fbpx

العرب وتصفير المشاكل

0 197

يتردد في الأوساط العربيّة الحديث عن استراتيّجية عربيّة جديدة في التعامل مع القضايا العربيّة والإقليميّة تقوم على قاعدة “تصفير مشاكل” مع دول المنطقة وخاصّة مع إيران ولِما لهذه الاستراتيجيّة من آثار كارثيّة على الثورة والشعب السوريّ كان لابّد من تحليل هذا المفهوم لفهم دلالاته وأبعاده وآثاره.

تُعَّرف المشكلة بأنّها هي تعارض بين مصالح وأهداف طرفين أو أكثر، يمكن التغلب على هذا التعارض من خلال إعداد الخطط المحكمة وخلق الحلول المناسبة وغالباً ما يكون الدافع وراء المشكلة هو التنافس ومن خصائصها أنها عابرة ومحدودة الأثار وسهلة الحلّ.

وتتجلى المشكلة على صعيد السياسة بظهور منافس في مناطق النفوذ السياسي أو في مناطق المصالح الحيّوية يملك مؤهلات التفوّق من اقتصاد قوي وقوة عسكرية رادعة وأيديولوجية دينية أو فكريّة أو اجتماعية منافسة.

أمّا الأزمة فهي مرحلة متقدِّمة من المشكلة وحدث عندما يتحوّل الدافع إليها من دافع التنافس إلى دافع الصراع الناتج عن استنفاذ سبل التعامل معها وعدم جدوى مبادرات الحل السلميّ ّ والوصول إلى حالة الاستعصاء الأمر الذي يحوّلها إلى مرحلة تمهيديّة تُنذر باندلاع نزاع مسلّح أو حرب بين المتصارعين تلعب موازين القوى في تحديد خياراتهما حيث يرضخ الضعيف للأقوى ويفرض الأقوى شروطه الاستسلاميّة، عندها تتحوّل الأزمة إلى كارثة تتعلّق بالوجود وعدمِه ومن خصائص الأزمات:

  • بأنّها تؤثر تأثيراً سلبياً على المكانة السياسيّة والاقتصادية لطرفي الأزمة.
  • وبأنّها تؤدّي إلى الفوضى وعدم الاستقرار والعجز عن التعامل مع آثارها.
  • وتؤّدي إلى فقدان ثقة الطرف الأضعف بنفسه والشلل والعجز عن اتخاذ موقف مواجه للأزمة وسرعة في اتخاذ القرار، مما يفقده القدرة على الصبر والتحمّل ودفعه للاستسلام والتفريط بالحقوق.

فالنظام الرسمي العربيّ عجز عن درء خطر المشروع الإيراني التوسعي لما تغاضى عن تحالف نظام حافظ أسد مع ايران في حربها على العراق في الثمانينات وصمت عن تغوّل حزب الله على الدولة في لبنان وترك الفصائل الفلسطينية ترتمي في أحضان نظام الملالي وتعاون مع الأمريكان في احتلال العراق وتسليمه لإيران على طبق من ذهب، وانقسم حول الحرب في اليمن الأمر الذي مكّن إيران من تحقيق هدفها في التوسّع في البلاد العربيّة واستكمال مشروع الهلال الشيعي وأصبح هذا الاحتلال أمراً واقعاً مع إقامة أنظمة حاكمة فيها تابعة وموالية لها ولاء مطلق.

ومع غياب مشروع عربيّ موحّد وجادّ وقوي ومتماسك ضد المشروع الإيراني تحوّل الصراع العربي الإيراني من قضيّة وجود وحدود إلى مشكلة عاديّة تقتضي تغيير استراتيجيّتهم من المواجهة وتفكيك هذا المشروع وإزالة آثاره إلى استراتيجية الاحتواء وربّما الشراكة على قاعدة التنافس وأنّ جوهر استراتيجية الاحتواء يقوم على “تصفير المشاكل”، مما يني تسليمهم بالأمر بالواقع واعترافهم بمكاسب النظام الإيراني واستعدادهم للتعايش معه.

