fbpx

الصّحافة السّوريّة بين رؤيتي النّظام والمعارضة

0 181

مازالت سوريا تتصّدر ذيل القائمة في
التّرتيب العالميّ لحريّات الصّحافة، فالسّلطة الرّابعة في العديد من بلدان العالم
تلعب دوراً إيجابيّاً تنبض بها الحقائق، لكنّ الحقيقة في سوريا تختنق وتُدفن؛ لأنّ
الأوكسجين (الحريّة) ممنوع عن صحافتها، فالحريّة هي العامل الأهمّ لنّموّ صحافة مستقلّة
تكون همزة وصل بين المواطن والمسؤول.  

صّحافة النّظام
منذ استلام البعث السّلطة عام
1963 إلى اليوم:

بعد انقلاب حزب
البعث وتسلّمه مقاليد الحكم في سوريا، كانت وسائل الإعلام هدفاً رئيساً له، فعملت
حكومته على إغلاق الصّحف كافّةً، وسمحت للنّاطقة باسمها بالبقاء، وهي: صحيفة
البعث، وصحيفة الثّورة، وصحيفة تشرين. توزّع الصّحف الثلاث مجّاناً على الوزارات،
والدّوائر الرّسميّة في مختلف المحافظات. وهي ملزمة باعتمادها وكالة الأنباء (سانا)،
كمصدر وحيد للأخبار، والتي بدورها تخضع لرقابة وزارة الإعلام. هذه الصّحف الثلاث نُسخٌ
طبق الأصل عن بعضها؛ فالصّحافة في سوريا ليست حرّة، وإنّما محكومة بنهج الحزب
الأحاديّ القائد للدّولة والمجتمع، وعليها أن تكون داعمة له، فهو المالك الحصريّ
للمعلومات، ويخضع جميع الصّحفيين العاملين في هذه الصّحف لرقابة شديدة، ويُعاقبون
إذا تعدّوا الخطوط الحمراء، لذلك سكن الخوف قلوبهم، وعشّش الرّعب في نفوسهم،
وتحوّلوا إلى مجرّد موظفي دولة يقومون بتحرير الأخبار التي تزوّدهم بها وكالة (سانا)
دون أيّ إسهام منهم.

تتبنّى جرائد
أحزاب الجبهة الوطنيّة التّقدميّة الموقف السّياسيّ للصّحف الرّسميّة؛ فجريدة
(النّور) مثلاً، وهي مطبوعة أسبوعيّة لجناح (يوسف فيصل) المنشق عن الحزب الشيوعيّ
السّوريّ تتّصف بأنّها حزبيّة جدّاً، أقرب إلى المنشور الدّاخليّ، غائبة الهويّة،
تواضع مهنيّ وخبريّ، تعيش في فضاء خاصّ بها، بعيدة عن الواقع.

في عام 2001 أصدرت الحكومة السّوريّة مرسوماً أضافت فيه قيوداً جديدة على
الصّحفيين؛ صحيح أنّه سمح للصّحفيين الأحرار بإنشاء صحف ومطبوعات دوريّة، لكنّه
فرض عليهم العمل وفق رخصة يمنحها وزير الإعلام، ويحبس ثلاثة أشهر من يعمل دون
رخصة، أو من يتعدّى الخطوط الحمراء المفروضة على كلّ صحفيي سوريا، وهو بذلك يكون
قد خنق أيّ فرصة لولادة صحافة حرّة مستقلّة تنافس الصّحافة الرّسميّة، وتجبرها على
الخروج من نفقها المظلم،  وما تعليقه لصحيفة الدّومريّ السّاخرة،
والانتقام من مالكها الفنّان (علي فرزات)؛ إلّا دليل على عدم السّماح للرؤى
المختلفة بالظّهور، وإبقاء الصّوت الواحد مسيطراً.

عند اندلاع الثّورة السّوريّة كان الإعلام من ضمن أهمّ
الأسلحة الّتي استعملها النّظام لقتل الجوهر الأخلاقيّ للثّورة السّوريّة، فانبرت
أقلام صحفيه تدوّن القصص والأكاذيب الّتي تُلقّنها لهم أجهزة المخابرات للتّشهير
بالمتظاهرين (مندسين – مخرّبين – مؤامرة كونيّة…)، ومارسوا مختلف أنواع التّضليل
الإعلاميّ.

ليس غياب الحريّة السّبب الوحيد في تخلّف الصّحافة
الرّسميّة، بل الأشدّ مرارة هو احتقار عقل القارئ، عندما تفتقر سلطته الرّابعة إلى
العقل.  

صحافة المعارضة:

مع وصول رياح الرّبيع العربيّ إلى سوريا انكسر السّتار
الحديديّ الّذي كان يحيط بالشّعب السّوريّ، وبات النّظام وصحافته عاجزين عن إعادة
النّاس إلى حجرة الظّلام، فقد أدرك السّوريون أنّ الحراك الشّعبيّ على الأرض
لامعنى له دون إعلام بديل يشدّ من عزيمتهم ، فتحوّلت صفحات الفيسبوك إلى وكالات
أنباء تنقل الأخبار وترفقها بالصّور والفيديوهات، وأطلت صحف ومطبوعات، أنشأ بعضها
مواقع إخباريّة، وتحوّل بعضها إلى ما يشبه المنشورات السّريّة تُطبع وتوزّع بنشاط
في المناطق المحاصرة، كما ظهرت مؤسّسات إعلاميّة في بداية الثّورة، نجح بعضها في
الاستمرار وتطوير أدائه الصّحفيّ، وأنشأ لنفسه موقعاً إلكترونيّاً، وحالف الحظّ
بعضهم الآخر بفرص تمويليّة، فأصدر نسخاً ورقيّة مطبوعة، ومن أبرزها: مجلّة (عنب
بلدي) الّتي أصدرها مجموعة من النّاشطين في (داريّا)، واليوم أصبحت مؤسّسة
إعلاميّة سوريّة تقدّم تغطيات على مدار السّاعة عبر موقعها الإلكترونيّ. ومجلّة
(طلعنا على الحريّة) ولدت من رحم لجان التّنسيق المحلّيّة، واستقلّت عنها تُوزَّع
في الشّمال السّوريّ وتركيا، و(شبكة شام الإخباريّة) تنقل الأخبار الميدانيّة. ومن
الدّوريّات المطبوعة (كلّنا سوريون – وصدى الشّام – وسوريّتنا – ومجلّة سيّدة
سوريا).

إنّ الوفرة في وسائل إعلام المعارضة يعود إلى مساحة
الحريّة الّتي حظي بها السّوريّون الذين كسروا حاجز الخوف، وقد خلق حالة تنافسيّة
لاشكّ، بيد أنّها لم تكرّس في المسار الصّحيح. فما هي الأسباب الّتي أعاقت تلك
الصّحف ومنعتها – إلى الآن – من تكوين هويّة تميّزها عن صحف النّظام، رغم اختلاف
توجّهها السّياسيّ؟!

للجواب عن السّؤال السّابق ننطلق من الركائز الأساسية
للعمل الصّحفيّ، وهي: هامش الحريّة والمهنيّة والإمكانات الماديّة المناسبة.
ولنقيّم أداء صحافة المعارضة وفق تلك الرّكائز.

لم تستغل صحف المعارضة مساحة الحريّة الموجودة على نحو
يسهم في تطوير وعي المجتمع بقضاياه الأساسيّة المتعلّقة بالحريّة والعدالة، وتعزيز
ثقافة الآخر، فمع تشّعب الصّراع وعسكرة الثّورة، حاد خطابها الثّوريّ الإعلاميّ عن
هدفه الرئيسيّ، وهو مناصرة الشّعب السّوريّ، وإظهار وحشيّة النّظام وداعميه، إلى
الإغراق في التّفاصيل المحلّيّة والمناطقيّة وتمجيد الفصائل؛ الأمر الذي جعلها تفقد
التّعاطف الشّعبيّ على المستويين الدّاخليّ والخارجيّ.

ينقص العاملون لديها الحرفيّة والمهنيّة، فأغلبهم ليسوا
صحفيين، وغير مدرّبين على أخلاقيّات الصّحافة وأساسياتها – ولاسيّما العمل الحربيّ
والإعلام السّياسيّ – ينقلون الأحداث بصورة انفعاليّة يخلطون بين الواقعيّ
والانفعاليّ، يُدفع إلى الميادين الحربيّة الأشجع منهم، وليس الأكفأ.

دُعِمت هذه الصّحف ماديّاً بطريقة غير صحيحة، فكان
أداؤها ضعيفاً لم يتطّور، تحكمها عقليّة الدّاعم، الذي يسعى إلى استقطاب أكبر عدد
من المتابعين.

إنّه وعلى الرّغم من المطبّات الّتي وقع بها إعلام
المعارضة، إلّا أنّه استطاع أن يقدّم مشهداً صحفيّاً مُغايراً لما يقدّمه إعلام
النّظام، ويعمل على تطوير تجربته وإنضاجها يوماً بعد يومٍ، مع وجود الكثير من
الدّورات المهنيّة لتخريج صحفيين وإعلاميين.

اليوم، نحن بحاجة إلى جسم إعلاميّ موحّد ينسّق العمل
الصّحفيّ، ويجنّبنا النّزاعات الصّحفيّة، ويوحّد خطابنا الإعلاميّ لنعود به إلى
روح الثّورة الأولى.. خطاب جامع يلامس همومنا الدّاخليّة من جوانبها كافّة، ويحدّ
من خطاب الكراهية الذي أخذ يغزو النّسيج السّوريّ.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني