العرب والأقليات العرقية.. الأمازيغ والكورد مثالاً
كان هذا عنوان لقاء تم في جامعة UQAM التي تفضلت مشكورة بمنحنا قاعة كبيرة في الطابق الخامس من مبناها الجميل وسط مونتريال. بني جزء من هذا المقال ومن الحوار الذي تم حوله على مقالة للباحث السوري الصديق شمس الدين حمو كتبها خصيصاً للقاء.
هنا أحاول أن أجيب على سؤال ملح، هل الأمازيغ والكورد شعوب أم أقليات؟.
إن بعض شعوب المنطقة تعرضت إلى عنف شديد وبأشكال مختلفة دفع بأعداد كبيرة منها إلى الهجرة الداخلية أو الخارجية، وصل العنف أحياناً إلى حد الإبادة بمختلف أنواع الأسلحة، ويستطيع الطرفان، الكورد والأمازيغ، وهما مثالا هذا المقال، أن يرويا أمثلة بشعة ومؤسفة عن مدى العنف الذي تعرضوا له.
حين نناقش قضايا شائكة من هذا القبيل، وتمس تصنيفاً للمجتمع، فإن ثلاثة أسئلة تطرح نفسها وبقوة:
ما هي حقوق الأقليات في المنطقة العربية؟
هل من سبل لتحسين وضع الأقليات في مناطق الدول الناطقة باللغة العربية؟
كيف يمكن أن نساهم في حل هذه القضية؟
إلا أن الأسئلة السابقة والنقاش كله سيفضي إلى تساؤل غير حيادي، هل يجب أن يكون لهم حقوق في ظل مفهوم المواطنة المتساوية؟
تحدث السيد إسماعيل جعود الباحث والمدرس في جامعة أوكام (UQAM) عن مفهوم الأقلية العددية وأهميته من حيث استخدامه، يقصد استخدام هذا المفهوم، في تهميش بعض شعوب المنطقة تحت مقولة إنهم أقليات، وأن حقوقهم تخضع لأهواء الأكثرية.
كما استنكر السيد جعود التصريح الذي يقول: ها قد حاز الأمازيغ على الاعتراف بلغتهم، فماذا يريدون أكثر من ذلك؟ وأفاد أن الاعتراف باللغة الأمازيغية هو ليس منحة من أحد، إنما هو نتاج نضال متواصل من الشعب الأمازيغي، الامازيغ الذين لا يجدون فرصتهم الحقيقية في ظل أنظمة ديكتاتورية لممارسة حياة طبيعية، وكذلك للمساهمة في تطوير المجتمع.
من الواضح أن هناك دائماً من يعتبر نفسه أكثرية تفرض إرادتها على شعوب أخرى تسميها أقلية رغم أن عددها يصل إلى الملايين، ففكرة الأقليات توظف سياسياً حين يكون ذلك مفيداً، وفي حالات أخرى يصف النظام الحاكم نفسه كحام للأقليات، ما يؤكد على التوظيف السياسي لمفهوم الأقلية.
لقد استخدم الاستعمار مفاهيم الأقلية لتفتيت المنطقة، لا توجد ثقافة المواطنة في منطقة الدول الناطقة بالعربية، بحيث تكون قادرة على مقاومة الاستعمار.
وتعريجاً على النموذج الثاني وهو الوضع الكوردي في المنطقة ككل، فان للوضع الكوردي في العراق ثمة بعض الحقائق يجدر سردها:
إن صيغة تسمية الكورد بالأكراد (على وزن أعراب المستخدمة بالذم) هي مرفوضة ويجب الإبقاء على صيغة الكورد تحاشياً لصيغة الذم المتداولة في اللغة العربية ومثل الأعاجم، والعجمى لغير العاقل (راجع مقال الأستاذ شمس الدين حمو).
امتد الكورد جغرافياً من حدود أرمينيا مروراً بتركيا وإيران وصولاً إلى شمال سوريا والعراق.
أغلب الباحثين متفقون على أنهم – أي الكورد – ينتمون إلى المجموعة الهندوأوروبية، وأنهم أحفاد قبائل الميديين التي هاجرت في مطلع الألف الثانية قبل الميلاد، وأسس الكورد 15 دولة مسجلة تاريخياً، آخرها الدولة البابانية.
في عهد عبد الكريم قاسم في العراق، تم تثبيت بعض حقوق الكورد، إلا أن هذه الحقوق لم تتطور طبيعياً بما ينسجم ووضع الكورد التاريخي في المنطقة.
يتميز الكورد بلغتين والعديد من اللهجات، أما اللغتين فهما كورمانجي (Kurmanci) وتعني الكوردية وتُعرف أيضًا باسم الكوردية الشمالية. أما اللغة الثانية فهي السورانية (الصورانية) ولها لهجاتها أيضاً.
إن نشاط الحركة الوطنية التقدمية في العراق، أتاح للكورد أن يدرّسوا اللغة الكردية في مدارسهم عام 1973، وحين حوربت القوى الوطنية التقدمية، انعكس ذلك على سلباً على الكورد أيضاً. يجب أن نعلن ذلك بوضوح، إن القوى التقدمية وليس الديكتاتور هم من يحافظون على النسيج الملون للمجتمع.
إن اتهام أي شخص يبحث عن شخصية ثقافية ولغوية بأنه انفصالي هو اتهام باطل، وإن الشعوب التي عانت مرتين، مرة من النظم الاستبدادية، ومرة من منعها من استخدام لغتها حتى في الحديث اليومي أحياناً، تحتاج إلى استعادة مكانتها الإنسانية كشعوب منتجة للفن والثقافة والعلم والأدب وكل مناحي الحياة.
إن الأقليات والطوائف الدينية يجب ألا تظلم ولا تدان، المدان هو التفكير الأقلوي أو الطائفي، وهذا ما يلجأ إليه الحكام لتثبيت حكمهم، وعلينا أن نعي ذلك ولا نقع في هذا الشرك، فنحن نبحث عن التعايش القائم على العدل والحرية، وليس التجاور القلق لمكونات الشعب والخوف العميق من الآخر.