النظام العربيّ الرسمي يكرر نفس الخطيئة التي ارتكبها بحق الأمة عندما سمح للولايات المتحدة الأمريكيّة بتسليم العراق لنظام الملالي إذ يُسلم اليوم سورية له مع فارق أن تسليم العراق كان بعد تدمير الجيش الوطني العراقي ومؤسسات الدولة العراقيّة مما سهّل على إيران تشكيل جيش من الميلشيات الطائفيّة وتطييف مؤسسات الدولة، ينما يُسلِّمون سورية له اليوم تحت ذريعة “الحفاظ على مؤسسات الدولة” التي تعني حكماً الحفاظ على النظام الطائفي المجرم بعد تدمير مدن وحواضر أهل العرب السُّنة ونزع شوكتهم تحويل الجيش السوري إلى ميليشيات مزدوجة الانتماء “طائفي داخلي – مذهبي مستورد” بعد قتل واعتقال وطرد وتهجير الضباط وصفّ الضباط السُّنة أو انشقاقهم وتحويل مؤسسات الدولة إلى مؤسسات طائفيّة تشبيحيّة صرفة بعد قتل وملاحقة واعتقال الموظفين السُنّة وتهجيرهم وتوظيف أفراد تلك الميلشيات مكانهم ممن امضى عشر سنوات في القتل والتشبيح بحق الشعب السوري أي انهم يسلّمون سوريّة مع مقومات القوة التي تُمكِّنه من البقاء والاستمرار ومقاومة أي حركات تغيير أو تحرير.

إنّ معركتنا نحن السوريون مع هذين النظامين الطائفيين ليست مشكلة عابرة ولا أزمة مؤقّتة وإنما هي معركة وجود وهي كارثة حقيقية حلّت بنا لم يسلم منها لا عقيدتنا ولا أرضنا ولا ثقافتنا ولا أخلاقنا ولا عاداتنا، ولا دمائنا ولا أعراضنا ولا ممتلكاتنا وخلّفت آثاراً كارثية لا يمكن معالجتها إلا بتغييرٍ جذريٍ فعالٍ مستمرٍ ومتجددٍ في أساليب معرفة أسبابها، وأدوات تفكيك عوامل استمرارها الداخليّة والخارجية وتوفير آليات المحاسبة، والعمل على إعادة تأهيل المجتمع السوري وتمكينه من النهوض من جديد في إعادة إعمار الإنسان والعمران.

لذلك لا يمكن قبول الحديث عن تصفير المشاكل قبل زوال نظام أسد الطائفي وميليشياته الطائفية وتفكيك تحالف الأقليات ضد الأكثرية في سورية كونها أهمّ أسباب الكارثة في سورية، وتمكين الشعب من ممارسة حقوقه الأساسية واختيار نظام الحكم ومن يمثِّله في حكم البلاد.

كما لا يمكن قبول الحديث عن تصفير المشاكل قبل محاسبة المجرمين والحيلولة دون تمكينهم من الإفلات من العقاب، وتحقيق العدالة الانتقالية وإنصاف الضحايا.

ولا يمكن قبول الحديث عن تصفير المشاكل قبل طرد قطعان الميليشيات الايرانيّة والمرتزقة الروس، واسترداد مقدرات البلاد المنهوبة واستعادة الشعب سيادته وقراره الوطني من المحتلّين.

ولا يمكن قبول الحديث عن تصفير المشاكل قبل إعادة التوازن الديموغرافي تفكيك البؤر الاستيطانيّة الناتجة عن عمليّات التغيير الديموغرافي.

ولا يمكن قبول الحديث عن تصفير المشاكل قبل القضاء على مظاهر ونتائج العبث بعقائد أهل السنة واستئصال ظاهرة شيوع المتعة وممارسة طقوس التطبير ولعن الصحابة الكرام في أوساط المجتمع السوري.

وبما أن الأمن القومي العربي مرهون بأمن واستقرار كل بلد عربيّ، ومرهون بالدفاع عنه ضد أي عدوٍّ خارجي أو داخليٍّ عميل يُفرّط بوحدة البلاد والشعب، مرتهن لتحقيق مصالح خارجيّة على حساب الأمن القومي العربي كنظام أسد الطائفي وعصابات الحوثي في اليمن ونظام العراقي وحزب الله في لبنان، لا يمكن التعامل مع هذه الكوارث على أنّها مجرّد مشاكل عابرة بالنسبة لبعض الدول العربيّة، أو أزمات مؤقّتة بالنسبة للبعض الآخر فالأمن العربي المشترك والمصالح العربيّة العليا كلٌّ لا يتجزأ والتعامل مع العدو المشترك على غير هذا النحو هو تفريط بهذه المشتركات واستسلام لهذا العدو.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني