية، ويفكر بسوداوية وهو يتابع الأخبار وأعداد الإصابات، ولا يستطيع متابعة عمله، ويسيطر عليه هوس التعقيم والنظافة، وبين الأشخاص الذين يعيشون حالة إنكار لخطر الوباء ويرفضون الاستماع للتوعية عن المخاطر التي يشكلها الوباء على الحياة، لا يصدقون ما يحدث وينظرون إليه على أنه مؤامرة، هؤلاء يلجؤون للإنكار لتجنب القلق ومواجهة الواقع المستجد.
لكن الخبر الجيد أننا كبشر نتمتع بما يسميه علماء النفس بالمرونة النفسية، التي تساعدنا على التأقلم ومواجهة ضغوط الحياة دون الوقوع بالمضاعفات النفسية، وقد نعاني جميعاً هذه المشاعر في اليوم الواحد لكن المرونة النفسية تجعلنا نلجأ لحيل دفاعية تحفز صحتنا النفسية.
ولقد نشأت مبادرات للدعم النفسي على سبيل المثال (حملة مش لوحدك) بالجامعة اللبنانية قسم علم النفس كما أعلنت وزارة الصحة المصرية عن تخصيص خط ساخن للدعم النفسي لمواجهة القلق الناجم عن تفشي وباء (covid 19)
تقول أستاذة علم النفس في الجامعة اللبنانية رشا تدمري، إن الخوف من انتشار الوباء قد يشكل صدمة، وإن المراحل التي تمر بها مشاعرنا، خمسة مراحل ويمكن أن تمر بسلام أو تتأخر، تختلف من شخص لآخر تبعا لشخصيته، وهي على الشكل التالي:
1- مرحلة الإنكار: وهي طريقة دفاعية ليتجنب الفرد مشاعر القلق أو مواجهة الحقيقة.
2- المرحلة الثانية: مرحلة الغضب، حيث يشعر الفرد بالغضب عند الطلب منه تغيير سلوكه وعاداته والبقاء في المنزل.
3- المرحلة الثالثة: مرحلة التفاوض، وهنا يبدي الفرد استعداده لفعل أي شيء يمكّنه من العودة لحياته السابقة.
4- المرحلة الرابعة: الاكتئاب أو الشعور بحزن عميق، لكن ليس من الجيد الاستسلام لمشاعر اليأس.
5- المرحلة الخامسة: مرحلة التقبّل، وهي المرحلة التي يدرك الفرد أنه لا فائدة من المقاومة أبداً، ولابد من التقبل، والقيام بكل ما يلزم للوقاية، وهي مرحلة الوصول للسلام النفسي والتفهم.
أما عن الفئات التي ينبغي أن يستهدفها الدعم النفسي: فهي الكادر الطبي من أطباء وممرضين والمرضى المصابين بكورونا، وفئات المجتمع المختلفة المتمثلة بالعائلات والأطفال وخاصة عائلات ذوي الاحتياجات الخاصة والأمراض المزمنة، ولابد أن نشير إلى أنه في أوقات الأزمات قد يتنامى العنف الأسري والعنف ضد الأطفال.
يخبرنا علم النفس أن الخوف يؤدي إلى ضعف المناعة، وأن الحفاظ على الصحة النفسية يساهم في الحفاظ على الصحة الجسدية والمناعة.
وقد وجهت منظمة الصحة العالمية واختصاصيو الصحة النفسية إرشادات عامة لمساعدة الناس في ظروف انتشار الوباء، من أجل الحفاظ على الصحة النفسية نذكر بعضها:
– السعي للحفاظ على الروتين في حياتنا اليومية، من خلال تخصيص ساعات محددة للراحة والنوم وأوقات الطعام، والأنشطة المتنوعة في المنزل.
– التقليل من متابعة الأخبار خاصة على مواقع التواصل الاجتماعية، التي تنشر الشائعات والسيناريوهات غير الواقعية، وضرورة الالتزام بمصادر المعلومات الموثوقة.
