fbpx

العدالة الاستثمارية

0 52

بعد معرفة نظامي الاستثمار نظام BOT، ونظام BOO، يكون السؤال ما هو الأفضل لسوريا ولتحقيق رفاه المواطن السوري، في هذا السياق أضع عدة اقتراحات عملية من الممكن تطبيقها وتنطلق من تحقيق العدالة الاجتماعية إلى تحقيق التنمية المستدامة.

اقتراح مشروع قانوني استثماري جديد في سوريا: من العدالة الاجتماعية إلى التنمية المستدامة

في خضم التحولات التي تمر بها سوريا، وخاصة مع انطلاق مرحلة الانتقال السياسي، تبرز الحاجة إلى صياغة نماذج اقتصادية خاصة تراعي الحالة السورية وتحقق التوازن بين جذب الاستثمارات الخارجية الهامة والضرورية وحماية الحقوق الاقتصادية للمواطنين، لا سيما بعد سنوات الحرب الطويلة وتضحيات السوريين خلال أربع عشرة من الثورة والعطاء. من هنا اطرح مبادرة لوضع إطار قانوني جديد لنظام الاستثمار في سوريا، يقوم على مبدأ BOT التشاركي، أي البناء والتشغيل ثم نقل الملكية، لكن مع تعديل جوهري: إدراج المواطنين كشركاء فعليين في العملية الاستثمارية.

أيهما أصلح لسوريا: BOT أم BOO؟

بعد دراسة معمقة، تبيّن أن نظام BOT أكثر عدالة لسوريا من BOO، لأنه يحافظ على ملكية الدولة للمرافق العامة ويمنع الخصخصة الدائمة. لكن رغم مزاياه، يعاني هذا النظام من فجوة في عدالة التوزيع، إذ غالبًا ما يستفيد المستثمرون فقط دون الشعب.

لذلك، تم اقتراح تعديل جوهري عليه: تخصيص نسبة 10% إلى 15% من كل مشروع يُطرح على شكل BOT، للاكتتاب العام الشعبي، بحيث يُتاح للمواطنين السوريين والشركات السورية في الداخل والخارج الاستثمار المباشر في مشاريع وطنية منتجة، ضمن إطار تنظيمي واضح، مع ضمانات وحدود تمنع التلاعب والاحتكار.

لماذا هذا مهم في السياق السوري؟

– العدالة الاجتماعية لا تتحقق فقط بإعمار الأبنية، بل بإشراك الناس في الثروة.

– اللاجئون والنازحون بحاجة لأمل ووسيلة ليكونوا جزءًا من النهوض الوطني.

– هناك خطر حقيقي من “خصخصة الحرب” إذا لم يوضع إطار قانوني عادل.

تعديل في القوانين… وثورة على أرض الواقع

وفق تصريحات مستثمرين، فإن المشاريع التي تم توقيع مذكرات تفاهم بشأنها حتى الأن تبلغ قيمتها أكثر من 9 مليار دولار، وتوفّر أكثر من 100 ألف فرصة عمل. وبالتالي، فإن مشاركة المواطنين والشركات السورية بنسبة 10%–15% من هذه الاستثمارات فقط تعني ضخ ما يقارب 900 مليون إلى 1،35 مليار دولار من مدخرات السوريين داخل سوريا وخارجها بشكل آمن ومثمر.

كيف نضمن العدالة وحماية الناس؟

– إشراك القطاع المحلي: إلزام المستثمر الأجنبي بالشراكة مع مواطنين سوريين وشركات سورية (بنسبة 10%-15%) مع اعطاء الأولوية للاكتتاب للأفراد الأكثر احتياجًا، تخصيص حصة للعائلات المتضررة من الحرب أو صغار المستثمرين، يليها صناديق التقاعد في الجمعيات التعاونية والنقابات، ثم الشركات السورية. (الاستفادة من تجربة دول مثل ماليزيا والأردن)

– يحدد إجمالي عدد الأسهم ليكون سعر السهم الواحد بمتناول ذوي الدخل المحدود وتحديد سقف لعدد الأسهم التي يمكن للمواطن الواحد شراءها، لمنع الاستغلال وسيطرة القلّة.

– تأسيس صندوق وطني لحماية صغار المستثمرين.

– بيع الأسهم إلكترونيًا عبر منصة آمنة ومرتبطة بالهوية الوطنية.

– إتاحة الشراء بالتقسيط بإشراك البنوك في التمويل لتمكين محدودي الدخل.

– نقل التكنولوجيا: اشتراط تدريب الكوادر السورية كجزء من أي عقد استثماري (الاستفادة من تجربة دول الخليج وماليزيا وسنغافورة).

– إلزام المستثمرين ببرامج تدريب لتشغيل 80% من العمالة والتقنيين من المواطنين (الاستفادة من تجربة دول الخليج في هذا المجال).

– فرض ضريبة تنموية بنسبة 2.5% على أرباح الشركات، تذهب مباشرة لقطاعات

التعليم والصحة والإسكان.

مثل هذا النظام الاستثماري يحقق هدف تحويل المواطن من متلقٍ للخدمات ودافع لرسوم الخدمات والضرائب إلى شريك في التنمية.

ضوابط لحماية المواطن من الاستغلال:

– ربط أسعار الخدمات (مثل الكهرباء ورسوم الطرق) بدخل المواطن، بحيث لا تتجاوز نسبة معينة من دخله.

– ضمان حد أدنى للأرباح للأفراد (مثلاً 3-5% سنويًا) في السنوات الأولى للمشروع.

– منع بيع الأسهم المخصصة للأفراد والشركات السورية للأجانب للحفاظ على الملكية المحلية.

– فرض ضرائب تصاعدية على أرباح كبار المساهمين (لمنع التراكم غير العادل للثروة).

هذه التوصيات إن نُفذت بجدية، ستساهم في:

– تمكين المواطنين مالياً وتعويضهم عن سنوات الحرب عبر مشاركتهم في العوائد بتحويلهم من “مستهلكين” إلى “مُلاك” يشاركون في أرباح المشاريع.

– تحسين العلاقة بين المستثمرين الأجانب والمجتمع السوري.

– إعادة إعمار سورية دون التضحية بسيادتها الاقتصادية.

– بناء اقتصاد منتج بدلاً من اقتصاد ريعي يعتمد على المساعدات.

– تقليل الاحتجاجات الاجتماعية إذا شعر المواطن أنه شريك في المشروع (مثل محطات الكهرباء أو المياه)، سيقبل بزيادة الأسعار نسبيًا.

– حقن السيولة في السوق المحلي بتحفيز الادخار والاستثمار المحلي بدلاً من هروب رؤوس الأموال.

– الحد من هيمنة المستثمر الأجنبي بتخفيف السيطرة الخارجية على القطاعات الاستراتيجية.

الهدف ليس فقط تنشيط الاقتصاد، بل خلق نمط اقتصادي جديد يتجاوز فكرة الدولة الراعية إلى الدولة الشريكة، التي تقدم الفرص المتساوية لمواطنيها لحياة رغيدة ويعيد ثقة المواطن بوطنه ومؤسساته.

ربما يكون هذا المشروع بداية لما يمكن تسميته بـ العدالة الاستثمارية – مفهوم جديد يتجاوز المساواة الشكلية، ويضع المواطن في قلب القرار الاقتصادي.

كما أنه لا يعوق الاستثمار بل يحوله إلى رافعة وطنية تشرك الناس في الثروة دون إثقال كاهل الدولة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني