
ثلاث قصائد للشاعرة منى عثمان
الظمأ
امرأة…
من قطيفة وعنبر،
روحها الريحان،
وقلبها غصن أخضر.
شموس عينيها
لها ألف مَشْرق،
وبعمقها البحر يغرق.
امرأة
من توت وعنب،
ليلها السهد،
وصبحها الأرق.
فيض من جمان،
لا صدر يحويه،
ولا عرفت سوى التعب.
وحدها والليل،
وحدها..
ووسائد تحكي القلق.
امرأة
إذا ما سطرناها قصةً،
فعنوانها… الظمأ.
الحب شهد لم تذقه،
والشجن ظلها الأطول.
آهٍ لامرأة غُزلت من ضياء،
وشاحها يبرق،
وحرفها يغدق،
وحدسها يصدق.
فراشة هي،
فوق آكام الحلم تحلق،
بينما الشوك قلادة
في جيدها معلق.
أنا المنى
أنا المنى،
ابنة المجازات المثقلة بعسل الأمنيات،
سليلة الكنايات التي تماثلت والضوء..
فوق أقبية السطور،
فجاءت الشمس،
وكان الميلاد.
أنا المنى،
موجة فرت من تواريخ الفناء،
سكنت أوردة الحلم الغافي على صدر الريح،
وعلقتها تميمة فوق الأفق الغارق
في مدارات القصيد.
أسمعتني…
قلت: أنا المنى.
رفيفٌ تحلق حيث آماد عطر
من عهد الرحيق.
بذرة نبتت حيث تلافيف المحال،
إذ راودها الجدب،
وغشاها النضوب،
لكنها..
تعلقت بغيمة.. وفرت
صوب ربيع يتشرنق غيباً،
يترقب
أي المواسم يصلح للقاء.
أنا المنى،
أسيل همساً كلما فاض اشتياقي،
كلما راوغتني لهفتي،
وأطلت.. من شرفة العيون،
وأفشت ذاك الفيض بقلبي.
امرأة كل نوافذها تجاهك،
فوق ستائرها المسدلة..
ترسم وجهك.
يا ذا القاطن بين مسام الليل،
تتصنت نبضي،
تحصي حبات الدمع العالقة بروحي،
وإذ أغفو…
تنفث في وجهي أبخرة الوله وتمضي.
أنا المنى..
قدري..
أن…
لغة الموج
كان الجسر صغيراً جداً،
والهوة أفعى،
والخطوة أضيق من ثقب الإبرة،
وبعيدة الضفة،
والقلب تمزقه اللهفة،
وبراق الحلم يناشد معراج الروح.
فبأي قوارب ننجو
والغرق..
يتصاعد حمماً،
والموج لهيب،
والشط هلامي الوجهة، والريح لعوب.
ندنو فينأى،
يتباعد حيث مسافات لا تُحصى،
والجرح نوارس ثكلى.
كان اليأس ينادمنا،
يشرب نخب ضياع يتربص،
ونقاوم ألا نهوى،
وجزعاً أتلوى.
كيف نولي صوب الموت
وبالروح براح ينشدنا؟
حاولت كثيراً أن أهبك مجدافاً نحوي،
وأنت تُخلي يديك.
حاولت كثيراً أن أنشد درباً يجمعنا،
وأنت تولي للريح خطاك.
حاولت كثيراً أن أسكن صدرك كيمامة فرح،
وأنت تهبني لأحزان شتى.
حاولت، حاولت،
وأنت تراهن غرقي.
وبعتم دروبك، قايضت بشمسي.
كان الجسر صغيراً جداً،
والهوة أفعى،
وكنت
تحمل في عينيك المرسى،
وضفافاً أقرب.
تتقن لغة الموج ليهدأ،
وتوشوش شطيّ أن يدنو.
لكنك آثرت ضياعي،
آثرت الصمت،
وبخلت، بخلت،
ولجرح يتسع لموتي.
أسلمت الراية،
ومضيت!!