– التمسك بالأمل والمعنويات الجيدة والحفاظ على التوازن النفسي، وعدم هدر الطاقة إلا في حدودها الواقعية والالتزام بالعادات الصحية.
– ممارسة الأنشطة الذهنية والحركية كالقراءة والحوارات الثقافية والرياضية.
– الحرص على التواصل مع الأصدقاء والأقارب، عبر وسائل الاتصال ومواقع التواصل الاجتماعي، وهذا يمنحنا الشعور بالأمان ويعزز صحتنا النفسية.
– تمارين التنفس والتأمل والاسترخاء من شأنها تخفيف القلق والتوتر، ومساعدتنا على النوم.
اليوم، تواجه الأسر التي لديها أطفال، الكثير من الضغوط في ظروف البقاء في المنزل، لذا ينصح اختصاصيو الصحة النفسية الآباء، أن يعملوا على طمأنة أطفالهم، من خلال إخبارهم أنهم اتخذوا كل الإجراءات اللازمة لحمايتهم ووقايتهم، والسعي للإجابة عن تساؤلاتهم، كما ينبغي على البالغين تفهم وضع الأطفال وشعورهم بالغضب، في ظل إغلاق المدارس والبعد عن الأصدقاء، ما يجعلهم أكثر ميلاً للشغب، ويسبب فرط الحركة كاستجابة لواقع الحجر المنزلي.
وقد وجهت منظمة اليونيسيف بعض النصائح للأهل حول التعامل مع أطفالهم في ظل تفشي الوباء، فقد
بينت منظمة اليونيسيف: أن الأطفال يمكن أن يشعروا بالقلق والتوتر والحزن، خاصة مع تزايد عدد الأشخاص المحاصرين بالمنزل، وقد يجدون صعوبة في فهم ما تنشره مواقع التواصل الاجتماعي، لذلك تنصح اليونيسيف الأهل، في التحدث مع أطفالهم بأسلوب واضح وبسيط يتناسب مع أعمارهم، وتذكيرهم بالعادات الصحية وغسيل اليدين، والأسلوب الأمثل لتحقيق ذلك، هو اللجوء للرسم والقصص حيث يمكن من خلالها النقاش ومشاركة الأفكار، والإجابة على أسئلة الأطفال، مع الحرص على تحلّي الكبار بالهدوء لعدم إثارة الخوف لديهم، كما يؤكد التربويون والمتخصصون على توفير البيئة الآمنة لأطفال من أجل التعبير عن أفكارهم، والسماح لهم بالتعبير عن مشاعرهم ومخاوفهم، وعدم السخرية والتقليل من تلك المخاوف.
الحرص على توفير الفرص للعب، ومن المهم أن يقوم الأهل بوضع برامج يومية للأطفال، كي لا يشعروا بالضجر والملل، يمكن للغناء والرقص وممارسة الهوايات أن تساعد كثيراً في ملء أوقات الفراغ، ووضع جداول الأنشطة التي يمكن تنفيذها بالمنزل وجعل الأطفال يشاركون في تحديد الأوليات، كإنهاء الواجبات المدرسية والمهام المطلوبة والالتزام بها. ومن المهم أن يشارك الأطفال مع الأهل في الأعمال المنزلية، ويلعب الأهل دوراً مهماً في توعية المراهقين من عدم الوقوع في فخ الشائعات والتهويل.
أما بالنسبة للأطفال الذين يتابعون التعليم في المنزل، ينبغي ابتعاد الآباء عن العصبية والضغط على الأطفال في حال تقصيرهم في أداء الواجبات المدرسية، فالمهم اليوم أن تكون صحة أطفالنا النفسية من أوليّات اهتماماتنا.

أخيراً لابد من التذكير بأن الكبار هم قدوة لأطفالهم في التعامل مع الوباء، من خلال حفاظهم على توازنهم واستقرارهم النفسي، والابتعاد قدر الإمكان عن التوتر والعصبية، والتحلّي بالموضوعية والوعي، لذا من المهم للكبار العناية بأنفسهم وسلامتهم العاطفية في هذه الأزمة الصحية، ليتمكنوا من القيام بدورهم على النحو المطلوب.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني